الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ منه ما يُرْفَعُ مع الخبزِ، كالملحِ ونحوِه. والثانِى، أنَّهما يَجْتَمِعان فى الفمِ والمَضْغِ والبَلْعِ، الذى هو حقيقَةُ الأَكْلِ، فلا يضُرُّ افْتِراقُهما قبلَه، فأمَّا التَّمْرُ، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، هو أُدْمٌ؛ لما رَوَى يوسفُ بن (36) عبدِ اللَّه بن سَلام، قال: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وضَعَ تَمْرَةً على كِسْرَةٍ، وقال:"هذِهِ إدَامُ هذِهِ". روَاه أبو داوُد (37)، وذَكَرَه الإِمامُ أحمدُ. والثانِى، ليسَ بأُدْمٍ؛ لأَنَّه لا يُؤْتَدَمُ به عادَةً، إنَّما يُؤْكَلُ قُوتًا وحَلاوَةً (38). وإِنْ أكَلَ المِلْحَ مع الخبزِ فهو إدامٌ؛ لما ذَكَرْنا من الخَبَرِ، ولأنَّه يُؤْكَلُ به الخُبْزُ، ولا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا عادَةً، أشْبَهَ الجُبْنَ والزَّيْتُونَ.
فصل:
فإنْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ طعامًا، [حَنِثَ بأكْلِ كلِّ](39) ما يُسَمَّى طعامًا؛ من قُوتٍ، وأُدْمٍ، وحَلْواءَ، وتَمْرٍ، وجامِدٍ، ومائِعٍ (40)، قال اللَّه تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِى إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (41). وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} (42). يعنى على مَحَبَّةٍ للطَّعامِ (43)؛ لحاجَتِهم إليه (44)، وقيل: على حُبِّ اللَّه تعالى. وقال اللَّه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِى مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} (45). وسمَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم اللَّبَنَ طعامًا، فقال:"إنَّما يخْزُنُ لهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ"(46). وفى الماءِ وَجْهان؛
(36) فى ب، م:"عن" خطأ.
(37)
فى: باب الرجل يحلف أن لا يتأدَّم، من كتاب الأيمان والنذور، وفى: باب فى التمر، من كتاب الأطعمة. سنن أبى داود 2/ 201، 325.
(38)
فى م: "أو حلاوة".
(39)
سقط من أ، ب:"كل". وفى م: "فأكل".
(40)
فى م زيادة: "حنث".
(41)
سورة آل عمران 93.
(42)
سورة الإنسان 8.
(43)
فى م: "الطعام".
(44)
سقط من: ب.
(45)
سورة الأنعام 145.
(46)
تقدم تخريجه، فى: صفحة 336.
أحَدُهما، هو طعامٌ؛ لقول اللَّه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (47). والطَّعامُ ما (48) يُطْعَمُ، ولأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّى اللَّبَنَ طعامًا، وهو مَشْروبٌ، فكذلك الماءُ. والثانى، ليس بطعامٍ؛ لأنَّه لا يُسَمَّى طَعامًا، ولا يُفْهَمُ من إطْلاقِ اسمِ الطَّعامِ، ولهذا يُعْطَفُ عليه، فيقال: طعامٌ وشَرابٌ. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "إنِّى [لا أَعْلَمُ] (49) ما يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ". روَاه ابنُ ماجَه (50). ويقال: بابُ الأَطْعِمَةِ والأشْرِبَة. ولأنَّه إِنْ كان طعامًا فى الحقيقَةِ، فليس بطعامٍ فى العُرْفِ، فلا يَحْنَثُ بشُرْبِه، لأَنَّ مَبْنَى الأيْمانِ على العُرْفِ، لكَوْنِ الحالِفِ فى الغالِب لا يريدُ بلَفْظِه إِلَّا ما يَعْرِفُه. وإِنْ أَكَلَ دواءً، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأنَّه يُطْعَمُ حال الاخْتِيارِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. والثانى، لا يَحْنَثُ؛ لأنَّه لا يَدْخُلُ فى إطْلاقِ اسمِ الطَّعامِ، ولا يُؤْكَلُ إِلَّا عندَ الضَّرُورَةِ. فإنْ أَكَلَ من نباتِ الأَرْضِ ما جَرَتِ العادَةُ بأَكْلِه، حَنِثَ. وإِنْ أكَلَ ما لم (51)[تَجْرِ به](52) عادَةٌ، كوَرَقِ الشَّجَرِ، ونُشارَةِ الخَشَبِ، احْتَملَ وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأَنَّه قد أَكَلَه، فأشْبَهَ ما جَرَتِ العادَةُ بأكْلِه، ولأَنَّه (53) رُوِىَ عن عُتْبَةَ ابنِ غَزْوانَ، أنَّه قال: لقد رأيْتُنا مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، سابِعَ سَبْعَةٍ، ما لَنا طعامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ (54)، حتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنا (55). الثانى، لا يَحْنَث؛ لأنَّه لا يَتَناوُله اسمُ الطَّعامِ فى العُرْفِ.
(47) سورة البقرة 249.
(48)
سقط من: ب.
(49)
فى ب: "لأعلم".
(50)
فى: باب اللبن، من كتاب الأطعمة. سنن ابن ماجه 2/ 1103.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب ما يقول إذا شرب اللبن، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود 2/ 304.
(51)
فى م: "لا".
(52)
فى م: "يجزئه" تصحيف.
(53)
فى الأصل زيادة: "قد".
(54)
فى ب: "الحلبة". والحُبْلَةُ: ثَمَر السَّمُرِ، يشبه اللوبياء. النهاية 1/ 334.
(55)
فى ب: "أحداقنا". والحديث أخرجه مسلم، فى: باب حدثنا قتيبة بن سعيد. . .، من كتاب الزهد والرقائق. صحيح مسلم 4/ 2279. وابن ماجه، فى: باب معيشة أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1392. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 174، 5/ 61.