الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلصلاح هذين الرجلين ذهبا يحتكمان إلى عالم من علمائهم، وكانت حجة البائع أنه باع الأرض بما فيها، فالذهب ليس له، وكانت حجة المشتري أنه اشترى الأرض ولم يشتر الذهب، ولو كان غيرهما من الناس لكانت هذه الحجج يستدل بها كل طرف على استحقاقه هو للمال دون صاحبه، ولكن الخوف من الله تعالى زهدهما في هذا المال المشتبه فيه.
فجاء الحكم الذي رضي به الطرفان وهو تزويج ابن أحدهما ببنت الآخر، والإنفاق من هذا المال على الأسرة الجديدة التي تقوي أخوة الإيمان بين هاتين الأسرتين الصالحتين، وكذلك التصدق من هذا المال.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء.
باب: أقسام الناس في حبهم للدنيا
- انقسم بنو آدم فى الدنيا إلى قسمين:
أحدهما: من أنكر أن للعباد داراً بعد الدنيا للثواب والعقاب وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {إَنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (يونس: الآية: 7 - 8).
وهؤلاء همهم التمتع فى الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} (محمد: من الآية: 12).
والقسم الثانى: من يُقِرُّ بدارٍ بعد الموت للثواب والعقاب، وهم المنتسبون إلى المرسلين، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات بإذن الله.
والظالم لنفسه: هم الأكثرون، وأكثرهم واقف مع زهرة الدنيا وزينتها، فأخذها من غير وجهها، واستعملها فى غير وجهها، وصارت الدنيا أكبر همّه، بها يرضى، وبها يغضب، ولها يوالى، وعليها يعادى، وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيماناً مجملاً فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا، ولا أنها منزلة يتزود فيها لما بعدها.
والمقتصد: من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجبها، وأمسك لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا، وهؤلاء لا عقاب عليهم فى ذلك إلا أنه ينقص درجاتهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا أن تنقص من حسناتى لخالفتكم فى لين عيشكم ولكن سمعت الله عَيََّر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} (الأحقاف: من الآية: 20).
وأما السابق بالخيرات بإذن الله: فهم الذين فهموا المراد من الدنيا وعملوا بمقتضى ذلك، فعلموا أن الله إنما أسكن عبادة فى الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الكهف: الآية: 7).
يعنى: أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة، ثم قال تعالى:{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} (الكهف: الآية: 8).
فاكتفى السابقون منها بما يكفى المسافر من الزاد، كما في الحديث الآتي:
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وعاش فيها كأنه غريب أو عابر سبيل امتثالاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي:
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
وكان زاده فيها كزاد الراكب امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي:
(حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليكف الرجل منكم كزاد الراكب.
ومتى نوى من تناول شهواته المباحة التقوى على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها، كما قال معاذ رضي الله عنه:" إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى ".
[*] قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه ".