الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنَّما أُمِرَ بذَبْحِ ابنِه ابْتِلاءً، ثم فُدِىَ بالكَبْشِ، وهذا أمرٌ اخْتَصَّ بإبراهيمَ عليه السلام، لا يتعَدَّاه إلى غيرِه، لحِكْمَةٍ عَلِمَها اللَّه تعالى فيه. ثم لو كان إبراهيمُ مأمورًا بذَبْحِ كَبْشٍ، فقد ورَدَ شَرعُنا بخِلَافِه، فإنَّ نذْرَ ذَبْحِ الابنِ ليس بقرْبَةٍ فى شَرْعِنا، ولا مُباحٍ، بل هو مَعْصِيَةٌ، فتكونُ كَفَّارَتُه ككفَّارَةِ سائِرِ نُذورِ الْمَعاصِى.
فصل:
وإِنْ نذَرَ ذَبْحَ نَفْسِه، أو أَجْنَبِىٍّ، ففيه أيضًا عن أحمدَ رِوايتَان، وعن ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا فيه رِوايتان، نقلَ ابنُ مَنْصورٍ عن أحمدَ، فى مَن نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَه إذا حَنِثَ: يَذْبَحُ شاةً. وكذلك إذا (10) نذرَ ذبحَ أجْنَبِىٍّ؛ لأنَّه رُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، فى الذى قال: أنا أَنْحَرُ فُلانًا. فقال: عليه ذَبْحُ (11) كبْشٍ. ولأنّه نَذَرَ ذَبْحَ آدَمِىٍّ، فكان عليه ذَبْحُ كَبْشٍ، كنَذْرِ ذَبْحِ ابْنِه. والثانِيَةُ، عليه كَفّارَةُ يَمِينٍ؛ لأنَّه نذْرُ مَعْصِيَةٍ، فكان مُوجَبُه كَفَّارةً، لما ذكرْنا فيما تقدَّم. ورَوَى الْجُوزَجَانِىُّ، بإسْنادِه عن الأوْزَاعِىِّ، قال: حَدَّثَنِى أبو عُبَيْدٍ، قال: جاءَ رجُلٌ إلى ابنِ عمرَ، فقال: إنِّى نَذَرْتُ أن أنحَرَ نَفسِى. قال: فتَجَهَّمَه ابنُ عمرَ، وأفَّفَ منه، ثم أتَى ابنَ عبَّاسٍ، فقال له: أهْدِ مائَةَ بَدَنَةٍ. ثم أتَى عبدَ الرحمن بنَ الحارِثِ بنِ هِشامٍ، فقال له: أرَأَيْتَ لو نذَرْتَ أَنْ لا تُكَلِّمَ أباكَ أو أخاكَ؟ إنّما هذه خُطْوةٌ من خُطُواتِ الشَّيْطان، اسْتَغْفِر اللَّه، وتُبْ إليه، ثم رَجَعَ إلى ابنِ عَبَّاسٍ فأَخْبَرَه، فقال: أصابَ عبدُ الرحمن. ورَجَعَ ابنُ عبَّاسٍ عن قولِه. والصحيحُ فى هذا، أنَّه نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، حُكْمُه حُكْم نَذْرِ (12) سائِرِ المعاصِى لا غيرُ.
فصل: قال أحمدُ، فى امْرأةٍ نَذَرَت نَحْرَ وَلَدِها، ولها ثلاثَةُ أولادٍ: تَذْبَحُ عن كُلِّ واحِدٍ كَبْشًا، وتكفِّرُ يَمِينَها. وهذا على قولِه: إِنَّ كَفّارَةَ نَذرِ ذَبْحِ الوَلَدِ ذَبْحُ كبْشٍ. جعلَ عن كُلِّ واحِدٍ كَبْشًا؛ لأنَّ لفظَ الواحِدِ إذا أُضِيفَ اقْتَضَى التَّعْميمَ، فكان عن كُلِّ واحِدٍ كبشٌ. فإنْ عَنَتْ بنَذْرِها واحِدًا فإنَّما عليها كبشٌ واحِدٌ، بدليلِ أَنَّ إبراهيمَ عليه السلام، لمَّا أُمِرَ بذَبْحِ ابنِه (13) الواحِد، فُدِىَ بكبْشٍ واحِدٍ، ولم يفْدَ غيرُ مَن أُمِرَ بذَبْحِه مِن أوْلادِه، كذا ههُنا، وعبد المُطَّلِبِ لمَّا نَذَرَ ذَبْحَ ابنٍ من بَنِيه إن بَلَغُوا عَشَرَةً، لم يَفْدِ
(10) فى ب، م:"إن".
