الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{تنبيه} : كان قتل سعيد بن جبير في آخر سنة أربعٍ وتسعين هـ، قتله الحجاج صبرا، وقبره بواسط، استشهد وهامته مرفوعة وله ثلاثة بنين: عبد الله ومحمد وعبد الملك.
وفاة سعيد بن جبير رحمه الله:
[*] قال الذهبي رحمه الله تعالى: وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين، ومن زعم أنه عاش تسعاً وأربعين سنة لم يصنع شيئاً، وقد مر قوله لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين.
سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
اسم عمر بن عبد العزيز ونسبه:
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الإمام الحافظ، العلامة المجتهد، الزاهد العابد، السيد أمير المؤمنين حقاً، أبو حفص، القرشي الأُموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد، أشجُّ بني أمية.
وأمه: هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
مولد عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الخريبي يقول الأعمش وهشام بن عروة وعمر بن عبد العزيز وطلحة بن يحيى ولدوا سنة مقتل الحسين يعني سنة إحدى وستين وكذلك قال خليفة بن خياط وغير واحد في مولده.
صفة عمر بن عبد العزيز الخلْقية رحمه الله:
[*] قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ذكر صفته سعيد بن عفير أنه كان أسمر رقيق الوجه حسنه نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر نفحة دابة قد وخطه الشيب وقال إسماعيل الخطبي رأيت صفته في بعض الكتب أبيض رقيق الوجه جميلا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة فلذلك سمي أشج بني أمية وقد وخطه الشيب قال ضمرة بن ربيعة دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد.
نشأة عمر بن عبد العزيز حال صغره وتربيته:-
كان عمر رحمه الله ابن والي مصر عبد العزيز، وكان يعيش في أسرة الملك والحكم، حيث النعيم الدنيوي، وزخرف الدنيا الزائل، وكان رحمه الله يتقلب في نعيم يتعاظم كل وصف، ويتحدى كل إحاطة .. إنّ دخله السنوي من راتبه ومخصصاته، ونتاج الأرض التي ورثها من أبيه يجاوز أربعين ألف دينار .. وإنه ليتحرك مسافراً من الشام إلى المدينة، فينتظم موكبه خمسين جملاً تحمل متاعه ..
وكان يلبس أبهى الثياب وأغلاها .. ويضمخ نفسه بأبهج عطور دنياه، حتى إنه ليعبر طريقاً ما، فيعلم الناس أنه عبره، وكان رحمه الله يتأنق في كل شيء .. حتى المشية .. التي انفرد بها وشغف الشباب بمحاكاتها وعرفت لفرط أناقتها واختيالها بـ"المشية العمرية.
ثم إنه رحمه الله مع هذا كله كان فيه نبوغ مبكر فلم تنسه هذه الدنيا وزخرفها الله تعالى والدار الآخرة، بل إنه رحمه الله كان فيه حب للعلم وأهله كما سيأتي
لقد جمع القرآن وهو صغير، تحدث هو عن نفسه وطفولته فقال:" لقد رأيتني بالمدينة غلاماً مع الغلمان ثم تاقت نفسي للعلم، فأصبت منه حاجتي " .. وَرَغَبَ إلى والده أن يغادر مصر إلى المدينة ليَدْرُس بها ويتفقه، فأرسله إليها وعهد به إلى واحد من كبار معلمي المدينة وفقهائها وصالحيها وهو: صالح بن كيسان رحمه الله،
ثم لا يكاد ينزل بها حتى يلوذ بالشيوخ والعلماء والفقهاء، متجنباً أترابه ولِدَاته .. وأقبل على العربية وآدابها وشعرها فيستوعب من ذلك كله محصولاً وفيراً.
بكاء عمر بن عبد العزيز حال صغره وخوفه:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي قبيل أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير فأرسلت إليه أمه وقالت ما يبكيك قال ذكرت الموت قال وكان يومئذ قد جمع القرآن فبكت أمه حين بلغها ذلك.
اهتمام والد عمر بن عبد العزيز بتأديبه في الصغر:
عني والده عبد العزيز بن مروان بتربيته تربية صالحة، وعلَّمه القراءة والكتابة، لكن عمر رغب أن يغادر مصر إلى المدينة ليأخذ منها العلم، فاستجاب عبد العزيز بن مروان لرغبة ولده وأرسله إلى واحد من كبار علماء المدينة وصالحيها وهو "صالح بن كيسان".
حفظ عمر بن عبد العزيز القرآن الكريم، وظهرت عليه علامات الورع وأمارات التقوى، حتى قال عنه معلِّمه صالح بن كيسان: ما خَبَرْتُ أحدًا ـ الله أعظم في صدره ـ من هذا الغلام، وقد فاجأته أمه ذات يوم وهو يبكي في حجرته، فسألته: ماذا حدث لك يا عمر؟ فأجاب: لا شيء يا أماه إنما ذكرتُ الموت، فبكت أمه.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن يعقوب عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يلزمه الصلوات فأبطأ يوما عن الصلاة فقال ما حبسك قال كانت مرجلتي تسكن شعري فقال بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة وكتب بذلك إلى والده فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن العتبي أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر وهو حديث السن يشك في بلوغه فأراد إخراجه فقال يا أبت أو غير ذلك لعله أن يكون أنفع لي ولك ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدب بآدابهم فوجهه إلى المدينة فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه قال ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان عند وفاة أبيه وخلطه بولده وقدمه على كثير منهم وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها
بنت الخليفة والخليفة جدها * أخت الخلائف والخليفة زوجها.
التبشير بعمر بن عبد العزيز وذكر أنه كان منتظراً:
روى أبو داود الطيالسي بسنده عن ابن عمر رضي الله عنه قال: يا عجباً! يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمر، قال: وكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر، فلم يكن هو وإذا هو عمر بن عبد العزيز وأمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب.
وروى البيهقي بسنده عن نافع قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن من ولدي رجلاً بوجهه شجان يلي فيملأ الأرض عدلاً. قال نافع من قبله: ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
صفحات من حياة عمر بن عبد العزيز في عهد الوليد بن عبد الملك:
لما مات أبوه أخذه عمه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشاعر:
بنت الخليفة والخليفة جدها: أخت الخلائف والخليفة زوجها
وكان رحمه الله على قدم الصلاح أيضاً، إلا أنه كان يبالغ في التنعم، فكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم، والاختيال في المشية، فلما ولي الوليد الخلافة أمَّر عمر على المدينة فوليها من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين.
ولايته على المدينة وأعماله فيها:
لما قدم عليها والياً فصلى الظهر دعا بعشرة: عروة وعبيد الله وسليمان بن يسار والقاسم وسالماً وخارجة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن سليمان وعبد الله بن عامر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني". فجزوه خيراً وافترقوا.
وبنى في مدة ولايته هذه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووسعه عن أمر الوليد له بذلك.
واتسعت ولايته فصار والياً على الحجاز كلها
…
وراح الأمير الشاب ينشر بين الناس العدل والأمن، وراح يذيقهم حلاوة الرحمة، وسكينة النفس .. صارخاً بكلمة الحق والعدل، نائياً بنفسه عن مظالم العهد وآثامه، متحدياً جباريه وطغاته
…
وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي .. وكان عمر يمقته أشد المقت بسبب طغيانه وعَسْفه، وكان نائباً على الحج في إحدى السنين فأرسل عمر إلى الوليد يسأله أن يأمر الحجاج ألا يذهب إلى المدينة ولا يمر بها، رغم أنه يعرف ما للحجاج من مكانة في نفوس الخلفاء الأمويين
…
وأجاب الخليفة طلب عمر وكتب إلى الحجاج يقول:" إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه بالمدينة، فلا عليك ألا تمر بمن يكرهك، فنح نفسك عن المدينة".
وراح هذا الأمير الشاب يعمر ويعمر بادئاً بالمسجد النبوي وفي كل الحجاز، الآبار والطرق، وفي حدود ولايته وسلطانه رد للأموال العامة كرامتها وحرمتها، فلم تعد سهلة المنال لكل ناهب خالس، كما لم تعد ألعوبة في يد كل مسرف ومترف
…
وفتح أبواب المدينة للهاربين من ظلم الولاة في كل أقطار الدولة .. وحماهم من المطاردة، ووفر لهم الطمأنينة والأمن.
ووشى به الحجاج وشاية إلى الوليد كانت سبباً في عزله .. ولما عُزِل منها وخرج منها التفت إليها وبكى وقال لمولاه:" يا مزاحم نخشى أن نكون ممن نفت المدينة". يعني أن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد وينصع طيبها، ونزل بمكان قريب منها يُقال له السويداء حيناً، ثم قدم دمشق على بني عمه.
