الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحدٍ يطْلُبُ السَّبْقَ لفائِدَتِه فيه بزيادَةِ الجُعْلِ. وإن كانُوا أكْثَرَ من اثْنَيْن، فقال: مَنْ سَبَقَ فله عشرة، ومَن صَلَّى فله كذلك. صَحَّ؛ لأنّ كلَّ واحِدٍ منهم يطْلُبُ أَنْ يكونَ سابقًا أو مُصَلِّيًا، والمُصَلِّى هو الثانِى؛ لأنَّ رأسَه عندَ صَلَى الآخرِ، والصَّلَوان؛ هما العَظْمان النَّاتِئان (14) من جانِبَى الذَّنَب. وفى الأثرِ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: سَبَقَ أبو بكرٍ، وصَلَّى عمرُ، وخَبطنا فِتْنَةٌ (15)، وقال الشاعر (16):
إنْ تُبْتَدَرْ غايَةٌ يومًا لِمَكْرُمَةٍ
…
تَلْقَ السَّوابِقَ مِنَّا والمُصَلِّينَا
فإنْ قال: للمُجَلِّى -وهو الأوَّلُ- مائةٌ، وللمُصَلِّى -وهو الثانِ- تِسْعون، وللتالِى -وهو الثالِث- ثمانون، وللنَّازِعِ -وهو الرابعُ- سَبْعون، وللمُرْتاحِ -وهو الخامِسُ- سِتُّون، وللْحَظِىِّ -وهو السادِسُ- خَمْسون، وللعاطِفِ -وهو السابعُ- أرْبَعُون، وللمُؤَمِّلِ -وهو الثامِنُ- ثلاثون، وللَّطِيمِ -وهو التاسِعُ- عِشْرون، وللسِّكِّيتِ -وهو العاشِرُ- عشرةٌ، وللفُسْكُلِ -وهو الآخِرُ- خمسةٌ. صَحَّ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ يطْلُب السبقَ، فإذا فاتَه طلَبَ ما يلى السَّابقَ، والفُسْكُلُ اسمٌ للآخِرِ، ثم يُسْتَعْمَلُ هذا فى غيرِ المُسابَقَةِ بالخَيْلِ تَجَوُّزًا، كما رُوِىَ أَنَّ أسماءَ ابنةَ عُمَيْسٍ، كانت تَزَوَّجَتْ جعفرَ بنَ أبى طالبٍ، ووَلَدت له عبدَ اللَّه ومحمدًا وعَوْنًا، ثم تَزَوَّجَها أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، فولَدَت له محمدَ بنَ أبى بكرٍ، ثم تَزَوَّجَها علىُّ بنُ أبى طالب، فقالت له: إنَّ ثلاثة أنتَ آخِرُهم لأخْيارٌ. فقال لوَلدِها: فَسْكَلَتْنِى أُمُّكُم. وإِنْ جعلَ للمُصَلِّى أكثرَ من السابِقِ، أو مثلَه، أو جعلَ للتَّالِى أكثرَ من المُصَلِّى أو مثلَه، أو لم يجْعَلْ للمُصَلِّى شيئًا. لم يَجُزْ؛ لأنَّ ذلك يُفْضِى إلى أَنْ لا يقْصِدَ السَّبْقَ، بل يقْصِدُ التَّأَخُّرَ، فيفوتُ المقصودُ.
فصل:
إذا قال لعشرةٍ: مَنْ سَبَقَ منكم فلَه عشرةٌ. صَحَّ. فإنْ جاءُوا معًا، فلا شىءَ لهم؛ لأنَّه لم يُوجَدِ الشَّرْطُ الذى يُسْتَحَقُّ به الجُعْلُ فى واحدٍ منهم. وإِنْ سَبَقَهم واحدٌ، فله
(14) سقط من: ب.
(15)
فى م: "عشواء".
وعزاه صاحب الكنز إلى الإمام أحمد، والحاكم، والطبرانى فى الأوسط، والخطيب البغدادى فى التاريخ. كنز العمال 11/ 271، 13/ 9.
(16)
البيت لبشامة بن الغدير. الحماسة 1/ 78.
العشرةُ؛ لوُجودِ الشَّرْطِ فيه. وإِنْ سبقَ اثنان، فلهما العشرةُ. وإِنْ سبقَ تسعةٌ، وتأَخَّرَ واحِدٌ، فالعشرةُ للتِّسْعَةِ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فيهم، فكان الجُعْلُ بينهم، كما لو قال: مَن ردَّ عبدِى الآبِقَ فله عشرةٌ. فردَّه تسْعَةٌ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لكلِّ واحِدٍ من السَّابِقين عشرةٌ؛ لأنَّ كُل واحِدٍ منهم سابِقٌ، فيَسْتَحِقُّ الجُعْلَ بكَمالِه، كما لو قال: مَن رَدَّ عبدًا لى فله عشرةٌ. فردَّ كلُّ واحدٍ عبدًا. وفارقَ ما لو قال: مَنْ رَدَّ عبدِى. فردَّه تسعَةٌ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهم لم يَرُدَّه، إنما رَدُّه حصلَ من الكُلِّ. ويصيرُ هذا كما لو قال: مَنْ قتَلَ قتيلًا فله سَلَبُه. فإنْ قتلَ كلُّ واحدٍ واحدًا، فلكُلِّ واحدٍ سَلَبُ قَتِيله كامِلًا، وإِنْ قتلَ الجماعَةُ واحِدًا، فلجميعِهم سَلَبُ واحدٍ. وههُنا كلُّ واحِدٍ له سَبْقٌ مُفْرَدٌ، فكان له الجُعْلُ كامِلًا. فعلى هذا، لو قال: مَنْ سَبَقَ فله عشرةٌ، ومن صلَّى فله خمسةٌ، فسبقَ خمسةٌ، وصلَّى خمسَةٌ، فعلى الأَوَّلِ من الوَجْهَيْن، للسابِقين عشرةٌ، لكُلِّ واحدٍ منهم دِرْهمان، وللمُصَلِّين خمسةٌ، لكُلِّ واحدٍ منهم دِرْهَمٌ. وعلى الوَجْه الثانِى، لكُلِّ واحِدٍ من السابقين عشرةٌ، فيكون لهم خمسُون، ولكُلِّ واحِدٍ من المُصَلِّين خمسةٌ، فيكون لهم خمسة وعِشْرُونَ. ومَنْ قال بالوَجْهِ الأَوَّلِ، احْتَمَلَ على قولِه أَنْ لا يَصِحَّ العَقْدُ على هذا الوَجْهِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أَنْ يسْبِقَ تسعة، فيكونَ لهم عشرةٌ، لكُلِّ واحِدٍ دِرْهَمٌ وتُسْعٌ، ويُصَلِّىَ واحِدٌ، فيكونَ له خمسةٌ، فيصيرَ للمصلِّى من الجُعْلِ فوقَ ما للسابِقِ، فيفوتَ المقصودُ.
