الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1852 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عز وجل، لَزِمَهُ الوَفَاءُ بِهِ، وَمَنْ نذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ، لَمْ يَعْصِهِ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ)
وَنَذْرُ الطاعةِ، الصلاةُ، والصِّيامُ، والحَجُّ، وَالعُمرةُ، والعِتْقُ، والصَّدقةُ، والاعْتِكافُ، والجهادُ، وما فى هذه المعانِى، سواءٌ نَذَرَهُ مُطلَقًا بأن يقولَ: للَّهِ علىَّ أَنْ أفعلَ كَذا وَكَذا. أو علَّقَه بِصِفةٍ مثلَ قولِه (1): إِنْ شَفَانِى اللَّهُ من عِلَّتى، أو شَفَى فُلانًا، أو سَلِمَ مَالِى الغائبُ. أو ما كان فى هذا المَعْنَى، فأدْرَكَ مَا أمَّلَ بُلوغه من ذلك، فعليه الوَفاءُ به. ونَذْرُ المَعْصِيَةِ، أن يقولَ: للَّهِ علىَّ أن أشْرَبَ الخَمرَ، أو أقتلَ النَّفْسَ المُحرَّمةَ. وما أشْبَهَهُ، فَلا يفْعلُ ذَلِك، ويُكفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، [لأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ] (2). وإذا قال: للَّهِ علىَّ أَنْ أرْكَبَ دَابَّتِى، أو أسْكُنَ دَارِى، أو ألبَسَ أحْسنَ ثِيابِى. وما أشبَهَه، لم يكُنْ هذا (3) نَذْرَ طَاعَةٍ ولا مَعْصِيَةٍ، فإنْ لم يفْعَلْهُ (4) كفَّرَ كفَّارَةَ يَمِينٍ، [لأنَّ النَذْرَ كَاليَمينِ](5). وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، استُحِبَّ له أَنْ لَا يُطَلِّقَها، ويكفِّرَ كفَّارَةَ يَمينٍ. وجُمْلتُه أَنَّ النَّذْرَ سَبْعةُ أقسامٍ، أحَدُها، نَذرُ اللَّجَاجِ والغَضَبِ، وهو الَّذِى يُخرِجُه مَخْرَجَ اليَمِينِ، للحَثِّ على فِعلِ شَىْءٍ أو المَنْعِ منه، غيرَ قاصدٍ به النَّذْرَ (6)، ولا القُرْبَةَ، فهذا حُكْمُه حُكْمُ اليَمِينِ، وَقَدْ ذَكرْنَاهُ فِى بابِ الإيْمَانِ. القِسمُ الثانِى، نَذْرُ طَاعةٍ وتبَرُّرٍ، مِثلُ الذى ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ. فهذا يَلْزمُ الوَفاءُ بِه؛ لِلآيَتَيْنِ والخَبَريْنِ، وهو ثَلَاثةُ أنواع، أحدها، الْتِزَامُ طَاعَةٍ فِى مُقَابَلَةِ نِعْمةٍ استَجْلَبَها، أو نِقْمةٍ استَدْفعَها، كقولِه: إِنْ شَفانِى اللَّه، فللَّهِ عَلىَّ صومُ شَهرٍ. فتَكونُ الطَّاعةُ الملْتَزَمةُ مِمَّا له أصْلٌ فى الوُجوبِ بالشَّرعِ، كالصَّومِ والصَّلَاةِ والصَّدقةِ والحَجِّ، فهذا يَلْزَمُ الوَفاءُ بِهِ، بإِجْماعِ أهْلِ العلمِ. النَّوعُ الثانِى، الْتِزامُ طَاعةٍ منْ غَيرِ شَرطٍ، كقولِه ابتداءً: للَّهِ علىَّ صومُ شهرٍ. فَيَلْزَمُه الوَفْاءُ بِه، فى قَوْلِ أكْثرِ أهلِ
(1) فى ب: "أن يقول".
(2)
سقط من: م.
(3)
فى ب: "ذلك".
(4)
فى ب: "يفعل".
(5)
سقط من: ب.
