الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَغْرَقَةٌ بحاجَتِه (5) الأَصْلِيَّةِ، فلم تَمْنَعْ جَوازَ الانْتِقَالِ، كالمَسْكَنِ والمَرْكُوبِ والطَّعامِ الذى هو محتاجٌ إليه، وما ذكرُوه يبْطُلُ بالطعام المُحْتاجِ إليه، وبما إذا وجدَ الماءَ وهو مُحْتاجٌ إليه للعَطَشِ، فإنَّه لا يَمْنَعُ الانتقالَ إلى التَّيَمُّمِ، ولأنَّ وِجْدانَ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ كوِجْدانِها، ولهذا لم يَجُزْ لمنْ وجَدَ ثَمَنَها الانْتقالُ إلى الصِّيامِ، ومع هذا، لو وجدَ ثَمَنَها الذى يحْتاجُ إليه، لم يَمْنَعْه الانْتِقالَ، كذا ههُنا. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إِنْ كان فى شىءٍ من ذلك فَضْلٌ عن حاجَتِه، مثل مَنْ له دارٌ كبيرَةٌ تُساوِى أكثرَ من دارِ مِثْلِه، ودابَّةٌ فوقَ دابَّةِ مِثْلِه، وخادِمٌ فوقَ خادِمِ مثلِه، يُمْكِنُ أَنْ يُحَصِّلَ به قَدْرَ ما يحْتاجُ إليه، وتفْضُلَ فضلَةٌ يُكفِّرُ بها، فإنَّه يُباعُ منه الفاضِلُ عن كِفايَتِه، أو يُباعُ الجميعُ، ويبتاعُ له قَدْرُ ما يَحْتاجُ إليه (6)، ويُكفِّرُ بالباقِى. وإِنْ تعَذَّرَ بيعُه، أو أمْكَنَ البيعُ ولم يُمْكِنْ شِراءُ ما يحْتاجُ إليه، تُرِكَ ذلك، وكان له الانْتِقالُ إلى الصِّيام؛ لأنَّه تعَذّرَ الجَمْعُ بينَ القيامِ بحاجَتِه والتَّكْفيرِ بالمالِ، فأشْبَهَ ما لو لم يكُنْ فيه فَضْلٌ.
فصل:
ومَنْ له عَقارٌ يَحْتاجُ إلى أُجْرَتِه لِمُؤنَتِه أو حَوائِجِه الأَصْلِيَّةِ، أو بِضاعَةٌ يخْتَلُّ رِبْحُها المُحْتاجُ إليه (7) بالتَّكْفِيرِ منها، أو سائِمَةٌ يحْتاجُ إلى نَمائِها حاجَةً أصْلِيَّةً، أو أثاثٌ يحْتاجُ إليه، وأشْباهُ هذا، فله التَّكْفِيرُ بالصيامِ؛ لأنَّ ذلك مُسْتَغْرَقٌ لحاجَتِه الأَصْلِيّة، فأشْبَهَ (8) المَعْدومَ (9).
1823 - مسألة؛ قال: (ويُجْزِئُه إِنْ أَطْعَمَ خمْسَةَ مَساكِينَ، وكَسَا خَمْسَةً)
وجملتُه أنَّه إذا أطْعمَ بعضَ المساكِينِ، كسَا الباقِينَ، بحيث يَسْتَوْفِى العَدَدَ، أَجْزَأَهُ، فى قولِ إمامِنا، والثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال الشافِعِىُّ: لا يُجْزِئُ (1)؛ لقولِ اللَّه
(5) فى ب، م:"لحاجته".
(6)
لم ترد فى: الأصل.
(7)
فى ب: "إليها".
(8)
فى أ، ب:"أشبه".
(9)
فى م: "المعدم".
(1)
فى ب، م:"يجزئه".
تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (2). فوَجْهُ الدَّلالَةِ من وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه جَعَلَ الكفَّارَةَ أحَدَ هذه الخِصالِ الثَّلَاثَةِ، ولم يأْتِ بواحِدٍ منها. الثانى، أَنَّ اقْتِصارَه (3) على هذه الخِصالِ الثلاثِ دليلٌ على انْحِصارِ التَّكْفيرِ فيها، وما ذَكَرْتُمُوهِ خَصْلةٌ رابِعَةٌ، ولأنَّه نوعٌ من التَّكْفِيرٍ، فلم يُجْزِئْه تَبْعيضُه، كالعِتْقِ، ولأنَّه لَفَّقَ الكَفَّارَة من نَوْعَيْن، فأشْبَهَ ما لو أعْتَقَ نِصْف عَبْدٍ وأطْعَم خَمْسَةً أو كَساهُم. ولَنا، أنَّه أخْرَجَ من المنْصوص عليه بِعَدِّه العدَدَ الواجِبَ، فأَجْزَأَ، كما لو أخْرَجَه من جِنْسٍ واحِدٍ، ولأنَّ كُلَّ واحِدٍ من النَّوْعَيْنِ يقومُ مقامَ صاحِبِه فى جميعِ العَدَدِ، فقامَ مَقامَه فى بعضِه، كالكَفَّارَتَيْن، وكالتَّيَمُّمِ لمَّا قامَ مقامَ الماءِ فى البدَنِ كلِّهِ فى الجنابَةِ، جازَ فى بعضِه فى طَهارَةِ الحَدَث، أو (4) فيما إذا كان بعضُ بَدَنِه صحيحًا وبعضُه جَرِيحًا، وفيما إذا وجدَ من الماءِ ما يكْفِى بعضَ بَدَنِه، ولأنَّ مَعْنَى الطعامِ والكِسْوَةِ مُتقارِبٌ، إذِ القَصْدُ (5) منهما (6) سَدُّ الخَلَّةِ، ودَفْعُ الحاجَةِ، وقد اسْتَوَيا فى العَدَدِ، واعتبارِ المَسْكَنَةِ فى الدفوعِ إليه، وَتَنَوُّعِهما من حيث كَوْنُهما فى الإِطْعامِ سَدُّ الْجَوعَةِ، وفى الكِسْوَةِ سَتْرُ العَوْرَةِ، لا يَمْنعُ الإِجْزاءَ فى الكفَّارة المُلفَّقَةِ منهما، كما لو كان أحَدُ الفَرِيقَيْن (7) مُحْتاجًا إلى سَتْرِ عَوْرَتِه.، والآخرُ إلى سَدِّ جَوْعَتِه (8)، ولأنَّه قد خَرَجَ عن عُهْدَةِ الذين أَطْعَمَهم بالإِطْعامِ، ويَخْرُجُ عن عُهْدَةِ الذين كساهم بالكِسْوَةِ، بدليلِ أنَّه لا يَلْزَمُه بالإِنْفاقِ أكثرُ من إطْعامِ مَنْ بَقِىَ، ولا كِسْوَةُ أكثرَ مِمَّنْ (9) بَقِىَ، وإذا خرَج عن عُهْدَةِ عَشَرَة مَساكِين، وجَبَ أَنْ يُجْزِئَه، كما لو اتَّفَقَ النَّوْعُ. وأمَّا الآيَةُ، فإنَّها تَدُلُّ
(2) سورة المائدة 89.
(3)
فى م: "انتصاره" تحريف.
(4)
سقط من: م.
(5)
فى ب: "المقصود".
(6)
فى الأصل: "منها".
(7)
فى أ، ب، م:"الفقيرين".
(8)
فى الأصل، أ، ب:"الاستدفاء".
(9)
فى ب: "من".