1776 -
مسألة؛ قال: (وإِنْ أَخْرَجَا (1) جَمِيعًا، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُدخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا يُكَافِئُ فرَسُهُ (2) فَرَسَيْهِمَا، أو بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أو رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا، فَإِنْ سبَقَهُمَا أحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ السَّابِقُ أحَدهُمَا، أحْرَز سبَقَهُ، وأخَذَ سبَقَ صَاحِبِهِ، فَكَانَ كَسائِرِ مَالِهِ، ولَمْ يَأخذْ مِنَ المُحلِّل شَيْئًا)
السَّبَقُ؛ بالفتحِ: الجُعْلُ الذى يُسابَقُ عليه، ويُسَمَّى الخَطَرَ والنَّدَبَ والقَرَعَ والرَّهْنَ. ويقال: سَبَقَ. إذا أخَذَ وإذا أعْطى. ومن الأضدادِ. ومَتَى اسْتَبَقَ الاثْنان
(1) فى م: "أخرها". تحريف.
(2)
سقط من: ب.
والجُعْلُ منهما (3)، فأخرَجَ كلُّ واحِدٍ منهما، لم يَجُزْ، وكان قِمارًا؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لا يَخْلُو من أَنْ يغْنَمَ أو يغْرَمَ، وسواءٌ كان ما أَخْرَجاه مُتَساوِيًا، مثل أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ واحدٍ منهما عشرةً، أو مُتفاوِتًا مثل إنْ أخْرَجَ أحدُهما عشرةً والآخرُ خمسةً. ولو قال: إنْ سَبَقتَنِى فلَكَ علىَّ (4) عشرةٌ، وإِنْ سَبَقْتُكَ فلى عليك قَفِيزٌ حِنْطَةً. [أو قال: إنْ سَبَقْتَنِى فلكَ علَىَّ عشرةٌ ولى عليكَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ (5). لم يجزْ] (6)؛ لما ذَكَرْناه. فإنْ أدْخَلَا بينهما مُحَلِّلًا، وهو ثالثٌ لم يُخْرِجْ شيئًا، جازَ. وبهذا قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والزُّهْرِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرّأْىِ. وحَكَى أشهبُ، عن مالِكٍ، أنَّه قال فى المُحَلِّلِ: لا أُحِبُّه. وعن جابِرِ بنِ زَيْدٍ، أنَّه قيلَ له: إن أصحابَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانُوا لا يَرَوْنَ بالدَّخِيلِ بأْسًا. قال: هُمْ أَعَفُّ من ذلك. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْن، وهُوَ لا يُؤْمَنُ (7) أَنْ يَسْبِقَ، [فلَيْسَ بِقِمارٍ (8)، ومن أدخَلَ فرَسًا بَيْنَ فرَسَيْنِ، وقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ] (9) فهُوَ قَمارٌ". روَاه أبو داوُدَ (10). فجَعَلَه قِمارًا إذا أمِنَ أَنْ يَسْبِقَ؛ لأنَّه لا يخْلُو كُلُّ واحدٍ منهما من أَنْ يغْنَمَ أو يغْرَمَ، وإذا لم يُؤمَنْ (11) أَنْ يسْبِقَ، لم يكُنْ قِمارًا؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يجوزُ أَنْ يخْلُوَ عن
(3) فى ب، م:"بينهما".
(4)
سقط من: أ.
(5)
سقط من: م.
(6)
سقط من: ب.
(7)
فى الأصل، أ:"يأمن". وهو موافق لما فى سنن ابن ماجه.
(8)
فى الأصل، أ:"قمارا".
(9)
سقط من: ب. نقل نظر.
(10)
فى: باب فى المحلل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 28، 29.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب السبق والرهان، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 960. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 505.
وفى حاشية ب: أن شيخ الإسلام أبا العباس ابن تيمية قال: هذا الحديث مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه ليس من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب نفسه. . . فى كلام طويل أشار فيه إلى أن الإمام مالك ذكره فى الموطأ عن سعيد بن المسيب نفسه.
وانظر: باب ما جاء فى الخيل والمسابقة بينها. . .، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 468.
(11)
فى م: "يأمن".