الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه، كصِيَامِ المُتَمَتِّعِ ثلاثةَ أيامٍ فى الحجِّ. ولَنا، أَنَّ فى قِراءَةِ أُبَىٍّ، وعبدِ اللَّه بنِ مَسْعودٍ:"فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مُتَتَابِعاتٍ". كذلك ذَكَرَهُ الإِمامُ أحمدُ، فى "التفسيرِ" عن جماعَةٍ، وهذا إِنْ كان قُرآنًا، فهو حجَّةٌ؛ لأنَّه كلامُ اللَّه الذى لا يَأتِيهِ الباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْه ولا مِنْ خَلْفِه، وإِنْ لم يكُنْ قُرَآنًا، فهو رِوايَةٌ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَا (6) سَمِعاه من النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم تفسيرًا فظنَّاه قُرآنًا، فثَبَتَتْ له رُتْبَةُ الخَبَرِ، ولا ينْقُصُ عن دَرَجَةِ تفسيرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم للآيَةِ، وعلى كِلا التَّقْدِيرَيْن، فهو حُجَّةٌ، [يجبُ المَصِيرُ](7) إليه، ولأنَّه صِيامٌ فى كَفَّارَةٍ، فوجَبَ فيه التَّتابعُ، ككَفَّارَةِ القَتْل والظِّهارِ، والمُطْلَقُ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ، على ما قَرَّرْنَاه فيما مَضَى. فعلَى هذا، إِنْ افطَرَتِ المرأةُ لمرَضٍ أو حَيْضٍ، أو الرجُلُ للمرَضِ (8)، لم ينقَطِعِ التَّتابعُ. وبهذا قال أبو ثَوْرٍ، وإسحاقُ. وقال أبو حنِيفةَ: ينقطعُ فيهما؛ لأنَّ التَّتابُعَ لم يُوجَدْ، وفواتُ الشَّرْطِ يَبْطُلُ به المَشْروطُ. وقال الشافِعِىُّ: ينْقَطِعُ فى المرَضِ، فى أحَدِ القَوْلَيْن، ولا يَنْقَطِعُ فى الحَيْضِ. ولَنا، أنَّه عُذْرٌ يُبِيحُ الفِطْرَ، أشْبَهَ الحَيْضَ فى كَفَّارَةِ القَتْلِ.
1819 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ كَانَ الْحَانِثُ عَبْدًا، لَمْ يُكَفِّرْ بِغيْرِ الصِّيامِ
(1))
لا خلافَ فى أَنَّ العَبْدَ يُجْزِئُه الصِّيامُ فى الكَفَّارَةِ؛ لأنَّ ذلك فَرْضُ المُعْسِرِ من الأحْرارِ، وهو أحْسَنُ حالًا من العَبْدِ، فإنَّه يَمْلِكُ فى الجُمْلَةِ، ولأنَّ العَبْدَ داخِلٌ فى قولِه تَعالَى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (2). وإِنْ أذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِه فى التَّكْفِيرِ بالمالِ، لم يَلْزَمْه؛ لانَّه ليس بمالِكٍ لِمَا أُذِنَ له فيه. وظاهِرُ كلاِم الْخِرَقِىِّ، أنَّه لا يُجْزِئُه التَّكْفيرُ بغيرِ الصِّيامِ. وقال (3) غيرُه من أصحابِنا، فيما إذا (4) أَذِنَ له سَيِّدُه فى التَّكْفِيرِ
(6) فى م: "يكون".
(7)
فى م: "يصار".
(8)
فى م: "لمرض".
(1)
فى م: "الصوم".
(2)
سوره المائدة 89.
(3)
فى م: "وقد قال".
(4)
سقط من: ب.