(11)
لم يرد فى: الأصل، أ، ب.
(12)
سقط من: أ، ب.
(13)
فى ب: "ولده".
منهم إلَّا واحدًا. وسواءٌ نَذَرتْه مُعَيَّنًا، أو عَنَتْ واحدًا غيرَ مُعَيَّنٍ، فأمَّا قولُ أحمدَ: وتكفِّرُ يَمِينَها. فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أَنَّ ذَبْحَ الكِباشِ كفَّارَةُ يَمِينها. ويَحْتَمِلُ أنَّه كان مع نَذْرِها يَمِينٌ. وأمَّا على الرِّوايَة الأُخْرَى، تُجْزِئها كَفَّارَة يَمِينٍ، على ما سَبَقَ.
1795 -
مسألة؛ قال: (وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ، فحَنِثَ، عَتَقَ عَلَيْه كُلُّ مَا يَمْلِكُ مِن عَبِيدهِ، وَإِمَائِهِ، ومُكاتَبِيهِ، ومُدَبَّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أوْلَادِهِ، وشِقْصٍ يَمْلِكُهُ مِنْ (1) مَمْلُوكِهِ)
معناه إذا قال: إنْ فَعَلْتُ كذا، فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لى حُرٌّ أو عَتِيقٌ، أو فكُلُّ ما أَملِكُ حُرٌّ. فإنَّ هذا إذا حَنِثَ عَتَقَ مَمالِيكُه، ولم تُغْنِ عنه كَفّارَةٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وابْنِ عبَّاسٍ. وبه قال ابنُ أبى ليلَى، والثَّوْرِىُّ، ومالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافِعىُّ، وإسحاقُ. ورُوِىَ عن ابنِ عمرَ، وأبى هُرَيْرَةَ، وعائِشَةَ، وأبى سلمَةَ، وحَفْصَةَ، وزينبَ بنتِ أبى سَلَمَةَ، والحسنِ، وأبى ثَوْرٍ: تُجْزِئُه كَفّارَةُ يَمِينٍ. لأَنَّها يَمِينٌ، فتَدْخُلُ فى عُمومِ قولِ اللَّه تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (2). ورُوىَ عن أبى رافِعٍ، قال: قالتْ مَوْلاتِى لَيْلَى بنتُ العَجْماء: كُلُّ مَمْلُوكٍ لها مُحَرَّرٌ، كلُّ مالٍ لها هَدْىٌ، وهى يَهُودِيَّةٌ وهى نَصْرانِيَّةٌ إنْ لم تُفَرِّقْ بينَكَ وبين امْرأَتِك. قال: فأَتَيْتُ زَيْنَبَ بنتَ أمِّ سَلَمَةَ، ثم أتَيْتُ حَفْصَةَ. إلى أَنْ قال: ثم أتَيْتُ ابنَ عمرَ، فجاءَ معى إليها، فقامَ على البابِ فسَلَّم، فقال: أَمنْ حِجارَةٍ أَنْتِ أم من حَدِيدٍ؟ أَفْتَتْكِ زَيْنَبُ، وأَفتَتْكِ أمُّ المؤْمِنِينَ، كَفِّرِى عن يَمِينِك، وخَلِّى بينَ الرَّجُلِ [وبينَ امْرأَتِه](3). رَواه الأثْرَمُ، والجُوزَجانِىُّ مُطَوَّلًا (4). ولَنا، أَنَّه عَلَّقَ العِتْقَ على شَرْطٍ، وهوْ قابِلٌ للتَعْلِيقِ، فيَقَعُ بوُجودِ شَرْطِه، كالطَّلاقِ، والآيَةُ مخصوصَةٌ بالطَّلاقِ، والعِتْقُ فى مَعْناه، ولأنَّ العِتْقَ ليس بيَمِينٍ فى الحقيقَةِ، إنَّما هو تَعْلِيقٌ على شَرْطٍ، فأشْبَهَ الطَّلاقَ. فأمَّا حديثُ أبى رافِعٍ، قال أحمدُ:
(1) فى ب: "عن".
(2)
سورة المائدة 89.
(3)
فى م: "وامرأته".
(4)
وأخرجه الدارقطنى، فى: كتاب النذور. سنن الدارقطنى 4/ 163، 164. والبيهقى، فى: باب من جعل شيئًا من ماله صدقة أو فى سبيل اللَّه. . .، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 66.