الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأَيْمان
الأَصْلُ فى مَشْرُوعِيَّتها وثبوتِ حُكْمِها، الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجماعُ. أمَّا الكتابُ، فقولُ اللَّه سُبحانه:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (1). الآية، وقال تعالى:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (2). وأمرَ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالحَلِفِ فى ثلَاثةِ مواضِعَ، فقال:{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِى وَرَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} (3). وقال تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ} (4). والثالث: {قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ} (5). وأمَّا السنَّةُ: فقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "إنِّى وَاللَّهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أوتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُهَا". مُتَّفَقٌ عليه (6). وكان أكثرُ قَسَمِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "وَمُصَرِّفِ القُلُوبِ، ومُقَلِّبِ الْقُلُوب"(7). ثَبَت هذا عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فى آىٍ وأخْبارٍ سِوَى هذَيْن كثيرٍ. وأَجْمَعَت الأُمَّةُ على مَشْرُوعِيَّةِ اليمينِ، وثُبوتِ أحْكامِها. ووَضْعُها فى الأصْلِ لتَوْكيدِ المَحْلوفِ عليه.
(1) سورة المائدة 89.
(2)
سورة النحل 91.
(3)
سورة يونس 53. ولم يرد فى الأصل، أ، ب: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
(4)
سورة سبأ 3.
(5)
سورة التغابن 7.
(6)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 39.
(7)
أخرجه البخارى، فى: باب يحول بين المرء وقلبه، من كتاب القدر، وفى: باب كيف كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الأيمان، وفى: باب مقلب القلوب، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 8/ 157، 160، 9/ 145. والترمذى، فى: باب كيف كان يمين النبى صلى الله عليه وسلم، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 24. والنسائى، فى: باب أخبرنا أحمد بن سليمان. . .، وباب الحلف بمصرف القلوب، من كتاب النذور. المجتبى 7/ 3. وابن ماجه، فى: باب يمين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 677. والدارمى، فى: باب بأى أسماء اللَّه حلفت لزمك، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 187. والإمام مالك بلاغًا، فى: باب جامع الأيمان، سنن النذور. الموطأ 2/ 480. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 26، 67، 68، 127، 3/ 112، 257.
فصل: وتصِحُّ من كُلِّ مُكلَّفٍ مُخْتارٍ قاصِدٍ إلى اليمينِ، ولا تصحُّ من غيرِ مُكَلَّفٍ، كالصبىِّ والمجنونِ والنائمِ؛ لقولِه عليه السلام:"رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ"(8). ولأنَّه قولٌ يتعَلَّقُ به وُجوبُ حَقٍّ، فلم يَصِحَّ من غير مُكَلَّفٍ [كالإِقْرارِ. وفى السَّكْرانِ وَجْهان؛ بناءً على أنَّه هل هو مُكَلَّفٌ](9)، أو غيرُ مُكلَّفٍ؟ ولا تَنْعَقِدُ يَمِينُ مُكْرَهٍ. وبه قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تَنْعقِدُ؛ لأَنَّها يَمِينُ مُكلَّفٍ، فانْعَقَدَت، كيَمِينِ المُخْتارِ. ولَنا، ما رَوَى أبو أُمامَةَ، وواثِلَةُ بنُ الأسْقَعِ، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ"(10). ولأنَّه قولٌ حُمِلَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلم يصِحَّ، ككلمَةِ الكُفْرِ.
فصل: وتَصِحُّ اليمينُ من الكافِرِ، وتَلْزَمُه الكفَّارَةُ بالحِنْثِ، سواءٌ حَنَثَ فى كُفْرِه أو بعدَ إسْلامِه. وبه قال الشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ إذا حَنَثَ بعدَ إسْلامِه. وقال الثوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: لا يَنْعَقِدُ يَمِينُه؛ لأنَّه ليس بمُكَلَّفٍ. ولَنا، أنّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، نَذَرَ فى الجاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فى المسجدِ الحرامِ، فأمَرَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالوفاءِ بنَذْره (11). ولأَنَّه من أهلِ القَسَمِ، بدليلِ قولِه تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (12). ولا نُسَلِّمُ أنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، وإنَّما تسْقطُ عنه العباداتُ بإسْلامِه؛ لأنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ ما قبلَه، فأمَّا ما الْتَزَمَه (13) بنَذْرِه أو يَمِينه، فَيَنْبَغِى أَنْ يَبْقَى حُكْمُه فى حَقِّه؛ لأنَّه (14) من جِهَتِه.
فصل: ولا يجوزُ الحَلِفُ بغيرِ اللَّه تعالى، وصِفاتِه، نحو أَنْ يحلفَ بأَبِيهِ، أو الكَعْبَةِ، أو صَحابِىٍّ، أو إمامٍ. قال الشافِعِىُّ: أخْشَى أَنْ يكونَ مَعْصِيَةً. قال ابنُ عبد البَرِّ: وهذا أصلٌ مجمعٌ عليه. وقيل: يجوزُ ذلك؛ لأنَّ اللَّه تعالى أقْسَمَ بمَخْلُوقاتِه، فقال:
(8) تقدم تخريجه، فى: 2/ 50.
(9)
سقط من: م. نقل نظر.
(10)
أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب النذور. سنن الدارقطنى 4/ 171.
(11)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 457.
(12)
سورة المائدة 106.
(13)
فى م: "لزمه".
(14)
فى الأصل: "لا".
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} (15). {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} (16). {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} (17). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم للأَعْرابِىّ السائِلِ له (18) عن الصلاةِ: "أفْلَحَ، وأبيهِ، إنْ صَدَق"(19). وقال فى حديث أبى العشراء: " وَأَبيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِى فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ"(20). ولَنا، ما رَوَى عمرُ بنُ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَدرَكَه وهو يَحْلِفُ بأبِيه، فقال:"إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أو ليَصْمُتْ". قال عمرُ: فما حَلَفْت بها بعدَ ذلك، ذاكرًا ولا آثِرًا. مُتَّفَقٌ عليه (21). يعنى ولا حَاكِيًا لها عن غيرِى. وعن ابنِ عمر، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللَّهِ، فَقَدْ أشْرَكَ". قال الترمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ (21). ورُوِى عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ والْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلهَ إلَّا اللَّهُ"(22). ورُوِىَ عنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كَما قَالَ". مُتَّفقٌ عليه (23).
(15) سورة الصافات 1.
(16)
سورة المرسلات 1.
(17)
سورة النازعات 1.
(18)
سقط من: ب، م.
(19)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 7.
(20)
تقدم تخريجه، فى: 13/ 303.
(21)
تقدم التخريج، فى: 11/ 6.
(22)
أخرجه البخارى تعليقا، فى: باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام، من كتاب الأيمان. صحيح البخارى 8/ 166. وأبو داود، فى: باب الحلف بالأنداد، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 198، 199. والنسائى، فى: باب الحلف باللات، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 8. وابن ماجه، فى: باب النهى أن يحلف بغير اللَّه، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 678.
(23)
أخرجه البخارى، فى: باب ما جاء فى قاتل النفس، من كتاب الجنائز، وفى: باب ما ينهى من السباب واللعن، وباب من كَفَّر أخاه، من كتاب الأدب، وفى: باب من حلف بملة غير الإسلام، من كتاب الأيمان. صحيح البخارى 2/ 120، 8/ 18، 19، 32، 166. ومسلم، فى: باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. . .، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 1/ 104، 105.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 201. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية الحلف بغير ملة الإسلام، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 28. والنسائى، فى: باب الحلف بملة سوى الإسلام، وباب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 6، 18. وابن ماجه، فى: باب من حلف بملة غير الإسلام، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 678. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 33.
وفى لفظٍ: "مَنْ حَلَفَ (24) أنَّه بَرِىءٌ مِنَ الإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ كَذَبَ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِسْلَامِ سَالِمًا". روَاه أبو داود (25). فأمّا قَسَمُ اللَّهِ بمَصْنُوعاتِه، فإنَّما أقْسَمَ به دَلالةً على قُدْرتِه وعَظمَتِه، وللَّهِ تعالى أَنْ يُقْسِمَ بما شاءَ مِن خَلْقِه، ولا وَجْهَ للقياس على إقْسامِه. وقد قيل: إنَّ (26) فى إقْسامِه إضمارَ القسمِ بربِّ هذه المخلوقاتِ، فقولُه:{وَالضُّحَى} (27). أى وربِّ الضُّحَى. وأمَّا قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "أفلَحَ، وأبيهِ، [إنْ صَدَقَ] (28) ". فقال ابنُ عبدِ الْبَرِّ: هذه اللفظة غيرُ مَحْفُوظَةٍ من وَجْهٍ صحيحٍ، فقد روَاه مالِكٌ وغيرُه من الحُفَّاظِ فلم يقولُوها فيه. وحديثُ أبى العشراءِ، قد قال أحمدُ: لو كانَ يثْبُتُ. يعنى أَنَّه لم يَثْبُتْ، ولهذا لم يَعْمَلْ به الفُقَهاءُ فى إباحَةِ الذَّبْحِ فى الفَخِذِ. ثم لو ثَبَتَ، فالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْىَ بعدَه؛ لأنَّ عمرَ قد كان يحْلِفُ بها كما حَلَفَ بها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ثم نُهِىَ عن الحَلِفِ بها، ولم يرِدْ بعدَ (29) النَّهْى إباحَةٌ، ولذلك قال عمرُ، وهو يَرْوِى الحديثَ بعدَ مَوْتِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: فما حَلَفْتُ بها ذاكِرًا، ولا آثِرًا. ثم إنْ لم يكنْ الحَلِفُ بغيرِ اللَّه مُحَرّمًا فهو مكرُوهٌ، فإنْ حلفَ فلْيَسْتَغْفِر اللَّهَ تعالى، أو ليَذْكُرِ اللَّهَ تعالى، كما قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَلَفَ باللَّاتِ والْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ". لأنَّ الحَلِفَ بغيرِ اللَّه سَيِّئَةٌ، والحَسَنَةُ تَمْحُو السَّيِّئَةَ، وقد قال اللَّه تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (30). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فاتبِعْها حَسَنَةً تَمْحُهَا"(31). ولأنَّ مَن حَلَفَ بغيرِ اللَّه، فقد عَظَّمَ غيرَ اللَّه تَعْظِيما يُشْبِهُ تَعْظيمَ الرَّبِّ تبارك وتعالى، ولهذا سُمِّى شِرْكًا؛ لكَوْنِه أشرَكَ غيرَ اللَّهِ مع اللَّه تعالَى فى تَعْظيمِه بالقَسَمِ به، فيقولُ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ. تَوْحِيدًا للَّه تعالى، وبَراءَةً من الشِّرْكِ. وقال الشافِعِىُّ: مَن حلَفَ بغير اللَّه تعالى، فلْيَقُلْ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
(24) سقط من: م.
(25)
فى: باب ما جاء فى الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 201.
(26)
سقط من: ب.
(27)
سورة الضحى 1.
(28)
سقط من: الأصل، أ.
(29)
فى ب زيادة: "ذلك".
(30)
سورة هود 114.
(31)
أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 5/ 177.
فصل: ويُكْرَهُ الإِفراطُ فى الحَلِفِ باللَّه تعالَى، لقولِ اللَّه تعالى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (32). وهذا ذَمٌّ له يَقْتَضِى كَراهَةَ فِعْلِه. فإنْ لم يخرجْ إلى حَدِّ الإِفْراطِ، فليس بمَكْرُوهٍ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ به ما يُوجِبُ كراهَتَه. ومن الناس مَنْ قال (33): الأيْمانُ كُلُّها مَكْروهَةٌ؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (34). ولَنا، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان يحْلِفُ كثيرًا، وقد كان يَحْلِفُ فى الحديثِ الواحِدِ أيمانًا كثيرةً، ورُبَّما كرَّرَ اليمينَ الواحِدةَ ثلاثًا، فإنَّه قال فى خُطْبةِ الكُسوفِ:"وَاللَّهِ يا أُمَّةَ محمَّدٍ، مَا مِنْ (35) أحَدٍ أغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ، أو تَزْنِىَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ محمّدٍ، واللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُم قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثيرًا"(36). ولَقِيَتْه امرأةٌ من الأنْصارِ، معها أولادُها، فقال:" وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنَّكُم لأحَبُّ النَّاسِ إلَىَّ". ثَلاثَ مَرَّاتٍ (37). وقال: "وَاللَّهِ لأَغزُوَنَّ قُرَيْشًا، واللَّه لأَغْزُوَنّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لأَغزُوَنَّ قُرْيَشًا"(38). ولو كان هذا مكروهًا، لَكانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أبعدَ الناسِ منه. ولأنَّ الحَلِفَ باللَّهِ تعظيمٌ له، وربَّما ضَمَّ إلى يَمِينه وَصْفَ اللَّه تعالَى بتَعْظيمِه وتوْحِيدِه، فيكونُ مُثابًا على ذلك. وقد رُوِىَ أَنَّ رجُلًا حَلَفَ على شىءٍ، قال: واللَّهِ الذى لا إلهَ إلَّا هو، ما فَعَلْتُ كذا. فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"أما إنَّه قَدْ كَذَبَ، ولكِنْ (39) غُفِرَ لَهُ بتَوْحِيدِه"(40). وأَمَّا الإِفْراطُ فى الحَلِفِ، فإنَّما كُرِهَ؛ لأنَّه لا يكادُ يخلُو من الكَذِبِ. واللَّهُ أعلم. فأمَّا قولُه: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً
(32) سورة القلم 10.
(33)
فى الأصل: "يقول".
(34)
سورة البقرة 224.
(35)
سقط من: م.
(36)
تقدم تخريجه، فى: 3/ 328.
(37)
أخرجه البخارى، فى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار: "أنتم أحب الناس إلىّ"، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخارى 5/ 40. ومسلم، فى: باب فضائل الأنصار رضى اللَّه تعالى عنهم، من كتاب فضائل الصحابة. صحيح مسلم 4/ 1949، 1948.
(38)
أخرجه أبو داود، فى: باب الاستثناء فى اليمين بعد السكوت، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 207.
(39)
فى م زيادة: "قد".
(40)
أخرجه بنحوه الإمام أحمد، فى: المسند 2/ 68، 4/ 3.
لِأَيْمَانِكُمْ}. فمَعْناه لا تجْعَلُوا أيْمانَكم باللَّهِ مانِعَةً لكم من البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلاحِ بينَ الناس، وهو أَنْ يَحْلِفَ باللَّهِ أَنْ لا يفْعَلَ بِرًّا ولا تَقْوَى ولا يُصْلِحَ بيْنَ الناسِ، ثم يمتَنِعَ من فعْلِه، لِيَبَرَّ فى يَمِينِه، ولا يَحْنَثَ فيها، فنُهُوا عن المُضِىِّ فيها. قال أحمدُ، وذكرَ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ بإسْنادِه، فى قولِه تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} : الرجلُ يحْلِفُ أَنْ لا يَصِلَ قرابَتَه، وقد جعلَ اللَّه له مَخْرَجًا فى التَّكْفِيرِ، فأمَرَه أَنْ لا يعْتَلَّ باللَّهِ، وَليُكَفِّرْ (41)، ولْيَبَرَّ (42). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"لأَنْ يَسْتَلِجَّ (43) أحَدُكُمْ فِى يَمِينِه، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّه مِنْ أَنْ يُؤدِّىَ الْكَفَّارَةَ الَّتى فرَضَ اللَّه عَلَيْهِ". مُتّفَقٌ عليه (44). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ". وقال: "إنِّى وَاللَّهِ لَا أَحْلِف عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وتَحَلّلْتُهَا". مُتَّفَقٌ عليهما (45). وإِنْ كان النَّهْىُ عادَ إلى اليَمِينِ، فالمَنْهِىُّ عنه الحَلِفُ على تَرْكِ البِرِّ والتَّقْوَى والإِصْلاحِ بينَ الناس، لا على كُلِّ يَمِينٍ، فلا حُجَّةَ فيها لهم إذًا.
فصل: والأَيْمانُ تنْقَسِمُ خمسةَ أَقْسامٍ؛ أحدُها، واجِبٌ، وهى التى يُنْجى بها إنسانًا مَعْصُومًا من هَلَكَةٍ، كما رُوِىَ عن سُوَيد بنِ حَنْظَلَةَ، قال: خَرَجْنا نُرِيدُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، ومَعَنا وائلُ بنُ حُجْرٍ، فأخَذَه عَدُوٌّ له، فتحَرَّجَ القومُ أن يحْلِفُوا، وحَلَفْتُ أَنا أنَّه أخِى، فذَكَرْتُ ذلك للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ".
(41) فى م: "فليكفر".
(42)
أخرجه البيهقى، فى: باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها. . .، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 33.
(43)
أى: يستمر فى لجاجه، فلا يعدل إلى ما هو خير من يمينه.
(44)
أخرجه البخارى، فى: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ. . .} الآية، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 8/ 160. ومسلم، فى: باب النهى عن الإصرار على اليمين. . .، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1276.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب النهى أن يستلج الرجل فى يمينه ولا يكفِّر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 683. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 278، 317.
(45)
تقدم التخريج، فى: 11/ 39.
روَاه أبو داودَ، والنَّسائِىُّ (46). فهذا ومثلُه واجِبٌ لأنَّ إنْجاءَ المَعْصُومِ واجبٌ، وقد تَعَيَّن فى اليَمِينِ، فيجبُ، وكذلك إنْجاءُ نفْسِه، مثل أَنْ تَتَوجَّهَ عليه أيْمانُ القَسامَةِ فى دَعْوَى القتلِ عليه، وهو بَرِىءٌ. الثانى، مَنْدُوبٌ، وهو الحَلِفُ الذى تَتَعَلَّقُ به مصلحَةٌ؛ من إصْلاحٍ بينَ مُتَخاصِمَيْن، أو إزالَةِ حِقْدٍ من قلبِ مسلمٍ عن الحالِفِ أو غيرِه، أو دَفْعِ شَرٍّ، فهذا مندوبٌ؛ لأنَّ فِعْلَ هذه الأمورِ مَنْدوبٌ إليه، واليَمِينَ مُفْضِيَةٌ إليه. وإِنْ حَلَفَ على فِعْلِ طاعَةٍ، أو تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، أنَّه مندوب إليه. وهو قولُ بعضِ أصحابِنا، وأصحابِ الشافِعِىِّ؛ لأَنَّ ذلك يدْعوه إلى فِعْلِ الطاعاتِ، وتَرْكِ الْمَعاصِى. والثانِى، ليس بمندوبٍ إليه؛ لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لم يكونُوا يَفْعَلُون ذلك فى الأكثرِ الأَغْلَبِ، ولا حَثَّ (47) النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أحدًا عليه، ولا نَدَبَه إليه، ولو كان ذلك طاعَةً لم يُخِلُّوا به، ولأَنَّ ذلك يَجْرِى مَجْرَى النَّذْرِ، وقد نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن النَّذْرِ، وقال:"إِنَّه لَا يَأْتِى بِخَيْرٍ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". مُتَّفَقٌ عليه (48). الثالثُ، المباحُ، مثل الحَلِفِ على فعل مباحٍ أو تركِه، والحَلِفِ على الخَبَرِ بشىءٍ وهو صادِقٌ فيه، أو يظنُّ أنَّه فيه صادِقٌ، فإنَّ اللَّه تعالى قال:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ} (49). ومن صُورِ
(46) أخرجه أبو داود، فى: باب المعاريض فى الأيمان، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 200.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب من ورَّى فى يمينه، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 685. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 79.
