الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعودٍ أيضًا يُحْمَلُ على الاخْتِيارِ، والاحْتِياطِ لكلامِ اللَّهِ، والمُبالغةِ فى تَعْظيمِه، كما أَنَّ عائِشَةَ أعتَقَت أرْبَعِين رَقَبَةً حين حَلَفَت بالعَهْدِ، وليس ذلك بواجبٍ، ولا يجبُ أكثرُ مِن كَفَّارَةٍ؛ لقولِ اللَّه تعالَى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (5). وهذه يَمِينٌ، فتدْخلُ فى عُمومِ الأَيْمانِ المُعَقَّدَةِ (6)، ولأَنَّها يَمينٌ واحِدَةٌ، فلم تُوجِبْ كفَّاراتٍ، كسائِرِ الأيْمانِ، ولأَنَّ إيجابَ كفَّاراتٍ بعَدَدِ الآياتِ يُفْضِى إلى المَنْعِ من البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلاحِ بينَ النَّاسِ؛ لأنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّه بِحِنْثِه تَلْزَمُه هذه الكَفَّاراتُ كلُّها، يَتْرُكُ (7) المحلوفَ عليه كائِنًا ما كان، وقد يكون بِرًّا وتَقْوًى وإِصْلاحًا، فتَمْنَعُه يَمِينُه (8) منه، وقد نَهَى اللَّهُ تعالى عنه بقولِه:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} (9). وإِنْ قُلنا بِوُجُوبِ كَفَّاراتٍ بعَدَدِ الآياتِ، فلم يُطِقْ ذلك (8)، أَجْزَأَتْه كَفَّارَةٌ واحِدَةٌ. نصَّ عليه أحمدُ.
1794 - مسألة؛ قال: (وعَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ، فِى مَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِه رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، كَفارَةُ يَمِينٍ، والْأُخْرَى، يَذْبَحُ كَبْشًا)
اخْتَلَفَت الرِّوايَةُ فى مَن حَلَفَ بنَحْرِ وَلَدِه، نحوَ أَنْ يقول: إن فَعَلْتُ كذا، فللَّهِ علىَّ أَنْ أَذْبَح وَلَدِى. أو يقولَ: وَلَدِى نَحِيرٌ إنْ فَعَلْتُ كذا. أو نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِه مُطْلَقًا، غيرَ مُعَلّقٍ بشَرْطٍ. فعن أحمدَ، عليه كَفّارَةُ يَمِينٍ. وهذا قياسُ المذهبِ؛ لأَنَّ هذا نذْرُ مَعْصِيَةٍ، أو نذْرُ لَجاجٍ، وكِلاهما يُوصا الكَفَّارَةَ. وهو قولُ ابنِ عَبَّاسٍ؛ فإنَّه رُوِىَ عنه أنَّه قال لامْرَأَةٍ نذَرَتْ أَنْ تَذْبَحَ ابْنَها: لا تَنْحَرِى ابْنَكِ، وكَفِّرِى عن يَمِينكِ (1). والرِّوايةُ الثانِيَةُ،
(5) سورة المائدة 89. ولم يرد فى الأصل، أ، ب: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ}.
(6)
فى م: "المنعقدة".
(7)
فى م: "ترك".
(8)
سقط من: م.
(9)
سورة البقرة 224.
(1)
أخرجه الإمام مالك، فى: باب ما لا يجوز من النذور فى معصية اللَّه، من كتاب النذور والأيمان. الموطأ 2/ 476. والدارقطنى، فى: كتاب النذور. سنن الدارقطنى 4/ 164. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى من نذر أن يذبح ابنه. . .، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 72.
كَفَّارتُه ذَبْحُ كَبْشٍ، ويُطْعِمُه المساكينَ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عبّاسٍ (2) أيضًا؛ لأَنَّ نَذْرَ ذَبْحِ الوَلَدِ جُعِلَ فى الشَّرْعِ كنذْرِ ذَبْحِ شاةٍ، بدليلِ أنَّ اللَّه تعالى أمرَ إبراهيمَ بذَبْحِ ولَدهِ، وكان أمْرًا بذَبْحِ شاةٍ، وشَرْعُ مَنْ قَبْلنا شرْعٌ لنا ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه، ودليلُ أنَّه أُمِرَ بذبْحِ شاةٍ، أَنَّ اللَّه تعالَى لا يأْمُرُ بالفَحْشاءِ ولا بالْمَعاصِى، وذَبْحُ الوَلَدِ من كَبائِرِ المعاصِى. قال اللَّهُ تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (3). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "أكْبَرُ الْكَبَائِرِ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ". قِيلَ: ثم أىٌّ؟ قال: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؟ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"(4). وقال الشافِعِىُّ: ليس هذا بشىءٍ، ولا يَجِبُ به شىءٌ؛ لأنَّه نَذْرُ مَعْصِيةٍ لا يَجِبُ الوفاءُ به، ولا يجوزُ، ولا تَجِبُ به كَفّارَةٌ؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ"(5). ولقولِه عليه السلام: "ومَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِىَ اللَّه، فَلَا يَعْصِهِ"(6). ولَنا، قولُه عليه السلام] (7):"لا نَذْرَ فِى مَعْصِيَةٍ، وكَفُّارَتُه كَفَّارَةُ يَمِينٍ"(8). ولأنَّ النَّذْرَ حُكْمُه حكمُ اليَمِينِ، بدليلِ قولِه عليه السلام:"النَّذرُ حَلْفَةٌ، وكَفَّارَتُه كفّارَةُ يمينٍ"(9). فيكونُ بمنزِلَةِ من حَلَفَ ليَذْبَحَنَّ وَلَدَهَ. وقولُهم: إِنَّ النَّذْرَ لِذَبْحِ الوَلَدِ كنايَةٌ عن ذَبْحِ كبْشٍ. لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ إبراهيمَ لو كان مأْمُورًا بذَبْحِ كَبْشٍ، لم يكُن الكَبْشُ فِداءً، ولا كان مُصَدِّقًا للرُّؤْيَا قبلَ ذَبْحِ الكَبْشِ،
(2) أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى من نذر أن يذبح ابنه أو نفسه، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 73. وعبد الرزاق، فى: باب من نذر لينحرن نفسه، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 460.
(3)
سورة الإسراء 31.
(4)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 497.
(5)
تقدم تخريجه، فى: 5/ 453.
(6)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 456.
(7)
سقط من: ب. نقل نظر.
(8)
أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى النذر فى المعصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 208. والترمذى، فى: باب ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه لا نذر فى معصية، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 3، 4. والنسائى، فى: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 24، 25. وابن ماجه، فى: باب النذر فى المعصية، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 686. والإمام أحمد، فى: المسند 6/ 247.
(9)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 4/ 149، بلفظ:"النذر يمين".