الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر: يا رسول اللّه إن أحد شِقَي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له: إنك لست تصنع ذلك خُيلاء.
(22) أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا.
ففي الحديث بيان: أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري عليه معللاً ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد، كما جاء في الحديث: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني أرسلت بحنيفية سمحة "
وكان لعائشة لُعَب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع (1). ومن هذا نفهم أنه يرخص لمن يصلح له اللعب أن يلعب في الأعياد، كالجاريتين الصغيرتين من الأنصار اللتين تغنيان في العيد في بيت عائشة (2).
ومن مظاهر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أيضاً الحديث الآتي:
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) أن فاطمة عليها السلام، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة).فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.
(1) نفس المصدر (30/ 118).
(2)
المصدر السابق (30/ 118).
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أبي بكر، يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ماتركنا صدقة.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة.
وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع فاطمة رضي الله عنها امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم لذلك قال الصديق: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلا عملت به (1)، وقال: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته (2).
وقد تركت فاطمة رضي الله عنها منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها وفيه دليل على قبولها الحق واذعانها لقوله صلى الله عليه وسلم:
[*] قال ابن قتيبة (3)، وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمنكر، لأنها لم تعلم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنت أنها ترثه كما يرث الأولاد آباءهم فلما أخبرها بقوله كفت (4).
[*] وقال القاضي عياض: وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكر بعد احتجاجه عليها بالحديث التسليم للإجماع على قضية، وأنها لما بلغها الحديث وبين لها التأويل تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب ميراث ثم ولي علي الخلافة فلم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهم (5).
(1) مسلم رقم 1758.
(2)
البخاري رقم 6726.
(3)
عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276هـ (شذرات الذهب (2/ 169).
(4)
تأويل مختلف الحديث، ص189.
(5)
شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 318).
[*] وقال حماد بن إسحاق: والذي جاءت به الروايات الصحيحة فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً إنما هو الميراث حتى أخبرهم أبو بكر والأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لانورث ماتركنا صدقة) فقبلوا بذلك وعلموا أنه الحق ولو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كان لأبي بكر وعمر فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصة رضي الله عنهما فآثروا أمر الله وأمر رسوله، ومنعوا عائشة وحفصة، ومن سواهما ذلك، ولو كان رسول، يورث، لكان لأبي بكر وعمر أعظم الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد صلى الله عليه وسلم (1).
وأما ما ذكره من الرواة في كون فاطمة رضي الله عنها غضبت وهجرت الصديق حتى ماتت فبعيد جداً لعدة أدلة منها:
أ-مارواه البيهقي من طريق الشعبي: أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك فقالت: أتحب أن آذن له قال: نعم فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت (2)، وبهذا يزول الإشكال الوارد في تمادي فاطمة رضي الله عنها لهجر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كيف وهو القائل: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب إليّ أن أصل من قرابتي (3)، ومافعل رضي الله عنه إلا امتثالاً وإتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
ب-لقد انشغلت عن كل شيء بحزنها لفقدها أكرم الخلق، وهي مصيبة تزري بكل المصائب، كما أنها انشغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أي مشاركة في أي شأن من الشؤون، فضلاً عن لقاء خليفة المسلمين المشغول -لكل لحظة من لحظاته- بشؤون الأمة، وحروب الردة وغيرها، كما أنها كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها، فقد أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أول من يلحق به من أهله -ومن كان في مثل علمها لايخطر بباله أمور الدنيا، وما أحسن قول المهلب الذي نقله العيني: ولم يرو أحد، أنهما ألتقيا وامتنعا عن التسليم، وإنما لازمت بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران (5).
(1) البداية والنهاية (5/ 252 - 253) وقال إسناده جيد قوي.
(2)
اباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، ص109.
(3)
البخاري رقم 4036.
(4)
العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط، د. سالم السحيمي، ص291.
(5)
أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، ص108.