وليس فى المجتبى، فلعله فى السنن الكبير.
(47)
فى م: "حنث". تحريف.
(48)
أخرجه البخارى، فى: باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، من كتاب القدر، وفى: باب الوفاء بالنذر، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخارى 8/ 155، 176. ومسلم، فى: باب النهى عن النذر وأنه لا يرد شيئا، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1261.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب كراهية النذر، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 207. والترمذى، فى: باب فى كراهية النذر، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى 7/ 21، 22 والنسائى، فى: باب النهى عن النذر، وباب النذر لا يقدم شيئا. . .، وباب النذر يستخرج به من البخيل، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 15، 16. وابن ماجه، فى: باب النهى عن النذر، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 686. والدارمى، فى: باب النهى عن النذر، من كتاب النذور. سنن الدارمى 2/ 185. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 61، 235، 242، 301، 314، 412، 463.
(49)
سورة البقرة 225.
اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ على شىءٍ يظنُّه كما حَلَفَ عليه (50)، ويَبِينُ بخِلافِه. فأمَّا الحَلِفُ على الحُقوقِ عندَ الحاكِمِ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، أَنَّ تَرْكَه أوْلَى من فِعْلِه، فيكونُ مكروهًا. ذكرَ ذلك أصحابُنا، وأصْحابُ الشافِعِىِّ؛ لما رُوِىَ أَنَّ عثمانَ والمِقْدادَ تَحاكَما إلى عمرَ، فى مالٍ اسْتَقْرَضَه المقدادُ، فجعلَ عمرُ اليَمِينَ على المِقْدادِ، فرَدَّها على عثمانَ، فقال عمرُ: لقد أنْصَفَكَ. فأخذَ عثمانُ ما أعْطاهُ المِقْدادُ، ولم يحلِفْ، فقال: خِفْتُ أَنْ يُوافِقَ قَدَرٌ بَلَاءً، فيُقالَ: بيَمِينِ عثمانَ (51). والثانى، أنَّه مُباحٌ، فِعْلُه كَتَرْكِه؛ لأنَّ اللَّه تعالَى أمرَ نَبِيَّهُ بالحَلِفِ على الحقِّ فى ثلاثَةِ مَواضِعَ. وروَى محمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرَظِىُّ، أَنَّ عمرَ قال على المِنْبَرِ، وفى يَدِه عَصًا: يا أيّها الناسُ، لا تمْنَعَنَّكمُ (52) اليمينُ من حُقُوقِكُم، فوَالذِى نَفْسِى بِيَدِه، إنَّ فى يدى لَعَصًا. ورَوَى عمرُ بنُ شَبَّةَ، فى كتابِ "قُضاةِ البَصْرَةِ"، بإسنادِه عن الشَّعْبِىِّ، أَنَّ عمرَ وأُبَيًّا احْتكَما (53) إلى زيدٍ فى نَخْلٍ ادَّعاهُ أُبَىٌّ، فتَوَجَّهَت اليَمينُ على عمرَ، فقال زيدٌ: أعْفِ أميرَ المُؤْمِنين. فقال عمرُ: ولِمَ يُعْفِى أميرَ المؤمنين؟ إنْ عَرَفْتُ شيئًا اسْتَحْقَقْتُه (54) بيمِينى، وإلَّا تَرَكْتُه، واللَّه الذى لَا إلهَ إِلَّا هو، إنَّ النَّخْلَ لنَخْلِى، وما لأُبَىٍّ فيه حَقٌّ. فلمَّا خَرَجَا وهبَ النَّخْلَ لأبَىٍّ، فقيل له: يا أميرَ المؤمنين: هَلَّا كان هذا قبلٍ اليَمينِ؟ فقال: خِفْتُ أَنْ لا أحْلِفَ، فلا يَحْلِفُ الناسُ على حُقوقِهم بَعْدِى، فيكونَ سُنَّةً (55). ولأنَّه حَلِفُ صِدْقٍ على حَقٍّ، فأشْبَهَ الحَلِفَ عندَ غيرِ الحاكِم. الرابعُ، المَكْرُوهُ، وهو الحَلِفُ على فعلِ مَكْرُوهٍ، أو تَرْكِ مَنْدُوب. قال اللَّه تعالَى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} . ورُوِىَ أَنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، حَلَفَ لا يُنْفِقُ على مِسْطَحٍ بعدَ الذى قال لعائِشَةَ ما قال، وكان من جُمْلَةِ أهلِ الإِفْكِ الذين تَكَلَّمُوا فى عائِشَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، فأَنْزَلَ اللَّه تعالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ
(50) لم يرد فى: الأصل، أ، ب.
