الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب هل يُحرِّم ما دون خمسِ رضعات
2062 -
حدَّثنا عبدُ الله بن مسلمةَ القعنبيُّ، عن مالك، عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزمٍ، عن عَمرَةَ بنت عبدِ الرحمن
= قلنا: وتخصيص هذا الحكم - وهو أن رضاع الكبير يُحرِّمُ - بسالم مولى أبي حذيفة هو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة، وجمهور التابعين، وجماعة فقهاء الأمصار، فهم الثوري ومالك وأصحابه، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد والطبري.
وحملت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حديث سالم مولى أبي حذيفة على العموم، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وصنعت ذلك بسالم بن عبد الله بن عمر وأمرت أم كلثوم فأرضعته، وذهب إلى قولها عطاء والليث بن سعد لحديثها هذا وفتواها وعملها به، قال أبو بكر بن العربي: ولعمر الله إنه لقوي، ولو كان خاصاً بسالم، لقال لها: ولا يكون لأحد بعدك، كما قال لأبي بردة في الجذعة.
قال صاحب "الزاد" 5/ 593 بتحقيقنا بعد أن أورد حجج من قال بعموم هذا الحديث وخصوصه: حديث سهلة ليس بمنسوخ ولا بمخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشقُّ احتجابُها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال، فتخصص هذه الحال من عمومها وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين وقواعد الشرع تشهد له، والله الموفق، ونقل ابن مفلح في "الفروع" 5/ 570 عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن رضاع الكبير مُحَرِّمٌ لحاجة، وانظر "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 34/ 60.
عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنْزَلَ اللهُ عز وجل مِن القرآن: (عشرُ رَضَعاتٍ يُحرِّمْنَ) ثم نُسخن بـ: (خمسٌ معلوماتٌ يُحرِّمنَ) فتوفي، النبي صلى الله عليه وسلم وهُن مما يقرَأُ مِن القُرآنِ
(1)
(1)
إسناده صحيح.
وهو عند مالك في "الموطأ" 608/ 2، ومن طريقه أخرجه مسلم (1452)، والترمذي (1184)، والنسائي في "الكبرى" (5425). ولفظه:(عشر رضعات معلومات يُحرِّمن) وصححه ابن حبان (4221).
وأخرجه مسلم (1452)، وابن ماجه (1942) من طريقين عن عمرة بنت عبد الرحمن، به. ورواية مسلم: ثم نزل أيضاً: (خمسٌ معلومات).
وأخرج ابن ماجه (1944) من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: لقد نزلت آيةُ الرَّجمِ، ورَضاعةُ الكبيرِ عَشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمَّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغَلنا بمَوته، دخلَ داجنٌ فأكلها. وهذا حديث لا يصح، تفرد به محمد بن إسحاق صاحب المغازي، وفي متنه نكارة.
وهو في "المسند"(26316).
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 9/ 146 - 147 تعليقاً على قول الإمام البخاري: "وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره ": هذا مصير من البخاري إلى التمسك بالعموم الواردة في الأخبار مثل حديث الباب وغيره، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث، وهو المشهور عند أحمد. وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة. ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في "الموطأ"، وعن حفصة كذلك، وجاء عن عائشة أيضاً سبع رضعات أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها، وعبد الرزاق من طريق عروة:"كانت عائشة تقول: لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات" وجاء عن عائشة أيضاً خمس رضعات، فعند مسلم عنها:" كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات، ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ" وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عنها قالت: لا يحرم دون خمس رضعات معلومات، وإلى هذا ذهب الشافعي، =
2063 -
حدَّثنا مُسَددُ بنُ مُسرهَدٍ، حدَّثنا اسماعيلُ، عن أيوبَ، عن ابن أبي مليكةَ، عن عبدِ الله بن الزبير
= وهي رواية عن أحمد، وقال به ابن حزم، وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه - إلا ابن حزم - إلى أن الذي يحرم ثلاث رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تحرم الرضعة والرضعتان"فإن مفهومه أن الثلاث تحرم، وأغرب القرطبي.
فقال: لم يقل به إلا داود. ويخرج مما أخرجه البيهقي عند زيد بن ثابت بإسناد صحيح أنه يقول: لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث، وأن الأربع هي التي تحرم. والثابت من الأحاديث حديث عائشة في الخمس، وأما حديث:"لا تحرم الرضعة والرضعتان" فلعله مثال لما دون الخمس، وإلا فالتحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من الحديث بالمفهوم، وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر المخرج عند مسلم وهو الخمس، فمفهوم:"لا تحرم المصة ولا المصتان" أن الثلاث تحرم، ومفهوم خمس رضعات أن الذي دون الأربع لا يحرم فتعارضا، فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحه، وحديث المصتان جاء أيضاً من طرق صحيحة، لكن قد قال بعضهم: إنه مضطرب لأنه اختلف فيه هل هو عن عائشة أو عن الزبير أو عن ابن الزبير أو عن أم الفضل، لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم فأخرجه من حديث أم الفضل زوج العباس:"أن رجلاً من بني عامر قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال: لا" وفي رواية له عنها: "لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان" قال القرطبي: هو أنص ما في الباب، إلا أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصوله إلى جوف الرضيع، وقوى مذهب الجمهور بأن الأخبار اختلفت في العدد، وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم، ويعضده من حيث النظر أنه معنى طارئ يقتضي تأييد التحريم فلا يشترط فيه العدد كالصهر، أو يقال مائع يلج الباطن فيحرم فلا يشترط فيه العدد كالمني، والله أعلم. وأيضا فقول عائشة:"عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ" لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين، لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآناً ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه، والله أعلم.