(6)
فى م: "للنذر".
العلمِ. وهو قَولُ أهلِ العِراقِ. وظاهرُ مذهبِ الشَّافِعىِّ. وقال بعضُ أصحابهِ: لا يَلْزَمُ الوَفاءُ به؛ لأنَّ أبا عُمرَ غُلامَ ثَعْلبٍ قال: النَّذْرُ عندَ العربِ وَعْدٌ بشَرْطٍ. ولَأنَّ ما الْتَزَمهُ الآدَمِىُّ بِعِوَضٍ، يَلْزَمُهُ بالعَقْدِ، كالْمَبِيعِ والمُستَأْجَرِ، وما الْتزمَهُ بغيرِ عِوَضٍ، لا يَلْزَمُه بِمُجرَّدِ العَقْدِ، كالْهِبَةِ. النوعُ الثالثُ، نَذْرُ طاعةٍ لا أصْلَ لها فى الوُجوبِ، كالاعْتكافَ وعِيادةِ المريضِ، فيَلْزَمُ الوَفاءُ به [عندَ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ، أنَّه لا يَلْزَمُه الوفاءُ به](7)؛ لأنَّ النَّذْرَ فَرْعٌ على المَشْروعِ، فلا يجبُ به ما لا يجِبُ له نَظِيرٌ بِأصْلِ الشَّرعِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ نَذَرَ أن يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ"(8). وذَمُّه الذين ينْذُرُونَ ولا يُوفُون (9)، وقولُ اللَّهِ تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (10). وقد صحَّ أَنَّ عمرَ قال للنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّى نَذَرْتُ أَنْ أعْتكِفُ ليلةً فى المسجدِ الحرام؟ فقال له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ"(11). ولأنَّه ألْزَم نفسَه قُرْبةً على وَجْهِ التَّبَرُّرِ، فتَلْزَمُه، كمَوْضعِ الإجماعِ، وكما لو ألْزَمَ نفسَه أُضْحِيَةً، أو أوْجبَ هَدْيًا، وكالاعْتَكافِ، وكالعُمْرةِ، فإنَّهم قد سَلَّمُوها، وليست واجبةً عندَهم، وما ذكَرُوه يبْطُل بهذين الأصْلَيْن، وما حَكَوْه عن أبى عمرَ لا يصِحُّ؛ فإِنَّ العربَ تُسَمِّى المُلْتَزَمَ نَذْرًا، وإن لم يكُنْ بشَرْطٍ، قال جَمِيل (12):
فليت رجالًا فيكِ قد نَذَرُوا دَمِى
…
وهَمُّوا بقَتْلِى يابُثَيْنُ لَقُونِى
والْجَعَالةُ وَعْدٌ بشَرْطٍ، وليست بنَذْرٍ. القسم الثالث، النَّذْرُ المُبْهَمُ. وهو أن يقولَ: للَّهِ علىَّ نَذْرٌ. فهذا تجبُ به الكفَّارةُ، فى قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلم. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ
(7) تكملة من الشرح الكبير 6/ 141. ولم نجدها فى الأصول جميعها.
(8)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 456.
(9)
تقدم تخريجه، فى صفحة 621.
(10)
سورة التوبة 75 - 77.
(11)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 457. ويضاف إليه: وأخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 2/ 20.
(12)
ديوانه 124.
مسعود، وابنِ عبَّاس، وجابر، وعائشةَ (13). وبه قال الحسنُ، وعَطاءٌ، وطَاوُس، والقاسمُ، وسالمٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىّ، وعِكْرِمةُ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، ومحمد بن الحسنِ. ولا أعلمُ فيه مُخَالِفًا إِلَّا الشَّافِعىّ، قال: لا ينْعَقِدُ نَذْرُه، ولا كفَّارةَ فيه؛ لأنَّ مِن النَّذْرِ (14) ما لا كفَّارةَ فيه. ولَنا، ما رَوى عُقبَةُ بنُ عامرٍ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ (15)، كَفَّارَةُ يَمِينٍ"(16). رَواهُ التِّرْمِذىُّ (17). وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ غَريبٌ. ولأنه نَصٌّ، وهذا قولُ من سَمَّيْنَا من الصَّحابةِ والتابِعين، ولا نعْرِفُ لهم فى عَصْرِهم مُخَالِفًا، فيكونُ إجْماعًا. القسم الرابع، نَذْرُ المَعْصِيةِ، فلا يحِلُّ الوَفاءُ به إجْماعًا، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِىَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ". ولأنَّ مَعْصيةَ اللَّهِ تعالى لا تحِل فى حالٍ، ويجبُ على النَّاذِرِ كفَّارةُ يَمِينٍ. رُوِىَ نحوُ هذا عن ابنِ مَسْعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وجابرٍ، وعِمْرانَ بنِ حُصَيْن، وسَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ (18). وبه قال الثَّورىُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه. ورُوِىَ عن أحمدَ ما يَدلُّ على أنَّه لا كَفَّارَةَ عليهِ، فإنه قال، فى مَن نَذَر ليَهْدِمَنَّ دارَ غيرِه لَبِنَةً لَبِنَةً: لَا كَفارةَ عليه. وهذا فى مَعْناه. ورُوِىَ هذا عن مَسْروقٍ، والشَّعْبِىِّ. وهو مذهبُ مالكٍ، والشَّافِعىِّ؛ لِقَولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ العَبْدُ". روَاه مسلم (19). وقال: "لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ". متَّفَقٌ عليه (20). وقال:
(13) انظر: ما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب لا نذر فى معصية اللَّه، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 440 - 442، 444، 445.
(14)
فى ب: "النذور".
(15)
فى م: "يسمه".
(16)
فى م: "اليمين".
(17)
فى: باب ما جاء فى كفارة النذر إذا لم يسم، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 7.
كما أخرجه مسلم، فى: باب فى كفارة النذر، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1265. وأبو داود، فى: باب من نذر نذرا لم يسمه، من كتاب الأيمان. سنن أبى داود 2/ 216. والنسائى، فى: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 24. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 144، 146، 147.
(18)
انظر الحاشية 13 المتقدمة، ويأتى حديث عمران.
(19)
تقدم تخريجه، فى: صفحة 34. وانظر: صفحة 119.
(20)
أخرجه البخارى، فى: باب ما ينهى عن السباب واللعن، من كتاب الأدب. صحيح البخارى 8/ 19. =
"لَا نَذْرَ إلا مَا ابْتُغِيَ به وَجْهُ اللَّه". روَاه أبو داودَ (21). وقال: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِىَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ". ولَم يأْمُرْ بَكفَّارةٍ. ولما نَذرَت المرأةُ التى كانتْ مع الكُفَّار، فنَجَتْ على ناقةِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ تَنحَرَها، قالت: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّى نَذرْتُ إِنْ أنْجَانِى اللَّهُ عليها أن أنحَرَهَا؟ قال:"بِئْس مَا جَزَيتهَا، لَا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ" روَاه مسلمٌ. ولمْ يَأمُرْها بِكفَّارَة. وقال لأبى إسْرَائِيلَ، حين نذرَ أن يَقُومَ فى الشمسِ، ولا يَقعُدَ، ولا يستَظِل، ولا يَتكلَّمَ:"مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَجْلِسْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ". روَاه البُخارِىُّ (22). ولم يأمرْهُ بكفَّارَةٍ. ولأنَّ (23) النَّذرَ الْتِزامُ الطَّاعَةِ، وهذا التِزامُ مَعْصِيَةٍ، ولأنَّه نَذرٌ غيرُ مُنْعَقِدٍ، فلم يُوجِبْ شيئًا، كاليَمِينِ غيرِ المُنْعقِدَةِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، ما روتْ عائشةُ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"لَا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ" رواه الإِمامُ أحمدُ، فى "مُسْنَدِه"، وأبو داودَ، فى "سُنَنِه"، وقال التِّرْمِذِىُّ: هو حديثٌ غريبٌ (24). وعن أبى هُريرَةَ، وعِمْرانَ بنِ حُصَينٍ، [عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مثلُه: رَوَى الجُوزجَانِىُّ، بإسْنادِه عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ] (25)، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "النَّذْرُ نَذْرَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرِ فِى طَاعَةِ اللَّهِ، فَذلِكَ لِلَّهِ، وَفِيهِ
= ومسلم، فى: باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان. . .، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 1/ 104.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، من أبواب النذور، وفى: باب ما جاء فى من رمى أخاه بالكفر، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذى 7/ 6، 10/ 103. والنسائى، فى: باب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 18. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 33.
(21)
فى: باب فى الطلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 507.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 2/ 185.
(22)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 482.
(23)
سقطت الواو من: م.
(24)
تقدم تخريجه، فى صفحة 477.
(25)
سقط من: ب. نقل نظر.
ولحديث أبى هريرة، انظر: تلخيص الحبير 4/ 175، أما حديث عمران بن حصين الذى رواه الجوزجانى، فقد أخرجه النسائى، فى: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 25 - 27. والحاكم، فى: كتاب النذور. المستدرك 4/ 305. والبيهقى، فى: باب من جعل فيه كفارة يمين، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 70. وابن عدى، فى: الكامل 6/ 2209. وأبو نعيم، فى: حلية الأولياء 7/ 97. والخطيب، فى: تاريخ بغداد 6/ 292، 293.
الوَفَاءُ، ومَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَا وَفَاءَ فِيهِ، وَيُكَفِّرُهُ، مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ". وهذا نَصٌّ. ولأنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ، [بدليلِ ما رُوِىَ] (26) عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "النَّذْرُ حَلْفَةٌ" (27). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لأُختِ عُقْبةَ، لمَّا نذَرَتِ المَشْىَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرام، [فلمَّا نذرتْ المَشْىَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ] (28)، فلم تُطقْهُ: "تُكَفِّرْ يَمِينَهَا". صحيحٌ، أخْرَجة أبو داوُدَ (29). وفى روايةٍ: "وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ". قال أحمدُ: إليه أذْهَبُ. وقال ابنُ عبَّاسٍ فى التى نذَرتْ ذَبْحَ ابْنِها: كفِّرِى يَمِينَكِ (30). ولو حلَف على فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، لَزِمتْه الكفَّارةُ، فكذلك (31) إذا نذَرَها. فأمَّا أحاديثُهم، فمَعْناها لا وفاءَ بالنَّذْر فى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وهذا لا خلافَ فيهِ، وقد جاءَ مُصَرَّحًا به هكذا فى رواية مُسْلمٍ، ويدُلُّ على هذا أيضًا، أَنَّ فى سياقِ الحديثِ: "وَلَا يَمِينَ فِى قَطِيعَةِ رَحِمٍ" (32). يَعْنِى لا يَبَرُّ فِيها. ولو لم يُبيِّنِ الكفَّارةَ فى أحاديثهِم، فقد بيَّنها فى أحاديثنا. فإن فعل ما نذَرَه من المعصيةِ، فلا كفَّارةَ عليه، كما لو حلَف لَيَفْعَلَنَّ مَعْصِيَةً، ففعلَها. ويَحْتَمِلُ أن تَلْزَمه الكفَّارةُ حَتْمًا؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عيَّنَ فيه الكفَّارةَ، وَنَهى عن فِعْل المَعْصِيَةِ. القسم الخامس، المباحُ؛ كلُبسِ
(26) فى ب: "بما روى".
(27)
تقدم تخريجه فى: صفحة 477.
(28)
سقط من: ب. نقل نظر.
(29)
فى: باب من رأى عليه كفارة إذا كان فى معصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 209 - 211.
كما أخرجه البخارى، فى: باب من نذر المشى إلى الكعبة، من أبواب المحصر وجزاء الصيد. صحيح البخارى 3/ 25. ومسلم، فى: باب من نذر أن يمشى إلى الكعبة، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1264. والترمذى، فى: باب حدثنا محمود بن غيلان، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 29. والنسائى، فى: باب من نذر أن يمشى إلى بيت اللَّه تعالى، وباب إذا حلفت المرأة. . .، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 17 - 19. وابن ماجه، فى: باب من نذر أن يحج ماشيا، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 689. والدارمى، فى: باب فى كفارة النذر، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 183. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 239، 253، 311، 4/ 143، 145، 149، 151، 152، 201.
(30)
أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى من نذر أن يذبح ابنه أو نفسه، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 72.
(31)
فى ب: "كذلك".
(32)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى الطلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق، وفى: باب اليمين فى قطيعة الرحم، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 1/ 506، 2/ 204. والنسائى، فى: باب اليمين فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 12. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 185.
الثوبِ، ورُكوبِ الدَّابَّةِ، وطلاقِ المرأةِ على وَجْهٍ مُباحٍ، فهذا يتَخيَّرُ النَّاذِرُ فيه، بينَ فِعْلِه فيَبَرُّ بذلك؛ لما رُوىَ أَنَّ أمرأة أتتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنِّى نَذَرْتُ أن أضْرِبَ على رَأْسِك بالدُّفِّ. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أوْفِ بِنَذْرِكِ". رواه أبو داودَ (33). ولأنَّه لو حلَف على فعلِ مُباحٍ، بَرَّ بفعْلِه، فكذلك إذا نَذَرَه؛ لأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ. وإِنْ شاءَ تركَه وعليه كفارةُ يَمِينٍ. ويَتخرَّجُ أَنْ لا كفَّارةَ فيه؛ فإِنَّ أصْحابَنا قالوا، فى مَن نَذَرَ أن يعْتَكِفَ أو يُصَلِّىَ فى مسجدٍ مُعَيَّنٍ: كان له أن يُصَلِّىَ ويعْتكِفَ فى غيرِه، ولا كفَّارةَ، ومن نَذَرَ أن يتصدَّقَ بمالِه كلِّه، أجْزَأتْهُ الصدقةُ بثُلثِه بلا كفَّارةٍ. وهذا مثلُه. وقال مالكٌ، والشَّافعىُّ: لا ينْعَقِدُ نَذْرُه؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ". وقد روَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: بَيْنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يخطُب، إذ هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ، نذرَ أن يقومَ فى الشمس، ولا يسْتظلَّ، ولا يتكلمَ، ويصومَ. فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مُروهُ [فَلْيَجْلِسْ، وَلْيَسْتَظِلَّ] (34)، وَليَتَكَلَّمْ، وَلْيُتمَّ صَوْمَهُ" روَاه البخارىُّ. وعن أنسٍ قال: نذَرَتِ امرأةٌ أَنْ تمشيَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ (35)، فَسُئِلَ نَبىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"إِنَّ اللَّه لَغَنِىٌّ عَنْ مَشْيهَا، مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ". قال التِّرْمِذِىُّ (36): هذا حديثٌ حَسَنٌ (37) صحيحٌ (38). ولم يأمُرْ بكفَّارةٍ. ورُوِىَ أَنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يُهادَى بين اثْنَين، فسألَ عنه، فقالوا: نَذَرَ أن يَحُجَّ ماشِيًا. فقال: "إِنَّ اللَّه لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ، مُرُوهُ فَلْيَرْكَبْ". مُتَّفَقٌ عليه (39). ولم يأمُرْه بكفَّارةٍ، ولأنَّه نَذرٌ غيرُ مُوجِبٍ
(33) فى: باب ما يؤمر به من الوفاء عن النذر، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 213.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب مناقب عمر رضى اللَّه عنه، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 147. والإمام أحمد، فى: المسند 5/ 353، 356. والبيهقى، فى: باب ما يوفى به من النذر، من كتاب النذور. السنن الكبرى 10/ 77. وابن حبان، فى: باب ذكر الخير الدال على إباحة قضاء النذر. . .، من كتاب النذور. انظر: الإحسان 6/ 286، 287.
(34)
فى م: "فليستِظل وليجلس".
(35)
سقط من: ب.
(36)
فى: باب ما جاء فى من يحلف بالمشى ولا يستطيع، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 19، 20.
(37)
سقط من: م.
(38)
بعد هذا فى الترمذى: "غريب".
(39)
أخرجه البخارى، فى: باب من نذر المشى إلى الكعبة، من أبواب المحصر وجزاء الصيد، وفى: باب النذر فيما لا =
لفعلِ ما نَذَرَهُ، فلم يُوجِبْ كفَّارةً، كَنذْرِ المُسْتحيلِ. ولَنا، ما تقدَّم فى القِسْمِ الذى قبلَه. فأمَّا حديثُ التى نذْرتِ المَشْىَ، فقد أمرَ فيه بالكفَّارةِ فى حديثٍ آخَرَ، فرَوَى (40) عُقْبةُ بنُ عامرٍ، أَنَّ أُختَه نذَرتْ أَنْ تَمْشِىَ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ، فسُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"مُرُوهَا فَلْتَركَبْ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينهَا". صحيحٌ، أخْرجَهُ أبو داوُدَ. وهذه زِيادة يجبُ الأخْذُ بها، ويجوزُ أن يكونَ الرَّاوِى للحديثِ رَوَى البعضَ وتركَ البعضَ، أو يكونَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم تركَ ذِكرَ الكفَّارةِ فى بعض الحديثِ، إحالةً على ما عُلِمَ من حديثه فى مَوْضِعٍ آخرَ. ومن هذا القِسْم إذا نَذَرَ فعلَ مَكْروهٍ، كطلاقِ امرأتِه، فإنَّه مَكْرُوهٌ، بِدليلِ قولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"أبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ"(41). فالمُسْتحَبُّ أَنْ لا يَفِىَ، ويُكفِّرَ، فإن وَفَى بِنذْرِه، فلا كفَّارةَ عليه، والخلافُ فيه كالذى قَبلَه. القسم السادس، نَذْرُ الواجب، كالصلاةِ المكْتوبَةِ، فقال أصْحابُنا: لا ينْعَقِدُ نَذْرُه. وهو قولُ أصحابِ الشَّافعى؛ لأَنَّ النَّذْرَ الْتِزامٌ، ولا يصِحُّ الْتِزامُ ما هو لازِم له. ويَحْتَمِلُ أَنْ ينْعَقِدَ نَذْرُه مُوجبًا كفَّارةَ يَمِينٍ إِنْ تركَه، كما لو حلَف على فِعْلِه؛ فإِنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، وقد سَمَّاه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَمِينًا (42). وكذلك لو نَذَرَ مَعْصِيَةً أو مُباحًا، لم يَلْزَمْه، ويُكفِّرُ إذا لم يفْعَلْهُ. القسم السابع، نَذْرُ المُستَحيلِ، كصومِ أمسِ، فهذا لا ينْعَقِدُ، ولا يُوجِبُ شيئًا؛ لأنَّه لا يُتَصَوَّرُ انْعِقادُه، ولا الوَفاءُ به، ولو حلَف على فِعْلِه لم تَلْزَمْه كفَّارةٌ، فالنَّذْرُ أوْلَى، وعَقْدُ البابِ فى صحيحِ المذْهبِ، أَنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، ومُوجَبُه مُوجَبُها، إِلَّا فى لُزومِ الوفاءِ به،
= يملك وفى معصية، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 3/ 25، 8/ 177. ومسلم، فى: باب من نذر أن يمشى إلى الكعبة، من كتاب النذور. صحيح مسلم 3/ 1264.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب من رأى عليه كفارة إذا كان فى معصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 219، 220. والترمذى، فى: باب ما جاء فى من يحلف بالمشى ولا يستطيع، من أبواب الأيمان والنذور، عارضة الأحوذى 7/ 21. والنسائى، فى: باب ما الواجب على من أوجب على نفسه نذرا فعجز عنه، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 28. وابن ماجه، فى: باب من نذر أن يحج ماشيا، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 689. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 106، 114، 183، 235، 271.
(40)
فى م: "وروى".
(41)
تقدم تخريجه، فى: 10/ 324.
(42)
سقط من: ب.