(51)
أخرجه البيهقى، فى: باب تأكيد اليمين بالمكان. وباب: النكول ورد اليمين، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 177، 184.
(52)
فى م: "تمنعكم".
(53)
فى م: "تحاكما".
(54)
فى م: "استحقه".
(55)
وأخرجه البيهقى، فى: باب القاضى لا يحكم لنفسه، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 144.
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} (56) وقيل: المرادُ بِقَوْلِه: {وَلَا يَأْتَلِ} أى لا يَمْتَنِعْ. ولأنَّ اليمينَ على ذلك مانِعَةٌ من فِعْلِ الطَّاعَةِ، أو حامِلَةٌ على فِعْلِ المَكْروهِ، فتكونُ مكروهَةً. فإن قيل: لو كانت مكروهَةً لأنْكَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على الأعْرابِىِّ الذى سَأَلَه عن الصلواتِ، فقال: هل علىَّ غيرُها؟ فقال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". فقال: والذى بَعَثَكَ بالحَقِّ، لا أزيدُ عليها ولا أنْقُصُ منها. ولم يُنْكِرْ عليه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، بل قال:"أَفْلَحَ الرجلُ إنْ صدَقَ"(57). قُلْنا: لا يلزَمُ هذا، فإنَّ اليمينَ على تَرْكِها، لا تَزِيدُ على تَرْكِها، ولو تَرَكَها لم يُنْكِرْه عليه، ويَكْفِى فى ذلك بَيانُ أَنَّ ما تَرَكَه تَطَوُّعٌ، وقد بَيَّنَه له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه:"إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". ولأَنَّ هذه اليَمِينَ إنْ تَضَمَّنَت تركَ المَنْدوبِ، فقد تَناوَلَت فِعْلَ الواجِبِ، والمُحافظَةَ عليه كلِّه، بحيث لا يَنْقُصُ منه شيئًا، وهذا فى الفَضْلِ يزيدُ على ما قابَلَه من تَرْكِ التَّطَوُّعِ، فيتَرَجَّحُ جانِبُ الإِثْباتِ بها على تَرْكِها، فيكونُ من قَبِيلِ المَنْدوبِ، فكيفَ يُنْكَرُ! ولأَنَّ فى الإِقرارِ على هذه اليَمِينِ بَيانَ حُكْمٍ مُحتْاجٍ إليه، وهو بيَانُ أَنَّ تَرْكَ التَّطَوُّعِ غيرُ مُؤاخَذٍ به، ولو أنكَرَ على الحالِفِ [على ذلك](58)، لَحَصلَ ضِدُّ هذا، وتَوَهَّمَ كثيرٌ من الناسِ لُحوقَ الإِثْمِ بِتَرْكِه (59)، فيَفُوتُ الغَرَضُ. ومن قِسْمِ المكْرُوهِ الحَلِفُ فى البَيْعِ والشِّراءِ، فإنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"الحَلِفُ مُنْفِقٌ للسِّلْعَةِ، مُمْحِقٌ للبَرَكَةِ". روَاه ابنُ ماجَه (60). القسمُ الخامِسُ، المُحَرَّمُ، وهو الحَلِفُ الكاذِبُ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالَى ذَمَّهُ بقَوْلِه
(56) سورة النور 22. وحديث الإفك. أخرجه البخارى، فى: باب حديث الإفك، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 153. وانظر: الدر المنثور 5/ 34.
(57)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 7.
(58)
سقط من: م.
(59)
فى ب زيادة: "به".
(60)
فى: باب ما جاء فى كراهية الأيمان فى البيع والشراء، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 745.
كما أخرجه البخارى، فى: باب يمحق اللَّه الربا. . .، من كتاب البيوع. صحيح البخارى 3/ 78. ومسلم، فى: باب النهى عن الحلف فى البيع، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1228. وأبو داود، فى: باب فى كراهية اليمين فى البيع، من كتاب البيوع. سنن أبى داود / 219، 220. والنسائى، فى: باب المنفق سلعته بالحلف الكاذب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 216.
تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (61). ولأَنَّ الكَذِبَ حَرامٌ، فإذا كان مَحْلوفًا عليه، كان أشَدَّ فى التَّحْريمِ. وإِنْ أبْطَلَ به حَقًّا، أو اقْتَطَعَ به مالَ مَعْصُومٍ، كان أشَدَّ؛ فإنَّه رُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فاجِرَةً، يقتَطِعُ بها مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِىَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ". [مُتَّفَقٌ عليه](62). وأَنْزَلَ اللَّه عز وجل فى ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِى الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63). ومن هذا القِسْم الحَلِفُ على فعلِ مَعْصِيَةٍ، أو تَرْكِ وَاجِبٍ؛ فإنَّ المحلوفَ عليه حَرامٌ، فكانَ الحَلِفُ حَرامًا؛ لأنَّه وسيلَةٌ إليه، والوَسِيلَةُ تأخذُ حُكْمَ المُتوَسَّلِ إليه.
فصل: ومتى كانت اليَمِينُ على فِعْلِ واجِبٍ، أو تَرْكِ مُحَرَّمٍ، كان حَلُّها مُحرَّمًا؛ لأنَّ حَلَّها بفعلِ المُحَرّمِ، وهو مُحَرَّمٌ. وإِنْ كانت على فِعْلِ مندوبٍ، أو تَرْكِ مَكْروهٍ، فحَلُّها مكروهٌ. وإِنْ كانت على فعلِ (64) مُباحٍ، فحَلُّها مُباحٌ. فإنْ قيلَ: فكيفَ يكونُ حَلُّها مُباحًا، وقد قال اللَّهُ تعالى:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (65)؟ قُلْنا: هذا فى الأَيْمانِ فى العُهودِ والْمَواثيقِ، بدليلِ قولِه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا
(61) سورة المجادلة 14.
(62)
سقط من: أ، ب، م.
وأخرجه البخارى، فى: باب كلام الخصوم بعضهم فى بعض، من كتاب الخصومات، وفى: باب سؤال الحاكم المدعى هل. . .؟ ، وباب حدثنا عثمان بن أبى شيبة، من كتاب الشهادات، وفى: باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، من كتاب التفسير، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، من كتاب الأيمان، وفى: باب الحكم فى البئر ونحوها، من كتاب الأحكام. صحيح البخارى 3/ 159، 160، 232، 233، 6/ 42، 8/ 171، 9/ 90. ومسلم، فى: باب وعيد من اقتطع حق مسلم فاجرة بالنار، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 1/ 122، 123.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى من حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد، من كتاب الأيمان. سنن أبى داود 2/ 197. والترمذى، فى: باب ما جاء فى اليمين الفاجرة. . .، من أبواب البيوع، وفى: باب سورة آل عمران، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 5/ 271، 11/ 122. وابن ماجه، فى: باب من حلف على يمين فاجرة. . .، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 778. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 377، 379، 426، 442، 460، 5/ 25، 211، 212.
(63)
سورة آل عمران 77.
(64)
لم ترد فى: الأصل، أ، ب.
(65)
سورة النحل 91.