حسنته على سليمان بن عبد الملك:
إن الوليد عزم على أن يخلع أخاه سليمان من العهد، وأن يعهد إلى ولده، فأطاعه كثير من الأشراف طوعاً وكرهاً، فامتنع عمر بن عبد العزيز وقال:" لسليمان في أعناقنا بيعة ". وصمم، فعرفها له سليمان.
عهد سليمان بن عبد الملك بالخلافة لعمر بن عبد العزيز:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن رجاء بن حيوة قال لما ثقل سليمان بن عبد الملك رآني عمر بن عبد العزيز في الدار أخرج وأدخل وأتردد فقال: يا رجاء أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين أو تشير بي فو الله ما أقوى على هذا الأمر فانتهرته وقلت إنك لحريص على الخلافة فاستحيا ودخلت فقال لي سليمان من ترى لهذا الأمر فقلت اتق الله فإنك قادم على الله تعالى وسائلك عن هذا الأمر وما صنعت فيه قال فمن ترى قلت عمر بن عبد العزيز قال كيف أصنع بعهد عبد الملك إلى الوليد وإلي في ابني عاتكة أيهما بقي قلت تجعله من بعده قال أصبت جئني بصحيفة فأتيته بصحيفة فكتب عهد عمر ويزيد ابن عبد الملك من بعد ثم دعوت رجالا فدخلوا فقال عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء اشهدوا واختموا الصحيفة قال فلم يلبث أن مات فكففت النساء عن الصياح وخرجت إلى الناس فقالوا كيف أمير المؤمنين قلت لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة قالوا لله الحمد.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن قال ابن عيينة حدثني من شهد دابق وكان مجتمع غزو الناس فمات سليمان بدابق ورجاء بن حيوة صاحب أمره ومشورته خرج إلى الناس فأعلمهم بموته وصعد المنبر فقال إن أمير المؤمنين كتب كتابا وعهد عهدا وأعلمهم بموته أفسامعون أنتم مطيعون؟ قالوا نعم وقال هشام نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبد الملك قال ويجذبه الناس حتى سقط إلى الأرض وقالوا سمعنا وأطعنا فقال رجاء قم يا عمر وهو على المنبر فقال عمر والله إن هذا لأمر ما سألته الله قط.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن رجاء بن حيوة قال ثقل سليمان ولما مات أجلسته وسندته وهيأته ثم خرجت إلى الناس فقالوا كيف أصبح أمير المؤمنين قلت أصبح ساكنا فادخلوا سلموا عليه وبايعوا بين يديه على ما في العهد فدخلوا وقمت عنده وقلت إنه يأمركم بالوقوف ثم أخذت الكتاب من جيبه وقلت إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب فبايعوا وبسطوا أيديهم فلما فرغوا قلت آجركم الله في أمير المؤمنين قالوا فمن ففتحت الكتاب فإذا فيه عمر بن عبد العزيز فتغيرت وجوه بني عبد الملك فلما سمعوا وبعده يزيد تراجعوا وطلب عمر فإذا هو في المسجد فأتوه وسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه المنبر فجلس طويلا لا يتكلم فقال رجاء ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه فنهضوا إليه ومد يده إليهم فلما مد هشام بن عبد الملك يده إليه قال إنا لله وإنا إليه راجعون فقال عمر نعم إنا لله حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت ثم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إني لست بفارض ولكني منفذ ولست بمبتدع ولكني متبع وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال لا ائتوني بدابتي ثم كتب إلى عمال الأمصار، قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى، قال عمرو بن مهاجر صلى عمر المغرب ثم صلى على سليمان.
تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة:
إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لم يجد نفسه فجأة خليفة لكنه قبل أن يلي الخلافة تمرّس بالإدارة واليًا وحاكمًا، واقترب من صانعي القرار، ورأى عن كثب كيف تُدار الدولة، وخبر الأعوان والمساعدين؛ فقد ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة عام سبعٍ وثمانين هجرية ثم ضم إلية ولاية لطائف سنة إحدى وتسعين هجرية وبذلك صار واليآ على الحجاز كلها واشترط عمر لتوليه الإماره ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحدآ ولا يجوز على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الموال من المدينة.
الشرط الثاني: أن يسمح له بالحج في أول سنة لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج. الشرط الثالث: أن يسمح له بإلغاء أن يخرجه للناس في المدينة فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينه وفرح الناس به فرحاً شديداً.
من أبرز الأعمال التي قام بها في المدينه وهو عمل مجلس الشورى يتكون من عشر من فقهاء المدينة. ثم عينة الخلفية الأموى سليمان بن عبد الملك وزيراً في عهده.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن رجاء بن حيوة كان سليمان بن عبد الملك من أمثل الخلفاء نشر علم الجهاد وجهز مئة ألف برا وبحرا فنازلوا القسطنطينية واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة، قال سعيد بن عبد العزيز ولي سليمان فقال لعمر بن عبد العزيز يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى ولم يكن لنا بتدبيره علم فما رأيت من مصلحة العامة فمر به فكان من ذلك عزل عمال الحجاج وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت أميتت عن وقتها مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها فقيل إن سليمان حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله قال هؤلاء اليوم رعيتك وهم غدا خصماؤك فبكى بكاء شديدا قلت كان عمر له وزير صدق ومرض بدابق أسبوعا وتوفي وكان ابنه داود غائبا في غزو القسطنطينية.
فلما تولى الخلافة كان لديه من عناصر الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وأضاف إلى ذلك أن ترفَّع عن أبهة الحكم ومباهج السلطة، وحرص على المال العام، وحافظ على الجهد والوقت، ودقَّق في اختيار الولاة، وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل، فقد استشعر الأمانة، وراقب الله فيما أُوكل إليه، وتحمل مسؤولية دولته الكبيرة بجدٍّ واجتهاد؛ فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه بإعجاب وتقدير.
وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم؛ فلا يلي عنده منصبًا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلمًا وإيمانًا، وحسبك أن تستعرض أسماء من اختارهم لولاياته؛ فتجد فيهم العالم الفقيه، والسياسي البارع، والقائد الفاتح، من أمثال أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أمير المدينة وقاضيها، والجراح بن عبد الله الحكيمي، أمير البصرة، وكان قائدًا فاتحًا، وإداريًا عظيمًا، وعابدًا قائدًا، والسمح بن مالك أمير الأندلس، وكان قائدًا فذًا، استُشهد على أرض الأندلس، وكان باقي ولاته على هذه الدرجة من القدرة والكفاءة.
وكان عمر لا يكتفي بحسن الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.
وإذا كان قد أخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فإنه لم يلزم بها ولاته، بل وسّع عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة، وأعطى لهم الحرية في إدارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه إلا في الأمور العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة إذا استوضحوه في الأمور الصغيرة .. كتب إليه أحد ولاته يستوضح منه أمرًا لا يحتاج إلى قرار من الخليفة، فضاق منه عمر، وكتب إليه:"أما بعد، فأراك لو أرسلتُ إليك أن اذبح شاة، ووزِّع لحمها على الفقراء، لأرسلت إلي تسألني: كبيرة أم صغيرة؟ فإن أجبتك أرسلت تسأل: بيضاء أم سوداء؟ إذا أرسلت إليك بأمر، فتبيَّن وجه الحق منه، ثم أمْضِه".
هم الخلافة:
كان تولي عمر بن عبد العزيز للخلافة نقطة التحول في حياة عمر رضي الله عنه، ترى ربيب الملك، وحفيد المجد، وابن القصور الناعمة، والمباهج الهاطلة، ذلك الشاب بعد أن تحمل مسؤولية أمة محمد صلى الله عليه وسلم كيف تحولت حياته وتغير جدول أوقاته، كيف استشعر حجم المسئولية الملقاة على عاتقة وكأنه يحمل جبل أحد على ظهره، وهو يعلم علم اليقين أن الإمارة تكليف وليست تشريف، للناس غنمها وعليه غُرْمُها، فلو رأيته بعد أن تولى الخلافة وقد نحل جسمه وتغير لونه لما قلت أن هذا هو ابن القصور الناعمة والمباهج الهاطلة.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه يده على خده سائلة دموعه فقلت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث قال يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور والكبير وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت.
الحوار الذي دار بين عمر بن عبد العزيز وبين ابنه بعد توليه الخلافة: