الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن أبي شيبة، وهنَّاد، والبيهقي عن الضحاك قال: رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه طيراً واقفاً على شجرة فقال: طوبى لكَ يا طير والله لوددتُ أني كنت مثلك، تقع على الشجر، وتأكل من الثمر، ثم تطير وليس عليك حساب ولا عذاب والله لوددت أنِّي كنت شجرة إلى جانب الطريق مرّ عليَّ جمل فأخذني، فأدخلني فاه، فلاكني ثم ازدردني، ثم أخرجني بعراً ولم أكُ بشراً. وعند ابن فَتْحَويه في الوَجَل عن الضحَّاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ونظر إلى عصفور ـ: طوبى لك يا عصفور تأكل من الثمار، وتطير في الأشجار، لا حساب عليك ولا عذاب والله لوددتُ أني كبش يسمِّنني أهلي، فإذا كنت أعظم ما كنت وأسمنه يذبحوني، فيجعلون بعضي شواء، وبعضي قديداً، ثم أكلوني، ثم ألقوني عَذِرَةً في الحش، وأني لم أكن خُلقت بشراً. وعند أحمد في الزهد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن. كذا في منتخب الكنز.
(32) رسوخ إيمانه بالله تعالى:
كان إيمان الصديق بالله عظيماً، فقد فهم حقيقة الإيمان وتغلغلة كلمة التوحيد في نفسه وقلبه وانعكست آثارها على جوارحه وعاش بتلك الآثار في حياته، فتحلى بالأخلاق الرفيعة، وتطهر من الأخلاق الوضيعة وحرص على التمسك بشرع الله والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم وكان إيمانه بالله تعالى باعثاً له على الحركة والهمة والنشاط والسعي، والجهد والمجاهدة، والجهاد والتربية، والاستعلاء والعزة، وكان في قلبه من اليقين والإيمان شيء عظيم لا يساويه فيه أحد من الصحابة.
[*] قال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه (1)، ولهذا قيل: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح، كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "" من رأى منكم رؤيا؟ "" فقال رجل: أنا، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) فضائل الصحابة للامام أحمد (1/ 173).
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل على الناس فقال:(بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث). فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم، فقال:(فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثم - وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب هذا: استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري). فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم، قال:(فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر). وما هما ثم.
ومن شدة إيمانه والتزامه بشرع الله تعالى وصدقه وإخلاصه للإسلام أحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت تلك المحبة مقدمة عند النبي صلى الله عليه وسلم على غيره من الصحابة كما في الحديث الآتي:
(حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه الثابت في الصحيحين): أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها. قلت ثم من؟ قال عمر بن الخطاب فعد رجالاً.
وبسبب هذا الإيمان العظيم والتزامه بشرع الله القويم ولجهوده التي بذلها لنصرة دين رب العالمين استحق بشارة رسول الله بالجنة وأنه يدعى من جميع أبوابها،
(حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعليٌ في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعدُ ابن أبي وقاص في الجنة وسعيدُ ابن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟. قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم.
- ومما يدل على رسوخ إيمانه موقفة عندما مات النبي صلى الله عليه وسلم: