الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَبُونٍ، فأَخْرَجَ حِقَّةً فى الزّكاةِ، فأمَّا بَيْعُها، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّه لا يَجُوزُ. وقال القاضِى: يجوزُ أَنْ يَبِيعَها، ويَشْتَرِىَ خَيْرًا منها. وهو قولُ عَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وأبى حَنِيفَةَ؛ لما ذكرْنا من حديثِ بُدْنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، وإشْراكِه فيها، ولأنَّ مِلْكَه لم يَزُلْ عنها، بدَلِيلِ جوازِ إبْدالِها، ولأَنَّها عَيْنٌ يجوزُ إبْدالُها، فجازَ بَيْعُها، كما قبلَ إيجابِها. ولَنا، أنَّه جَعَلَها للَّه تعالى، فلم يجُزْ بيعُها، كالوَقْفِ، وإنَّما جازَ إبْدالُها بجنْسِها؛ لأنَّه لم يَزُل الحَقُّ فيها عن جِنسِها، وإنَّما انْتَقَلَ إلى خيرٍ منها، فكأنَّه فى المَعْنَى ضَمُّ زيادَةٍ إليها، وقد جازَ إبْدَالُ المُصْحَفِ، ولم يجُزْ بَيْعُه. وأمَّا حَدِيثُ البُدْنِ (4)، فالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَبِعْها، وإنَّما شَرَكَ عليًّا فى ثَوابها وأجْرِها. ويَحْتَمِلُ أَنَّ ذلك كان قبلَ إيجابِها. وقولُ الْخِرَقِىِّ: بخَيْرٍ منها. يدُلُّ على أنَّه لا يجُوزُ بِدُونِها، ولا خِلافَ فى هذا؛ لأنَّه تَفْوِيتُ جُزءٍ منها، فلم يجُزْ، كإتْلافِه. وأنَّه لا يجوزُ بمثلِها؛ لعَدَمِ الفائِدَةِ فى هذا. وقال القاضِى: فى إبدالِها بمِثْلِها احْتِمالان؛ أحدُهما، جَوازُه؛ لأنَّه لا ينْقُصُ مِمَّا وَجَبَ عليه شىء. ولَنا، أنَّه يُغَيِّرُ ما أَوْجَبَه لغيرِ فائِدَةٍ، فلم يجُزْ، كإبْدالِه بما دُونِها.
1763 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا مَضى مِن نَهَارِ يَوْم الأَضْحَى مِقْدارُ صَلَاةِ الْعِيدِ وخُطْبَتِهِ، فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ إِلَى آخِرِ يَوْمَيْن مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيق نَهارًا، ولَا يَجُوزُ لَيْلًا)
الكلامُ فى وقتِ الذَّبْحِ فى ثلاثةِ أشياء؛ أوّلِه، وَآخِرِه، وعموم وَقْتِه أو خُصوصِه. أمَّا أوَّلُه، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىّ أنَّه إذا مَضَى من نهارِ يومِ العيدِ قَدْر تَحُلُّ فيه الصلاةُ، وقَدْرُ الصَّلاةِ والخُطْبَتَيْنِ تامَّتَيْنِ فى أَخَفِّ ما يكون، فقد دَخَلَ (1) وَقْتُ الذَّبْحِ، ولا يُعْتبَرُ نفسُ الصلاةِ، لا فَرْقَ فى هذا بينَ أهلِ المِصْرِ وغيرِهم. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ، وابنِ المُنذِرِ. وظاهِرُ كلامِ أحمد، أَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوازِ التَّضْحِيَة فى حَقِّ أَهْلِ المِصْرِ صلاةَ الإِمامِ وخُطْبَتَه. ورُوِىَ نحوُ هذا عن الحسنِ، والأَوْزَاعِىِّ، ومالِكٍ، وأبى حَنِيفَةَ، وإسْحاقَ؛ لما رَوَى جُنْدَبُ بنُ عبدِ اللَّه البَجَلِىُّ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَلْيُعِدْ
(4) فى م: "النبى صلى الله عليه وسلم".
(1)
فى م: "حل".
مَكَانَهَا أُخْرَى" (2). وعن الْبَراءِ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، ونَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، ومَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ، فَلْيُعِدْ مَكانَها أُخْرَى". مُتَّفَقٌ عليه (3). وفى لفْظٍ قال:"إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِى يَوْمِنَا هذَا الصَّلَاةُ، ثُم الذَّبْحُ، فمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَتِلْكَ شاةُ لَحْمٍ قَدَّمَها لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِى شَىْءٍ". فظاهِرُ (4) هذا اعْتبارُ نَفْس الصلاةِ. وقال عَطاءٌ: وَقْتُها إذا طَلَعَت الشمسُ؛ لأنَّها عبادَةٌ يتعلَّقُ آخِرُها بالوَقْتِ، فتعلَّقَ أوّلُها بالوَقْتِ، كالصيامِ. وهذا وَجْهُ قولِ الْخِرَقِىّ ومَنْ وافَقَه. والصَّحِيحُ، إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى، أَنَّ وَقْتَها فى الموضِعِ الذى يُصلَّى فيه بعدَ الصَّلاةِ؛ لظاهِرِ الخَبَرِ، والعمَلُ بظاهِرِه أَوْلَى. فأمَّا غيرُ أهلِ الأمْصارِ والقُرَى، فأوَّلُ وَقْتِها فى حَقِّهِم قَدْرُ الصَّلاةِ والخُطْبَةِ بعدَ حَلِّ (5) الصلاةِ؛ لأنَّه لا صَلاةَ فى حَقِّهم تُعْتبَرُ، فَوَجَبَ الاعْتبارُ بقَدْرِها. وقال أبو حنيفةَ: أوَّل وَقْتِها فى حَقِّهم إذا طلعَ الفجرُ الثانِى؛ لأنَّه من يومِ النَّحْرِ، فكان وقْتُها (6) منه كسائِرِ اليومِ. ولَنا، أنَّها عبادَةٌ وَقْتُها فى حَقِّ أهلِ الأمْصار (7) بعدَ إشْراقِ الشمسِ، فلا تتقدَّمُ وَقْتَها فى حَقِّ غيرِهم، كصلاةِ العيدِ. وما ذَكَرُوه يبطلُ بأهلِ المِصْرِ (8)، فإنْ لم يُصَلِّ الإِمامُ فى المِصْرِ، لم يجزِ الذَّبْحُ حتى تزولَ الشمسُ؛ لأنَّها
(2) أخرجه البخارى، فى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: فليذبح على اسم اللَّه، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخارى 7/ 118. ومسلم، فى: باب وقتها، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 1552. والنسائى، فى: باب ذبح الناس بالمصلى، من كتاب الذبائح والصيد. المجتبى 7/ 188. وابن ماجه، فى: باب النهى عن ذبح الأضحية قبل الصلاة، من كتاب الأضاحى 2/ 1053.
(3)
أخرجه البخارى، فى: باب الأكل يوم النحر، وباب استقبال الإمام الناس فى خطبة العيد، وباب كلام الإمام الناس. . .، من كتاب العيدين، وفى: باب من ذبح قبل الصلاة أعاد، من كتاب الأضاحى. صحيح البخارى 2/ 21، 26، 28، 7/ 132، 133. ومسلم، فى: باب وقتها، من كتاب الأضاحى. صحيح مسلم 3/ 1553.
كما أخرجه النسائى، فى: باب الخطبة يوم العيد، وباب حث الإمام الناس على الصدقة، من كتاب العيدين، وفى: باب ذبح الضحية قبل الإمام، من كتاب الذبائح والصيد. المجتبى 3/ 148، 149، 155، 7/ 196.
(4)
فى أ، ب، م:"وظاهر".
(5)
سقط من: م.
(6)
فى ب: "وقتا".
(7)
فى أ، ب، م:"المصر".
(8)
فى م: "الأمصار".
