الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا أرَى بَأْسًا، وإنْ كان مَعَهم ذُرِّيَّةٌ، قد كان المسلمون يُقاتِلُون بها. ونحوَ ذلك قال سفيانُ، وهشامٌ. ويُدَخَّنُ عليهم. وقال أحمد: أَهلُ الشامِ أعْلَمُ بهذا.
فصل:
وإنْ تَتَرَّسُوا فى الحربِ بنسائِهِم وصِبْيانِهِم، جازَ رَمْيُهم، ويقْصدُ المُقاتِلَةَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رَماهُم بالْمَنْجَنِيقِ ومعهم النِّساءُ والصِّبيانُ، ولأنَّ كَفَّ المسلمين عنهم يُفْضِى إلى تَعْطيلِ الجِهاد، لأنَّهم مَتَى علِمُوا ذلك تَتَرَّسُوا بهم عندَ خَوْفِهم (20) فيَنْقَطِعُ الجِهادُ. وسواءٌ كانت الحربُ مُلْتَحِمَةً أو غيرَ مُلْتحِمَةٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ يتحَيَّنُ بالرَّمْىِ حالَ الْتحامَ الحَرْبِ.
فصل: ولو وَقَفَت امرأةٌ فى صَفِّ الكُفَّارِ، أو على حِصْنِهم، فشَتَمَتِ المسلِمينَ، أو تَكَشَّفَتْ لهم، جازَ رَمْيُها قَصْدًا؛ لما رَوَى سعيدٌ (21): حَدَّثنا حَمَّادُ بنُ زيدٍ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرِمَةَ، قال: لمَّا حاصَرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أهلَ الطَّائِفِ أَشْرَفَت امرأَةٌ، فكشَفَتْ عن قُبُلِها، فقالتْ: هَادُونَكُمْ، فَارْمُوا (22). فَرَماها رجلٌ من المسلمين، فما أَخْطَأَ ذلك منها. ويجوزُ النَّظَرُ إلى فَرْجِها للحاجَةِ إلى رَمْيِها؛ لأنَّ ذلك من ضَرُورَةِ رَمْيِها. وكذلك يجوزُ رَمْيُها إذا كانت تَلْتَقِطُ لهم السِّهامَ، أو تَسْقِيهم الماءَ، أو تُحَرِّضُهم على القِتالِ؛ لأنَّها فى حُكْمِ المُقاتِلِ. وهكذا الحُكْمُ فى الصَّبِىِّ والشَّيْخِ وسائِرِ مَنْ مُنِعَ مِن قَتْلِه منهم.
فصل: وإنْ تَتَرَّسُوا بمُسْلِمٍ، ولم تَدْعُ حاجَةٌ إلى رَمْيِهم، لكَوْنِ الحَرْبِ غيرَ قائِمَةٍ، أو لإمْكانِ القُدْرَةِ عليهم بدُونِه، أو للأَمْنِ (23) من شَرِّهِم (24)، لم يَجُزْ رَمْيُهم. فإنْ رَماهُم فأصابَ مسلمًا، فعَلَيْه ضَمانُه. وإنْ دَعَت الحاجَةُ إلى رَمْيِهِم للخَوْفِ على المسلمين، جازَ رَمْيُهم؛ لأنَّها حالُ ضَرُورةٍ، ويقْصِدُ الكُفَّارَ. وإنْ لم يُخَفْ على
(20) فى م: "حقوقهم". تحريف.
(21)
فى: باب جامع الشهادة، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 311.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب المرأة تقاتل فتقتل، من كتاب السِّيَر. السنن الكبرى 9/ 82.
(22)
فى م: "فارموها".
(23)
فى أ: "والأمن".
(24)
فى الأصل: "أسرهم".
المسلمين، لكن لم يُقْدَرْ عليهم إلَّا بالرَّمْىِ، فقال الأَوزَاعِىُّ، واللَّيْثُ: لا يجوزُ رَمْيُهم، لقولِ اللَّه تعالى:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} (25) الآية. قال اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْنٍ يُقْدَرُ على فَتْحِه، أفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغيرِ حَقٍّ. وقال الأوزاعِىُّ: كيفَ يَرْمُون مَنْ لا يَرَوْنَه (26)! إنَّما يَرْمُون أطفالَ المسلمين. وقال القاضى، والشافِعِىُّ: يجوزُ رَمْيُهم إذا كانَت الحربُ قائِمَةً؛ لأنَّ تَرْكَه يُفْضِى إلى تَعْطِيلِ الجِهادِ. فعلى هذا، إنْ قَتَلَ مسلمًا، فعليه الكَفَّارَةُ، وفى الدِّيَةِ على عاقِلَتِه روايتان؛ إحداهُما، يَجِبُ؛ لأنَّه قَتَلَ مؤمنًا خطأً، فيدْخُلُ (27) فى عُمومِ قولِه تعالى:[{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (28). والثانيةُ، لا دِيَةَ له؛ لأنَّه قُتِلَ فى دارِ الحَرْبِ برَمْىٍ مُباحٍ، فيدْخُلُ فى عُمومِ قولِه تعالى](29): {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (28). ولم يَذْكُرْ دِيَةً. وقال أبو حنيفةَ: لا دِيَةَ له، ولا كَفَّارَةَ فيه، لأنَّه رَمْىٌ أُبِيحَ مع العلمِ بحقيقَةِ الحالِ، فلم يُوجِبْ شيئًا، كرَمْىِ مَنْ أُبِيحَ دمُه. ولَنا، الآيةُ المذكورَةُ، وأنَّه قَتَلَ مَعْصُومًا بالإِيمانِ، والقاتِلُ من أهلِ الضَّمانِ، فأشْبَهَ ما (30) لو لم (31) يَتَتَرَّسُوا (32) به.
1670 -
مسألة؛ قال: (وَلَمْ (1) يُغرِّقُوا النَّحْلَ)
وجملَتُه أنَّ تَغْريقَ النَّحْلِ وتحرِيقَه لا يجوزُ، فى قولِ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ. وقيل لمالِكٍ: أنُحَرِّقُ بيوتَ نَحْلِهم؟ قال: أَمَّا النَّحْلُ فلا أدْرِى ما هو؟ ومُقْتَضَى مذهبِ أبي حَنِيفة إباحَتُه؛ لأنَّ فيه غَيْظًا لهم (2) وإضْعافًا، فأشْبَهَ قَتْلَ
(25) سورة الفتح 25.
(26)
في الأصل: "يرمونه".
(27)
فى ب: "فدخل".
(28)
سورة النِّساء 92.
(29)
سقط من: ب. نقل نظر.
(30)
سقط من: أ، ب، م.
(31)
سقط من: أ.
(32)
فى الأصل، م:"يتترس".
(1)
في م: "ولا".
(2)
سقط من: ب.
بهائِمِهم حالَ قتالِهم. ولَنا، ما رُوِىَ عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال ليزيدَ ابن أبى سفيان، وهو يُوصِيه، حين بَعَثَه أميرًا على القتال بالشام: ولا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا، ولا تُغَرِّقَنَّهُ. ورُوى عن ابنِ مسعود، أنَّه قَدِمَ عليه ابنُ أخيه من غَزَاةٍ غَزاها، فقال: لَعَلَّك حَرَّقْتَ حَرْثًا؟ قال: نعم. قال: لَعَلَّك غَرَّقْتَ نَحْلًا؟ قال: نعم. قال: لعلَّك قَتَلْتَ صَبِيًّا؟ قال: نعم. قال: لِيَكُنْ غَزْوُك كِفَافًا. أَخْرَجَهُما سعيد (3). ونحوُ ذلِكَ عن ثَوْبان (4). وقدْ ثَبَتَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِ النَّحْلَةِ (5)، ونَهَى أنْ يُقْتَلَ شىءٌ من الدَّوابِّ صَبْرًا (6). ولأنَّه إفسادٌ، فيدْخُلُ فى عُمومِ (7) قوله تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (8). ولأنَّه حيوانٌ ذو رُوحٍ، فلم يجُزْ قتلُه لغَيْظِ المشركين، كنِسَائِهم وصِبْيانِهم. وأمَّا أخذُ العَسَلِ وأَكْلُه فمباحٌ؛ لأنَّه من الطَّعامِ المُباحِ.
1671 -
مسألة؛ قال: (ولَا يَعْقِرُ شَاةً، ولَا دَابَّةً، إلَّا لِأَكْلٍ (1) لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ (2))
أمَّا عَقْرُ دَوابِّهم في غير حالِ الحربِ، لمُغايَظَتِهم، والإِفْسادِ عليهم، فلا يجوزُ، سَواءٌ
(3) تقدَّم تخريج الأوَّل، فى صفحة 18. وأخرج سعيد الثاني، فى: باب ما جاء فى قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 240.
(4)
أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 5/ 276.
(5)
فى ب: "النحل". وأخرجه أبو داود، فى: باب فى قتل الذِّرِّ، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 656. وابن ماجه، فى: باب ما ينهى عن قتله، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1074. والدارمى، فى: باب النهى عن قتل الضفادع والنحلة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 89. والإمام مالك، فى: باب النهى عن قتل النِّساء والولدان فى الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 448. والإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 332، 347.
(6)
أخرجه البخارى، فى: باب ما يكره من المثلة. . .، من كتاب الذبائح. صحيح البخارى 7/ 121، 122. ومسلم، فى: باب النهى عن صبر البهائم، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1549، 1550. وأبو داود، فى: باب فى النهى أن تصبر البهائم، من كتاب الأضاحى. سنن أبي داود 2/ 91. والنسائي، فى: باب النهى عن المجثمة، من كتاب الضحايا. المجتبى 7/ 210. وابن ماجه، فى: باب النهى عن صبر البهائم وعن المثلة، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1063، 1064. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 94، 3/ 318، 321، 322، 329.
(7)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(8)
سورة البقرة 205.
(1)
فى زيادة: "ما".
(2)
فى م: "منهم".