الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فارق رسول الله الدنيا وهو يحكم جزيرة العرب ويرهبه ملوك الدنيا، ويفديه أصحابه بنفوسهم وأولادهم وأموالهم، وما ترك عند موته ديناراً ولادرهماً، ولاعبداً، ولا أمة، ولاشيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضا جعلها صدقة (1) وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير (2)، وكان ذلك يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ للهجرة بعد الزوال (3)، وله ثلاث وستون سنة (4)، وكان أشد الأيام سواداً ووحشة ومصاباً على المسلمين، ومحنة كبرى للبشرية، كما كان يوم ولدته أسعد يوم طلعت فيه الشمس (5)، يقول أنس رضي الله عنه: كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان الذي مات فيه أظلم منها كل شيء (6) وبكت أم أيمن فقيل لها مايبكيك على النبي قالت: إني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت ولكن إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا (7).
هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها:
[*] قال ابن رجب رحمه الله:
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من أعتُقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية (8).
[*] والمصيبة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب المصيبة في الدين بنص السنة الصحيحة:
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه (9).
(1) البخاري، كتاب المغازي رقم 4461.
(2)
السيرة النبوية للندوي، ص403.
(3)
البداية والنهاية (4/ 223).
(4)
مسلم، كتاب الفضائل (4/ 825).
(5)
انظر: السيرة النبوية للندوي، ص404.
(6)
الترمذي (5/ 549) رقم 3618.
(7)
مسلم (4/ 1907).
(8)
لطائف المعارف، ص114.
(9)
تفسير القرطبي (2/ 176).
[*] وقال ابن اسحاق: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين، فكانت عائشة فيما بلغني تقول: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية، والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم (1).
[*] وقال القاضي أبو بكر بن العربي:
…
واضطربت الحال .. فكان موت النبي صلى الله عليه وسلم قاصمة الظهر، ومصيبة العمر، فأما علي فاستخفى في بيت فاطمة، وأما عثمان فسكت، وأما عمر فأهجر وقال: ما مات رسول الله وإنما واعده ربه كما واعد موسى، وليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم (2)
واسمع إلى الحديث الآتي لتعلم مدى ثبات أبي بكرٍ في الشدائد ورسوخ إيمانه وفضله على سائر الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين:
(حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكرٍ بالسُّنحِ فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر ـ والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ـ وليبعثنه الله فليقطعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم، فجاء أبو بكرٍ فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله فقال بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً ثم خرج فقال: أيها الحالف على رَسْلِك، فلما تكلم جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت وقال: (إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ) وقال: (وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ)
(1) ابن هشام (4/ 323).
(2)
القواصم من العواصم، ص38.