حينئذٍ تسْقطُ، فكأنَّه قد صلَّى، وسواءٌ تَرَكَ الصَلاةَ عَمْدًا أو غيرَ عَمْدٍ، لعُذْرٍ أو غيرِه. فأمَّا الذَّبْحُ فى اليومَ الثانى، فيجوزُ (9) فى أوَّلَ النهارِ؛ لأنَّ الصلاةَ فيه غيرُ واجِبَةٍ، ولأنَّ الوَقْتَ قد دخلَ فى اليومِ الأَوَّلِ، وهذا من أثْنائِه، فلا تُعْتبَرُ فيه صلاةٌ ولا غيرُها. وإِنْ صَلَّى الإِمامُ فى المُصَلَّى، واسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى فى المسجدِ، فمتَى صَلَّوا فى أحدِ المَوْضِعَيْنِ جازَ الذبحُ؛ لوجودِ الصلاةِ التى يسْقُطُ بها الفَرْضُ عن سائِرِ الناسِ. فإنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ قبلَ الخُطْبَةِ، أَجْزَأَ، فى ظاهِرِ كلامِ أحمدَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ المَنْعَ على فِعْلِ الصَّلاةِ، فلا يتعلَّقُ بغيرِه، ولأَنَّ الخطبَةَ غيرُ واجِبَةٍ. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ. الثانى، آخِرُ الوَقْتِ، وآخِرُه آخِرُ اليومِ الثانِى من أيامِ التَّشْرِيقِ، فتكونُ أيامُ النَّحْرِ ثلاثَةً؛ يومُ النَّحْرِ (10)، ويَوْمان بَعْدَه. وهذا قولُ عمرَ، وعلىٍّ، وابنِ عمرَ، وابنِ عبّاسٍ، وأبى هُرَيْرَةَ، وأَنَسٍ. قال أحمد: أيَّام النَّحْرِ ثلاثَةٌ، كما غيرِ واحِدٍ من أصحاب رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفى رِوايَةٍ، قال: خَمْسَةٌ من أصحابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. ولم يذْكُرْ أَنَسًا. وهو قولُ مالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ. ورُوِىَ عن علىٍّ، آخِرُه آخِرُ أيَّامِ التَّشْرِيقِ. وهو مذهبُ الشافِعِىّ، وقولُ عَطاءٍ، والحسنِ؛ لأَنَّه رُوِىَ عن جُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أَيَّامُ مِنًى كُلُّها مَنْحَرٌ"(11). ولأَنَّها أيَّامُ تكْبِيرٍ وإفْطارٍ، فكانت مَحَلًّا للنَّحْرِ كالأَوَّلَيْن. وقال ابنُ سِيرِينَ: لا تجوزُ إلَّا فى يومِ النَّحْرِ خاصَّةً؛ لأنَّها وَظِيفةُ (12) عِيدٍ، فلا تجوزُ إلَّا فى يومٍ واحدٍ، كأداءِ الفِطْرةِ يومَ الفِطر. وقال سعيدُ بن جُبَيْر، وجابِرُ بنُ زَيْدٍ، كقولِ ابنِ سِيرِينَ فى أهلِ الأمْصارِ، وقَوْلِنا فى أهلِ مِنًى. وعن أبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمن، وعَطاءِ بنِ يَسارٍ: تجوزُ التَّضْحِيَةُ إلى هلالِ المُحَرَّمِ. وقال أبو أُمامةَ بنُ سَهْلِ بنِ حُنَيفٍ: كان الرجلُ من المسلمين يَشْتَرِى أُضْحِيَةً، فيُسَمِّنُها حتى يكونَ آخِرُ ذى الحِجَّةِ، فيُضَحِّىَ بها. رواه
(9) فى م: "فهو".
(10)
فى م: "العيد".
(11)
أخرجه البيهقى، فى: باب النحر يوم النحر. . .، من كتاب الحج، وفى: باب من قال: الأضحى جائز يوم النحر. . .، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى 9/ 295، 296. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 82. كلاهما بلفظ: "كل أيام التشريق ذبح". وانظر: ما تقدم تخريجه، فى: 5/ 243.
(12)
فى الأصل، أ:"وصيفة".