الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فإنْ ذَبَحَها مِن قَفاها اخْتِيارًا، فقد ذَكَرْنا عن أحمدَ، أنَّها لا تُؤْكَلُ. وهو مَفْهومُ كلامِ الْخِرَقِىِّ وحُكِىَ هذا عن علىٍّ، وسعيد بن المُسَيَّب، ومالِكٍ، وإسحاقَ. قال إبراهيمُ النَّخَعِىُّ: تُسَمَّى هذه الذبيحَةُ القَفِينَةُ. وقال القاضِى: إنْ بقِيَت فيها حياةٌ مُسْتقِرَّةٌ قبلَ قَطْعِ الحُلْقومِ والْمَرِىءِ حَلَّتْ، وإلَّا فلا، ويُعْتَبَرُ ذلك بالحَرَكَةِ القوِيَّةِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىّ. وهذا أَصَحُّ؛ لأنَّ الذَّبْحَ إذا أَتَى على ما فِيه حياةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، أَحَلَّه، كأَكِيلَةِ السَّبُعِ، والمُتَردِّيَةِ والنَّطِيحَةِ. ولو ضَرَبَ عُنُقَها بالسَّيْفِ فأطارَ رَأْسَها، حَلَّتْ بذلِك. نصَّ عليه أحمد، فقال: لو أَنَّ رجُلًا ضَرَبَ رأسَ بَطَّةٍ أو شاةٍ بالسَّيْفِ، يُرِيد بذلك الذَّبيحَةَ، كان له أَنْ يأكُلَه. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: تلك ذَكاةٌ وَحِيَّةٌ. وأَفْتَى بأَكْلِها عِمْرانُ بنُ حُصَيْن. وبه قال الشَّعْبِىُّ، وأبو حنيفَةَ، والثَّوْرِىُّ. وقال أبو بكر: لأَبِى عبد اللَّه فيها قَوْلان. والصَّحِيحُ أنَّها مُباحَةٌ؛ لأنَّه اجْتَمَعَ قَطْعُ ما تَبْقَى الحياةُ معَه مع الذَّبْحِ، فأُبِيحَ، كما ذَكَرْنا مع قولِ مَنْ ذَكَرنا قولَه من الصحابَةِ من غيرِ مُخالِفٍ.
فصل: فإنْ ذَبَحَها مِن قَفاها، فلم يَعْلَمْ هل كانَت فيها حَياةٌ مستقِرَّةٌ قبلَ قَطْعِ الحُلْقومِ والْمَرِىءِ أَوْ لَا؟ نَظَرْتَ؛ فإنْ كان الغالِبُ بَقاءَ ذلك، لحِدَّةِ الآلَةِ، وسُرْعَةِ القَطْعِ (3)، فالأَولَى إِباحَتُه؛ لأنَّه بِمَنْزِلَةِ ما لو (4) قَطعَ (5) عُنُقَه بِضَرْبَةِ السَّيْفِ، وإِنْ كانت الآلةُ كالَّةً، وأَبْطأ قَطْعُه، وطالَ تَعْذِيبُه، لم يُيَحْ؛ لأنَّه مَشْكُوكٌ، فى وُجُودِ ما يُحِلُّه، فيَحْرُمُ (6)، كما لو أَرْسَلَ كَلْبَهُ على الصَّيْدِ، فوَجَدَ معه كلبًا آخَرَ لا يعْرِفُه.
1730 - مسألة؛ قال: (وذَكَاتُها ذَكاةُ جَنِينِهَا، أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ)
يعنى إذا خرَجَ الجنينُ مَيِّتًا من بَطنِ أُمِّه بعدَ ذَبْحِها، أو وُجِدَ (1) مَيِّتًا فى بَطْنِها، أو
(3) فى م: "القتل".
(4)
سقط من: ب، م.
(5)
فى أ، ب، م:"قطعت".
(6)
فى ب: "فحرم".
(1)
فى أ، م:"وجده".
كانتْ حَرَكَتُه بعدَ خُرُوجِه كحَرَكَةِ المَذْبوحِ، فهو حلالٌ. رُوِىَ هذا عن عمرَ، وعلىٍّ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، والنَّخَعِىُّ، والشافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عمرَ: ذَكاتُه ذَكاةُ أمِّه إذا أشْعَرَ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، وطاوسٍ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِىِّ، والحسنِ، وقَتادَةَ، ومالِكٍ، واللَّيْثِ، والحسنِ بن صالحٍ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّ عبدَ اللَّه بن كَعْبِ بن مالِكٍ، قال: كان أصْحابُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا أَشْعَرَ الجنينُ، فذَكاتُه ذكاةُ أُمِّهِ (2). وهذا إشارةٌ إلى جميعِهِم، فكان إجماعًا. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يخْرُجَ حَيًّا فيُذَكَّى؛ لأنَّه حيوانٌ ينْفَرِدُ بحَياتِه، فلا يتَذَكَّى بذَكاةِ غيرِه، كما بعدَ الوضْعِ. قال ابنُ المُنْذرِ: كان الناسُ على إباحَتِه، لا نَعْلَمُ أحدًا منهم خالَفَ ما قالُوا (3)، إلى أَنْ جاءَ النُّعْمانُ، فقال: لا يَحِلُّ؛ لأنَّ ذكاةَ نفسٍ لا تكونُ ذَكاةَ نَفْسَيْن. ولَنا، ما رَوَى أبو سعيد، قال: قيل: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أحَدَنا يَنْحَرُ النَّاقَةَ، ويَذْبَحُ البقرةَ والشَّاةَ، فيَجِدُ فى بطْنِها الجَنِينَ، أَنَأْكُلُه أم نُلْقِيه؟ قال:"كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فَإنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ". وعن جابِر، عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ". روَاهما أبو داودَ (4). ولأَنَّ هذا إجماعٌ من الصَّحابَةِ ومَنْ بَعْدَهُم، فلا يُعَوَّلُ على ما خالَفَه، ولأنَّ الْجَنِينٍ مُتَّصِلٌ بها اتصالَ خِلْقَةٍ، يَتَغَذَّى بغِذائِها، فتكونُ ذَكاتُه ذَكَاتَها، كأَعضائِها، ولأنَّ الذَّكاةَ فى الحيوانِ تخْتَلِفُ على حَسَبِ الإِمْكانِ فيه والقُدْرَةِ، بدَليلِ الصَّيْدِ المُمْتَنِع والمَقْدورِ عليه والمُتَردِّيَةِ، والجَنينُ لا يُتَوصَّلُ إلى ذَبْحهِ بأَكْثَرَ من ذَبْحِ أُمِّه، فيكونُ ذَكاةً له.
(2) أخرجه الإِمام مالك، فى: باب ذكاة ما فى بطن الذبيحة، من كتاب الذبائح. الموطأ 2/ 490. والبيهقى، فى: باب ذكاة ما فى بطن الذبيحة، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 335، 336. وعبد الرزاق، فى: باب الجنين، من كتاب المناسك. المصنف 4/ 501.
(3)
فى ب: "قالوه".
(4)
فى: باب ما جاء فى ذكاة الجنين، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 93.
كما أخرجهما الدارمى، فى: باب فى ذكاة الجنين، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 84.
وأخرج الأول الترمذى، فى: باب ما جاء فى ذكاة الجنين، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 261. وابن ماجه، فى: باب ذكاة الجنين ذكاة أمه، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1067. والإِمام أحمد، فى: الجسد 3/ 31، 39، 45، 53.