بالمالِ، روايتان؛ إحداهُما، يجوزُ تَكْفِيرُه به (5). والأُخْرَى، لا يجوزُ إِلَّا بالصِّيامِ. وقد ذَكَرنا عِلَلَ ذلك فى الظِّهارِ، والاخْتِلافَ فيه (6). وذكرَ القاضِى، أَنَّ أصْلَ هذا عندَه الرِّوايتان فى مِلْكِ العَبْدِ بالتَّمْليكِ، إِنْ قُلْنا: يَمْلِكُ بالتَّمْليكِ. فمَلَّكه سيِّدُه، وأَذِنَ له بالتَّكْفيرِ بالمالِ، جازَ؛ لأنَّه مالِكٌ لما يُكَفِّرُ به، وإِنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. ففَرْضُه الصِّيامُ؛ لأنَّه (7) لا يَمْلِكُ شيئًا يُكفِّرُ به. وكذلك إِنْ قُلْنا: يَمْلِكُ. ولم يأذَنْ له سَيِّدُه [فى التَّكْفِيرِ بالمالِ](8)، ففَرْضُه الصيامُ، وإِنْ مَلَكَ؛ لأنَّه محجورٌ عليه، مَمْنُوع من التَّصَرُّفِ فيما فى يَدَيْه. قال: وأصحابُنا يجْعلون فى العَبْدِ رِوايَتَيْن مُطْلقًا، سواء قُلْتا: يَمْلِكُ. أو لا يملكُ. ثم على الرِّوايَةِ التى تُجِيزُ له التَّكْفِيرَ بالمالِ، له أَنْ يُطْعِمَ، وهل له أَنْ يعتِقَ؟ على رِوايَتَيْن؛ إحْداهما، ليس له ذلك؛ لأنَّ العِتْقَ يَقْتَضِى الوَلاءَ والوِلايَةَ والإرْثَ، وليس ذلك للعَبْدِ، ولكن يُكَفِّرُ بالإطْعامِ. وهذا روايَةٌ عن مالِكٍ. وبه قال الشافِعِىُّ، على القولِ الذى يُجِيزُ له التَّكْفيرَ بالمالِ. والْثانية، له التَّكْفِيرُ بالعِتْقِ؛ لأنّ مَنْ صَحَّ تَكْفِيرُه بالمالِ، صَحَّ بالعِتْقِ، كالحُرِّ، ولأنَّه يَمْلِكُ العَبْدَ، فصَحَّ تَكْفيرُه بإعْتاقِه، كالحُرِّ. وقولُهم: إِنَّ العِتْقَ يَقْتَضِى الولاءَ والوِلايَةَ. لا نُسَلِّمُ ذلك فى العِتْقِ فى الكَفَّارَةِ، على ما أسْلَفْناه، وإِنْ سَلَّمْنا، فتخَلُّفُ بعض الأحْكامِ لا يَمْنَعُ ثُبوتَ المُقْتَضِى، فإِنَّ الحُكْمَ يتخَلَّفُ لتَخَلُّفِ (9) سَبَبِه، لا لِتخَلُّفِ أحْكامِه، كما أنَّه يثْبُتُ لوُجودِ سَبَبِه، ولأنَّ تخَلُّفَ بعْض الأحْكامِ مع وجودِ المُقْتَضِى، إنَّما يكونُ لمانِع مَنَعَها، ويجوزُ أنْ يخْتَصَّ المنعُ بها دونَ غيرِها، ولهذا السَّببَ المُقْتَضِى لهذه الأحْكامِ لا يَمْنَعُ ثُبوتُه تَخَلُّفَها عنه فى الرَّقِيقِ، على أَنَّ الوَلاءَ يثْبُتُ بإعْتاقِ العَبْدِ، لكن لا يرِثُ به، كما لو اخْتَلفَ دِينَاهُما. وهذا اخْتيارُ أبى بَكْرٍ، وفرَّعَ عليه إذا أذِنَ له سَيِّدُه فأعْتَق نَفْسَه، ففيه قَوْلان؛ أحدُهما، يُجْزِئُه؛ لأنَّه (10) رَقَبةٌ تُجْزِئُ عن غيرِه، فأَجْزَأَتْ عن نَفسِه كغيرِه. والآخَرُ، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ الإِذْنَ له فى الإعْتاق ينْصَرِفُ إلى
(5) لم يرد فى: الأصل.
(6)
تقدم فى: 11/ 106.
(7)
سقط من: ب.
(8)
فى م: "بالتكفير فى المال".
(9)
فى م: "بتخلف".
(10)
فى م: "لأن".