الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ ذلك ليس بأَكْلٍ ولا شُرْبٍ. ويَجِىءُ على قَوْلِ الخِرَقِىَّ، أنَّه يَحْنَثُ؛ لأنَّه قد تَناوَلَه، ووَصَلَ (13) إلى [حَلْقِه وبَطْنِه، فيحْنَثُ](14)، على ما قُلنا (15) فى مَن حَلَفَ لا يأكُلُ شيئًا فشَرِبَه، أو لا يَشْرَبُه فأَكَلَه. وإِنْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ سُكَّرًا، فتَرَكَه فى فِيه حتى ذابَ، وابْتَلَعَه، خُرِّجَ على الرِّوايَتَيْن. وإِنْ حلَفَ لا يَطْعَمُ شيئًا، حَنِثَ بالأَكْلِ والشُّرْبِ والْمَصِّ؛ لأَنَّ ذلك كُلَّه طُعْمٌ، قال اللَّه تعالَى فى النَّهْرِ:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} (16). وإِنْ حَلَفَ لا يَأْكُلُه، أو لا يَشْرَبُه، فذاقَه، لم يَحْنَثْ، فى قولِهم جميعًا؛ لأَنَّه ليس بأكْلٍ ولا شُرْبٍ، ولذلك لم يُفْطِرْ به الصَّائِمُ. وإِنْ حَلَفَ لا يذُوقُه، فأَكَلَه أو شَرِبَه، أو مَصَّهُ، حَنِثَ؛ لأنَّه ذَوْقٌ وزيادَةٌ، وإِنْ مَضَغَه ورَمَى به، حَنِثَ؛ لأنَّه قد ذاقَهُ.
فصل:
وإِنْ حَلَفَ ليَأْكُلَن أَكْلَةً، بالفَتْحِ، لم يَبَرَّ حتى يأْكُلَ ما يَعُدُّه الناسُ أَكْلَةً، وهى الْمَرَّةُ من [الأكْلِ، و](17) الأُكْلَةُ، بالضَّمِّ، اللُّقْمَة، ومنه:"فَلْيُنَاوِلْهُ فِى يَدِهِ أُكْلَةً، أَوْ أُكْلَتَيْنِ"(18).
1849 -
مسألة؛ قال: (وَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ألَّا يَأْكُلَ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِى تَمْرٍ (1)، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدةً، مُنِعَ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِه حَتَّى يَتَحَقَّقَ (2) أنَّها لَيْسَتِ الَّتِى وَقَعَتِ الْيمِينُ عَلَيْهَا، ولَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ حَتَّى يأْكُلَ التَّمْرَ كُلَّهُ)
وجملَتُه أَنَّ حالِفَ هذه اليَمِينِ لا يَخْلُو مِن أَحْوالٍ ثلاثَةٍ (3)؛ أحَدُها، أَنْ يَتَحَقَّقَ أكْلُ
(13) فى ب: "وأوصله".
(14)
فى م: "بطنه وحلقه فإنه يحنث".
(15)
فى أ، ب:"قلناه".
(16)
سورة البقرة 249.
(17)
سقط من: م.
(18)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 436. ويضاف إليه: وأخرجه البخارى أيضًا، فى: باب إذا أتاه خادمه بطعامه، من كتاب العتق. صحيح البخارى 3/ 197.
(1)
فى ب، م:"تمرة".
(2)
فى الأصل، أ، م:"يعلم".
(3)
فى الأصل، أ:"ثلاث".
التَّمْرَةِ المحْلوفِ عليها، [إمَّا بأنْ](4) يَعْرِفَها بعَيْنِها أو بصِفَتِها، أو يأكُلَ التَّمْرَ كُلَّه، أو الجانِبَ الذى وَقَعَتْ فيه كُلَّه، فهذا يَحْنَثُ، بلا خِلافٍ بينَ أهلِ العلْمِ. وبه يقولُ الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأَنَّه أكلَ التَّمْرَةَ المحْلوفَ عليها. الثانِى، أَنْ يَتَحَقَّقَ أنَّه لم يَأْكُلْها؛ إمَّا بأنْ لا يَأْكُلَ من التَّمْرِ شيئًا، أو أكَلَ شيئًا يعْلَمُ أنَّه غيرُها، فلا يَحْنَثُ أيضًا، بلا خِلافٍ، ولا يَلْزَمُه اجْتِنابُ زَوْجَتِه. الثالِثُ، أكلَ من التَّمْرِ شَيْئًا؛ إمَّا واحِدَةً، أو أكثرَ، إلى أَنْ لا يَبْقَى منه إِلَّا واحِدَةٌ، ولم يَدْرِ هل أَكَلَها أو (5) لا؟ فهذه مَسْأَلَةُ الخِرَقِىِّ، ولا يَتَحَقَّقُ حِنْثُه؛ لأنَّ الباقِيَةَ يحْتَمِلُ أنَّها المحْلوفُ عليها، ويَقيِنُ النِّكاحِ ثابِتٌ، فلا يزُولُ بالشَّكِّ. وهذا قولُ الشافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. فعلَى هذا، يكونُ حُكْمُ الزَّوْجِيَّةِ باقيًا، فى لُزومِ نَفَقَتِها وكِسْوَتِها ومَسْكنِها، وسائِرِ أحْكامِها، إِلَّا الوَطْءَ؛ فإنَّ الخِرَقِىَّ قال: يُمْنَعُ وطْأَها؛ لأَنَّه شاكٌّ فى حِلِّها، فحَرُمَتْ عليه، كما لو اشْتَبَهَتِ (6) امْرَأَتُه بأجْنَبيَّةٍ. وذكرَ أبو الخَطَّاب، أنَّها باقِيَةٌ على الحِلِّ. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ الأصْلَ الحِلُّ، فلا يزُولُ بالشَّكِّ، كسائِرِ أحكامِ النِّكاحِ، ولأَنَّ النِّكاحَ باقٍ حُكْمًا، فأثْبَتَ الحِلَّ، كما لو شَكَّ هل طلّقَ أم (5) لا؟ وإن كانت يَمِينُه لَيَأْكُلَنَّ هذه التَّمْرةَ، فلا يتَحَقَّقُ بِرُّه حتى يتحقَّقَ أنَّه أكَلَها.
1850 -
مسألة؛ قال: (وَإِنْ (1) حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَهُ عَشْرَةَ أسْوَاطٍ، فجَمَعَها، فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدةً، لَمْ يَبَرَّ فِى يَمينِهِ)
وبهذا قال [مالِكٌ، و](2) أصحابُ الرَّأْىِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يَبَرُّ [فى يَمِينِه](3)؛ لأنَّ أحمدَ قال، فى المريضِ عليه الحَدُّ: يُضْرَبُ بعِثْكالِ (4) النَّخْلِ، ويَسْقُطُ عنه الحدُّ. وبهذا قال
(4) فى م: "فإما".
(5)
فى م: "أم".
(6)
فى ب، م:"عليه".
(1)
فى أ، ب، م:"ولو".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: أ، ب، م.
(4)
العثكال: العذق أو الشمراخ.
الشافِعِىُّ إذا عَلِم أنَّها مَسَّتْه كُلُّها، وإِنْ علِمَ أنَّها لم تَمَسَّه كُلُّها، لم يَبَرَّ. وإِنْ شَكَّ، لم (5) يَحْنَثْ فى الحُكْمِ؛ لأَنَّ اللَّه تعالى قال:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (6). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فى المريضِ الذى زَنَى: "خُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْراخٍ، فَاضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً"(7). ولأنَّه ضَرَبَه بعشرةِ أسْواطٍ، فبَرَّ فى يَمِينِه، كما لو فَرَّقَ الضَّرْبَ. ولَنا، أَنَّ مَعْنَى يَمِينِه أَنْ يَضْرِبَه عشرَ ضَرَباتٍ، ولم يضْرِبْه إِلَّا ضَرْبَةً واحِدَةً، فلم يَبَرَّ، كما لو حَلَفَ ليَضْرِبَنَّه عشرَ مَرَّاتٍ بسَوْطٍ، والدَّليلُ على هذا أنَّه لو ضَرَبه عشرَ ضَرَباتٍ بسَوْطٍ واحِدٍ، بَرَّ (8)، بغيرِ خلافٍ، ولو عادَ العددُ إلى السَّوْطِ، لم يَبَرَّ بالضَّرْبِ بسَوْطٍ واحِدٍ، كما لو حَلَف لَيَضْرِبَنَّه بعَشَرَةِ أسْواطٍ، ولأنَّ السَّوْطَ ههُنا آلَةٌ أُقيمَتْ مُقامَ المَصْدَرِ، وانْتَصَبَ انْتِصابَه، فمَعْنَى كلامِه، لأَضْرِبَنَّه عشرَ ضَرَباتٍ بسَوْطٍ. وهذا هو المَفْهُومُ من يَمِينِه، والذى يَقْتَضِيهِ لُغَةً، فلا يَبَرَّ بما يُخالِفُ ذلك. وأمَّا أيُّوبُ، عليه السلام، فإِنَّ اللَّه تعالى أرْخَصَ له رِفْقًا بامْرَأَتِه، لِبِرِّها به، وإحْسانِها إليه، ليجْمَعَ له بينَ بِرِّه فى يَمِينِه ورِفْقِه بامْرَأَتِه، ولذلك امْتَنَّ عليه بهذا، وذكرَهُ فى جُمْلةِ ما مَنَّ عليه به، من مُعافاتِه إيَّاه من بلائِه، وإخْراجِ الماءِ له، فيَخْتَصُّ هذا به، كاخْتِصاصِه بما ذكرَ معه، ولو كان هذا الحكمُ عامًّا لكُلِّ أحَدٍ (9) لما خَصَّ (10) أيُّوبَ بالمِنَّةِ عليه به (11). وكذلك المريضُ الذى يُخافُ تَلَفُه، أُرْخِصَ له بذلك فى الحَدِّ دُونَ غيرِه، وإذا لم يَتَعَدَّه هذا الحكمُ فى الحَدِّ الذى ورَدَ النصُّ به فيه، فلئلَّا يتَعَدَّاه إلى اليَمِينِ أوْلَى، ولو خُصَّ بالبِرِّ مَنْ له عُذْرٌ يُبِيحُ العُدولَ فى الحَدِّ إلى الضَّربِ بالعِثْكَالِ، لَكان له وَجْهٌ. وأمَّا تَعْدِيَتُه إلى غيرِه فبَعِيدٌ (12) جِدًّا. ولو حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَه بعَشرَةِ أسْواطٍ، فجمَعَها، فضَرَبَه بها، بَرَّ؛ لأَنّه قد
(5) فى ب، م:"لا".
(6)
سورة ص 44.
(7)
تقدم تخريجه، فى: 12/ 329.
(8)
فى ب، م:"يبر فى يمينه".
(9)
فى م: "واحد".
(10)
فى م: "اختص".
(11)
سقط من: الأصل، م.
(12)
فى م: "فبعيدة".