الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصُّوفِ، والشَّعَرِ، والوَبَرِ، والْخَزِّ، والحريرِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمَرَ بكِسْوَتِهم ولم يَعْتَبِرْ (10) جِنْسَها (11)، فأىُّ جِنْسٍ كَساهُم منه، خرَجَ به عن العُهْدَةِ؛ لوُجودِ الكِسْوَةِ المأْمُورِ بها. ويجوزُ أَنْ يكسُوَهُم لبيِسًا أو جَدِيدًا، إِلَّا أن يكونَ ممَّا قد بَلِىَ وذَهَبَتْ مَنْفَعَتُه، فلا يُجْزِئُ؛ لأنَّه مَعِيبٌ، كالحَبِّ المَعِيبِ، والرَّقَبَةِ إذا بطَلَتْ مَنْفَعَتُها. وسواءٌ كان ما أَعْطَاهُم مَصْبُوغًا أو غيرَ مَصْبُوغٍ، أو خَامًا أو مَقْصُورًا (12)؛ لأنَّه تحْصُلُ به (13) الكِسْوَةُ المأْمورُ بِها، والحِكْمَةُ المَقْصُودَةُ منها.
فصل:
والذين تُجْزِئُ كسْوَتُهم، هم المساكينُ الذين يُجْزِئُ إطْعامُهم؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} . فينْصَرِفُ الضَّمِيرُ إليهم. وقد تَقَدَّمَ الكلامُ فى المساكِينِ وأوْصَافِهم (14).
1810 - مسألة؛ قال: (وإِنْ شاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، قَدْ صَلَّتْ وصَامَتْ؛ لأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وعَمَلٌ، وتَكُونُ سَلِيمَةً، لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ يَضُرُّ بالْعَمَلِ)
وجُمْلَتُه أَنَّ إعْتاقَ الرَّقَبَةِ أحَدُ خِصالِ الكفَّارَةِ، بغيرِ خِلافٍ؛ لنَصِّ اللَّه تعالى عليه، بقولهِ:{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (1). ويُعْتَبَرُ فى الرَّقَبَةِ ثلاثةُ أوْصافٍ؛ أحدُها، أَنْ تكونَ مُؤْمِنَةً. فى ظاهِرِ المَذْهَبِ. وهو قولُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ. وعن أحمدَ، رِوايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُجْزِئُ. وهو قولُ عَطاءٍ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لقولِ اللَّه تعالى:{تَحْرِيرُ (2) رَقَبَةٍ} . وهذا مُطْلَقٌ، فتَدْخُلُ فيه الكافِرَةُ: ولَنا، أنَّه تَحْرِيرٌ فى كَفَّارَةٍ، فلا تُجْزِئُ فيه الكافِرَةُ، ككفَّارَةِ القَتْلِ، والجامِعُ بينهما، أَنَّ الإِعْتاقَ يَتَضَمَّنُ
(10) فى أ، ب، م:"يعين".
(11)
فى م: "جنسا".
(12)
قصر الثوب: دقَّه وبيَّضه.
(13)
سقط من: م.
(14)
فى م: "وأصنافهم". وتقدم هذا فى: 9/ 306 - 312.
(1)
فى م زيادة: "مؤمنة" خطأ. وانظر الآية 89 من سورة المائدة.
(2)
فى النسخ: "فتحرير". وتلك الآية 92، 93 من سورة النساء، فى كفارة القتل، والآية الثالثة من سورة المجادلة، فى كفارة الظهار.
تَفْريغَ العَبْدِ المُسْلِمِ لِعبادَةِ رَبِّه، وتَكْمِيلَ أحْكامِه وعِبادَتِه وجِهادِه، ومعونَةَ المسلمين (3)، فناسَبَ ذلك شَرْعُ إعْتاقِه فى الكفّارَةِ، تَحْصِيلًا لهذه المصالِحِ، والحُكْمُ مَقْرونٌ بها فى كَفَّارَةِ القَتْلِ المنْصوصِ على الإِيمانِ فيها، فيُعلَّلُ بها، ويَتَعَدَّى ذلك (4) إلى كُلِّ تَحْرِيرٍ فى كَفَّارَةٍ، فيَخْتَصُّ بالمُؤْمِنَةِ، لاخْتِصاصِها بهذه الحِكْمَةِ. وأمَّا المُطْلَقُ الذى احْتَجُّوا بِه، فإنَّه يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ فى كفَّارَةِ القَتْلِ، كما حُمِلَ مُطْلَقُ قولِه تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (5). على المُقَيَّدِ فى قولِه تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (6). وإِنْ لم يُحْمَلْ عليه من جِهَةِ اللُّغَةِ، حُمِلَ عليه من جهَةِ الْقِياسِ. الثانِى، أَنْ تكونَ قَدْ صَلَّتْ وصامَتْ. وهذا قولُ الشعبِىِّ، ومالِكٍ، وإسحاقَ. قال القاضى: لا يُجْزِئُ مَنْ له دونَ السَّبْعِ؛ لأنَّه لا تَصِحُّ منه العباداتُ، فى ظاهِرِ كلامِ أحمدَ. وظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أَنَّ (7) المُعْتبَرَ الفِعْلُ دونَ السِّنِّ، فمَنْ صَلَّىْ وصامَ ممَّنْ له عقلٌ يعْرفُ الصلاةَ والصِّيامَ، ويتَحَقَّقُ منه الإِتْيانُ به بنِيَّتِه وأرْكانِه، فإنَّه يُجْزِئُ فى الكفَّارَةِ [وإِنْ كان صغيرًا، وإن (8) لم يُوجَدَا منه، لم يُجْزِئُ فى الكفَّارَةِ](9) وإِنْ كان كبيرًا. وقال أبو بكر، وغيرُه من أصْحابنا: يجوزُ إعْتاقُ الطِّفلِ فى الكَفَّارَةِ. وهو قولُ الحسنِ، وعَطاءٍ، والزُّهْرِىِّ، والشافعِىِّ، وابنِ المُنْذِر؛ لأنَّ المرادَ بالإِيمانِ ههُنا الإِسْلامُ، بدليلِ إعْتاقِ الفاسِقِ. قال الثَّوْرِىُّ: المسلمون كُلُّهم مؤمنون عندَنا فى الأَحْكامِ، ولا نَدْرِى ما هم عندَ اللَّه. ولهذا تعلَّقَ حكمُ القَتْلِ بكُلِّ مسلِمٍ، بقولِه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} (10). والصَّبىُّ محكومٌ بإسْلامِه، يَرِثُه المسلمون ويَرِثُهم، ويُدْفَنُ فى مَقابِرِ المسلمين، ويُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه، وإِنْ سُبِىَ مُنْفَرِدًا عن أبَوْيِه أَجْزَأَ (11) عِتْقُه؛ لأنَّه
(3) فى م: "المسلم".
(4)
فى م زيادة: "الحكم"
(5)
سورة البقرة 282.
(6)
سورة الطلاق 2.
(7)
سقط من: م.
(8)
سقطت: "إن" من: أ، م.
(9)
سقط من: ب. نقل نظر.
(10)
سورة النساء 92.
(11)
فى أ، م:"أجزأه".