الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{تنبيه} : وهذا موقف جليل، وشهادة صدق من ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، يقدم رجل من بلاد مصر، وقد نبتت عنده نبتة فتنة، وترسخ في قلبه جذر شبهة، وتنامى على لسانه حديث لوثته الشائعات وقبحته الأهواء.
(13) عدل عثمان ذي النورين رضي الله عنه:
أخرج السمَّان في الموافقة عن أبي الفرات قال: كان لعثمان رضي الله عنه عبد، فقال له: إني كنت عركت أُذنك فاقتصَّ مني، أخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه: أشدد، يا حبذا قصص في الدنيا، لا قصاص في الآخرة. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري.
مقتل عثمان رضي الله عنه
-:
أخرج أبو أحمد عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه قال: لما اشتد الحصار بعثمان رضي الله عنه يوم الدار أشرف على الناس فقال: يا عباد الله، قال: فرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه خارجاً من منزله، معتماً بعمامة رسول الله، متقلداً سيفه، أمامه الحسن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم في نفر من المهاجرين والأنصار حتى حملوا على الناس وفرقوهم. ثم دخلوا على عثمان رضي الله عنه فقال له عليٌّ رضي الله عنه: السلام عليك يا أمير المؤمنين، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَلْحَق هذا الأمر حتى ضرب بالمقبل المدبر، وإني ـ والله ـ لا أرى القوم إلا قاتليك، فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان رضي الله عنه:
"أنشد الله رجلاً رأى لله حقاً، وأقر أنَّ لي عليه حقاً؛ أن يُهريق في سببي ملء حجمة من دم، أو يهريق دمه فيَّ".
فأعاد عليٌّ رضي الله عنه عليه القول. فأجابه بمثل ما أجابه. قال: فرأيت علياً خارجاً من الباب وهو يقول: اللهمَّ إِنَّك تعلم أنا بذلنا المجهود. ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة. فقالوا له: يا أبا الحسن، تقدَّم فصلِّ بالناس. فقال: لا أصلِّي بكم والإِمام محصور، ولكن أصلِّي وحدي، فصلّى وحده وانصرف إلى منزله، فلحقه إبنه وقال: والله يا أبت قد اقتحموا عليه الدار. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هم والله قاتلوه. قالو: أين هو يا أبا الحسن؟ قال: في الجنة ـ والله ـ زلفى. قالوا: وأين هم يا أبا الحسن؟ قال: في النار والله ـ ثلاثاً ـ. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة.
وأخرح أبو أحمد عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: دخل أبو قَتادة ورجل آخر على عثمان رضي الله عنهم وهو محصور، فاستأذناه في الحج فأذن لهم. فقالا له: إن غلب هؤلاء القوم مع من نكون؟ قال: عليكم بالجماعة. قال: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك مع من نكون؟ قال: فالجماعة حيث كانت، فخرجنا فاستقبلنا الحسن بن علي رضي الله عنهما عند باب الدار داخلاً على عثمان رضي الله عنه، فرجعنا معه لنسمع ما يقول: فسلَّم على عثمان ثم قال: يا أمير المؤمنين مرني بما شئت، فقال عثمان:
"يا ابن أخي، إرجع واجلس حتى يأتي الله بأمره".
فخرج وخرجنا عنه، فاستقبلنا ابن عمر رضي الله عنهما داخلاً إلى عثمان رضي الله عنه، فرجعنا معه نسمع ما يقول، فسلَّم على عثمان رضي الله عنه ثم قال: يا أمير المؤمنين، صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعتُ وأطعتُ، ثم صحبتُ أبا بكر رضي الله عنه فسمعتُ وأطعتُ، ثم صحبتُ عمر رضي الله عنه فسمعتُ وأطعتُ ورأيتُ له حقَّ الوالد وحقَّ الخلافة، وها أنا طوع يديك، فمرني بما شئت، فقال عثمان رضي الله عنه:
"جزاكم الله يا آل عمر خيراً ـ مرتين ـ لا حاجة لي في إِراقة الدم.
كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة.
وأخرج أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إِني لمحصور مع عثمان رضي الله عنه في الدار. قال: فرُمِيَ رجل منَّا، فقلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضِّراب، قتلوا منا رجلاً. قال:"عزمتُ عليك يا أبا هريرة إِلا رميتَ سيفك، فإنما تُراد نفسي وسَأقِي المؤمنين بنفسي".
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة. كذا في الرياض النضرة في مناقب العشرة.
وصية عثمان ذي النورين رضي الله عنه:
أخرح الفضائلي الرازي عن العلاء بن الفضل عن أمه قال: لما قُتل عثمان رضي الله عنه
تَّشوا خزانته، فوجدوا فيها صندوقاً مقفلاً، ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوب فيها:
"هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم. عثمان بن عفان يشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ الجنة حق، وأنَّ النار حق، وأنَّ الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، عليها يحيي، وعليها يموت وعليها يُبعث إن شاء الله".
وأخرجه أيضاً نظام المُلْك وزاد: ووجدوا في ظهرها مكتوباً:
غنى النفس يُغني النفس حتى يُجلَّها
وإِن غضَّها حتى يَضُرَّ بها الفقرُ
وما عُسرة فاصبر لها إِن لقيتها
بكائنة إِلا سيتبعها يُسْرُ
ومن لم يقاسِ الدهر لم يعرف الأسَى
وفي غَيَر الأيام ما وعد الدهرُ.
صورٌ مشرقة من زهد عثمان ابن عفان رضي الله عنه:
عثمان ابن عفان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين، كان أزهد الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكرٍ وعمر، لقد فهم عثمان ابن عفان رضي الله عنه من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، و زينتها، وبريقها، وطلقها ثلاثة ونفض يديه منها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرا وباطنا، فكانت الدنيا في يده ولم تقترب من قلبه الشريف، وقد وصل إلى حقائق استقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا ومن هذه الحقائق ما يلي:
(1)
اليقين التام بأننا في هذه الدنيا أشبه بالغرباء، أو عابري سبيل كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.
(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
(2)
أن هذه الدنيا لا وزن لها ولا قيمة عند رب العزة إلا ما كان منها طاعة لله تبارك وتعالى:
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.
(حديث أبي هريرة في صحيح ابن ماجة) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلما.
(3)
أن عمرها قد قارب على الانتهاء:
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت أنا والساعة كهاتين قال وضم السبابة والوسطى.
(4)
أن الآخرة هى الباقية، وهى دار القرار:
كما قال مؤمن آل فرعون: