الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن حرصه على الاستفادة من الوقت أنه كان يحرص على الفائدة حتى في نزهاته، ومن ذلك أننا خرجنا معه مرة لـ (روضة نورة) في عام 1374هـ وكان معه في تلك الرحلة أحمد ابن قاسم فكان يطلب منه أن يقرأ عليه بعض الكتب، وأذكر من تلك الكتب في تلك الرحلة: مسودة كتاب (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى وكان قد أعطى الشيخ محمداً مسودتها ليراجعها فراجعها في تلك الرحلة، ومنه كتاب في (التعزير) لمؤلف مصري يدعى الشرباصي، وخرجنا معه أيضاً في رحلة عام 1377هـ لروضة (أم حجول) قرب (رماح) وعام 1383هـ لـ (بطين ضرمى) وفي كل هذه الرحلات كان يصطحب معه بعض تلاميذه الذين يقرؤون عليه بعض الكتب.
(9)
الدعابة: كان رحمه الله تعالى ـ رغم شدته وحزمه وهيبة الناس له ـ صاحب دعابة ـ خصوصاً مع خاصته ـ، وأحفظ له رحمه الله في ذلك حكايات كثيرة.
(10)
العبادة: كان رحمه الله تعالى لا يتحدث عن عبادته مطلقاً ولا يطلع أحداً عليها، وكان رحمه الله يحج كثيراً خصوصاً في آخر عمره، وكان كثير الاعتمار في رمضان، وكان كثيراً ما يقرأ القرآن في سره.
(11)
طهارة القلب وعدم الغيبة والنميمة واستصغار الناس: وكان لا يرضى أن يغتاب أحد في مجلسه، ولا أذكر مرة ـ طيلة صحبتي له ـ أنه تكلم على أحدٍ بسوء، بل كان إذا أحب شخصاً مدحه، وإن لم يحبه تركه فلم يذكره ولا يرضى أن يذكره أحد بسوء عنده.
من فتاوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى وفوائده:
(1)
سألته عن العقل هل هو في الصدر أو في الرأس؟ فقال: قيل هذا، وقيل هذا، ولكن الذي يظهر أن الصدر يحضر، والرأس يجمع.
(2)
و سمعته يقول: لابد في الوضوء من أقل جريان ولا يكفي مجرد البلل.
(3)
وكان أحد أبنائه الصغار يتوضأ فبدأ باليسار قبل اليمين فأخبرت الشيخ بذلك، فضحك وقال: يجوز، ولكنه خلاف الأفضل.
(4)
وسأله رجل وأنا أسمع عن التسوك هل يبدأ باليسار أو باليمين؟ فقال: بل باليسار لأنه إماطة أذى.
(5)
وكان يقول في المسح على الجوارب أنه إذا كان فيه شق يسير فلا بأس بالمسح عليه خصوصاً إذا كان مما يلي باطن القدم.
(6)
وكنت معه مرة فصلينا المغرب خارج الرياض، فلما انصرف خلع الخفين، فسألته عن السبب، فقال: انتهى وقت المسح عليهما والإمام ليس كالمأموم ـ يعني يخاف من نسيان المدة ـ.
(7)
وسألته عن التيمم هل يجزئ بكل تراب له غبار أو لا، وهل يجزئ التيمم على الرمل ـ لأن منطقتي (الزلفي) كثيرة الرمل ـ، فقال: نعم يجوز.
وقد رأيت الشيخ محمد مراراً يتيمم على الجدار وكان طينياً يضربه مرة واحدة ثم يمسح يديه ووجهه.
(8)
وسمعته يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا تبوك في السنة التاسعة كان طريقه إلى (تبوك) أكثره رملي ولم ينقل عنه أنه حمل معه تراباً ليتيمم به، لو كان فعل ذلك لتوفرت الدواعي والهمم لنقله، فدل ذلك على جواز التيمم بالرمل وما أشبهه.
(9)
وكان كثيراً ما يسأل عن تغسيل اليدين من أثر الأكل وسريان الغسالة في ماء المجاري هل يجوز؟ فكان رحمه الله يقول: نعم، يجوز، وهل هو إلا وساخة من اليدين!!.
(10)
ورأيت مرة على (بشت) الشيخ دماً يسيراً بعد الصلاة فأخبرته، فقال: الشيء اليسير لا بأس به.
(11)
وسأله رجل وأنا أسمع عن (الكولونيا) فقال الشيخ محمد: أما أنا فلا أستعمله، ولو أصاب ثوبي شئ منه ما غسلته.
(12)
وسمعته يوماً يتكلم عن الأذان ومشروعيته وأهميته، وقال:(إنه من شرائع الإسلام الظاهرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً انتظر حتى الصبح فإن سمع أذاناً و إلا أغار عليهم، وإنه لو صلى القوم ونسوا الأذان فإنهم يؤذنون و لا يعيدون الصلاة لأن الأذان للوقت وهو شريعة من شرائع الإسلام لا تترك، ثم قال: كنا عند الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله في درسه قبل العصر في (الجامع الكبير)، ثم إنه صلى العصر وقد نسوا الأذان، فلما انصرف من الصلاة سأل عن الأذان، فأخبر بأنهم لم يؤذنوا، فأمر أحد المأمومين أن يقوم ويؤذن، قال الشيخ محمد: فقام في وسط الصف فأذن بعد الفراغ من الصلاة).
(13)
وكان رجل من أهل (الزلفي) يعمل بالتجارة ويسافر إلى بعض دول الخليج ليأتي ببعض البضائع، فذكر لي أنه يسكن بجانب مسجد إمامه يحلق لحيته ويشرب الدخان، وطلب مني أن استفتي الشيخ محمداً عن الصلاة خلف ذلك الرجل، فسألت الشيخ، فسكت الشيخ قريباً من يومين، ثم أعدت عليه السؤال فقال: يبحث عن مسجدٍ آخر فإن لم يجد فلا يصلي خلف هذا الفاسق ما دام مسافراً.
014) وسمعته يقول: إذا جلس الإمام للتشهد الأول وقام ولم يكمل المأموم تشهده فلا يتبعه حتى يكمل.
(15)
وفي عام 1377هـ أصيبت رجلي بمرضٍ فوضع فيها (الجبس) في مدينة (جدة)، وكنت لا أستطيع الحركة فكنت أتيمم وأصلي إلى غير القبلة، فلما جئت إلى الرياض سألت الشيخ عن صلاتي وهل هي صحيحة أو أقضيها؟ فمكث أياماً ينظر فيها ثم لم يفتني فيها بشيء.
(16)
ورأيت رجلاً أتى إليه وقال: إنني أسافر من (الخرج) إلى (الرياض) و تدركني صلاة المغرب في الطريق فهل يجوز لي أن أجمع معها العشاء مع العلم أنني سوف أصل إلى (الرياض) قبل صلاة العشاء، فقال: نعم يجوز.
(17)
وفي أحد أيام الشتاء نزلت أمطار غزيرة على مدينة (الرياض) قبل صلاة (الظهر)، فقام أحد الأئمة في أحد المساجد بالجمع بين (الظهر) و (العصر)، فلما علم الشيخ محمد رحمه الله تعالى تكلم في مسجده وأمر من صلى معهم بإعادة صلاة (العصر).
(18)
وتأخرت مرة عن صلاة (الجمعة) فوجدته رحمه الله قد شرع في الركعة الأولى فصففت مع الذين يصلون في (ساحة الصفاة) بجانب (الساعة) ويقتدون بمكبر الصوت ـ بدون اتصال الصفوف ـ، فلما انتهينا من الصلاة سألته عن صلاتي هذه فأمرني بالإعادة.
(19)
وسألته عن صلاة (الكسوف) هل هي فرض عين أو فرض كفاية؟ فقال: إن ابن القيم رحمه الله قال في كلامٍ له عنها إنه لو قيل بوجوبها لكان له وجه.
(20)
وصلى مرة على جنازة فكبر خمس تكبيرات، فلما انصرف أخبرته فقال: لا بأس بذلك.
(21)
وكان يقول بعدم وجوب الزكاة في الحلي، ويقول ثبت عن خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القول بذلك.
(22)
وكان هناك رجل من أهل (الزلفي) يعطي زكاته لقريبة منه وكانت تجمع هذه النقود ولا تشتري بها شيئاً مطلقاً، فطلب مني أن أسأل الشيخ: هل يجوز أن يشتري بالزكاة التي يريد دفعها لها ملابس و طعاماً ونحو ذلك ودفعه إليها؟ فسألت الشيخ فسكت ولم يجب قريباً من يومين، ثم قال: مادام الحال كما ذكر، فإنه يجوز هذا.
(23)
وطلب مني رجل أن أسأله في مسألة حصلت له، فقال: عندي نقود وعلي دين فهل أخرج الزكاة عنها كلها، أو أزكي المال الذي لي وأترك الدين، فسألت الشيخ، فسكت الشيخ وقتاً ثم قال: بل زك مالك دون الدين.
(24)
وسألته عن النقد الورقي: هل هو سند أو نقد بذاته؟ فتوقف في ذلك ولم يجب، والذي أعرفه عنه أنه مات رحمه الله ولم يفت فيها بشيء.
(25)
وكنت معه مرة في اليوم التاسع والعشرين من رمضان بعد العصر، فقال: يظهر أن الليلة يهل هلال شوال، ثم قال: إن ابن مسعود قال: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات كلها تسع وعشرون يوماً.
(26)
وفي عام 1376هـ كتب عبد الله بن زيد المحمود رحمه الله كتاباً في المناسك أجاز فيه الرمي قبل الزوال و بالليل و لم يحدده بوقت فطلبه الشيخ للمباحثه، فكانت بينهما جلستان حضرهما جمع من المشايخ وقد حضرت عندهم، ومما دار في النقاش:
أن المحمود ذكر في منسكه أن العاجز عن الرمي يسقط عنه الرمي ولا يوكل عن نفسه لأنه لا واجب مع العجز.
فقال الشيخ محمد: أيهما أوجب الرمي أو المبيت بمنى؟
قال الشيخ المحمود: الرمي والمبيت واجبان.
قال الشيخ محمد: سبحان الله!! الرمي أوجب، وإنما المبيت وسيلة للرمي.
قال الشيخ المحمود ـ يعني بعض الحاضرين من تلاميذ الشيخ ـ: إنه يوافقني على ما قلته من جواز الرمي في الليل.
فقال الشيخ ـ لهذا الذي أشار إليه المحمود ـ: ما دليلك على ما ذهبت إليه؟
فقال: قسته على يوم عرفة، فإن الحاج لو وقف في عرفة ليلة النحر لأجزأه لحديث عروة ابن مضرس الطائي.
فقال الشيخ محمد: لا، هذا قياس مع الفارق، فإن الرمي أصل مستقل، واليوم ينتهي بغروب الشمس، والليلة تتبع اليوم الذي بعدها لا الذي قبلها.
ثم بعد هذه الجلسات اعتذر الشيخ ابن محمود وقرر أن يكتب كتاباً ينقض فيه الذي قرره أولاً، ولكنه لم يف بما ذكره للشيخ فرد عليه الشيخ محمد بكتاب (تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك).
(27)
وكان رجل بدوي في (الزلفي) اسمه (نافع) حج ولم يسع ومضى على ذلك قريباً من 15سنة، ثم إن الشيخ محمد حج عام 1376هـ وكنت معه، فلما ذهبت لأسلم على بعض الجماعة من أهل (الزلفي) وكان معهم (نافع) هذا، قالوا: إنه استفتى بعض أهل العلم ـ في الميقات من هذه السنة ـ وأفتاه بأن عليه دم، فقلت: الذي أعرفه أن السعي ركن والركن لا يجبر بدم، ثم أخبرتهم بأني سوف أسأل الشيخ محمداً عن هذا.
فلما عدت إلى الشيخ أخبرته بالواقع وسألته، فسكت ـ وهذه عادته رحمه الله فإنه كان ورعاً خصوصاً في العبادات ـ ولم يجبني إلا من الغد حيث ناداني وقال: إنه يحرم من مكانه ثم يسعى ويقصر ويلبس، وحجه تام إن شاء الله نظراً لجهله.
(28)
وسألته مرة عن معنى قول صاحب الروض حيث قال في باب الخيار: (ويقبل قول قابضٍ في ثابتٍ في ذمة من ثمنٍ و قرضٍ وسلمٍ ونحوه إن لم يخرج من يده) فقال: إن قبضت شيئاً ثابتاً في ذمة آخر فإنه يقبل قولك بأنه ناقص مثلاً و أنك لم تستوفه، لأنه ثابت في ذمة الآخر، ولكن يقبل هذا بشرط أن لا يخرج هذا المقبوض من يدك، فإن خرج من يدك لآخر لم يقبل قولك.
(29)
ومن ذلك أنه كان هناك قط مؤذ في بيتي، فاستفتيت الشيخ في قتله فأفتاني لأنه مؤذ.
(30)
وكان يفتي بلزوم الطلاق الثلاث، فمن طلق ثلاثاً بلفظ واحد فإن الشيخ محمداً رحمه الله يلزمه ويجعل امرأته تبين منه، وسمعته يقول:(إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لما أفتى بأن الطلاق الثلاث في مجلس واحد يعد طلقة واحدة لم يكن يقصد بذلك مخالفة الجمهور الذين يفتون بلزومه، ولكن لانتشار (نكاح التحليل) في زمنه بين المسلمين بسبب أيمان الطلاق هذه، رأى رحمه الله أن مخالفة الجمهور أخف من مفسدة (نكاح التحليل) فأفتى بذلك).
وسمعته يقول إن ابن عباس رضي الله عنه الذي يحتج المخالفون بقوله ورد أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً فاستفتاه فقال: (عصيت ربك وبانت منك امرأتك).
وسمعته يقول: (إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رخمه الله تعالى كان يوافق الجمهور في هذه المسألة، ولم يفت بخلاف ذلك إلا مرة واحدة لما طلق رجل امرأته ثلاثاً وكان له منها أولاد، ورأى أنهم سيفسدهم الافتراق فأفتى بقول شيخ الإسلام ابن تيمية).
(31)
وكنت معه مرة فأتت إليه امرأة من (الخرج) ومعها زوجها وأبوها وأخوها، وهي تطلب الطلاق، فحاول الشيخ الإصلاح بينهما ولكنه لم يستطع، فقال:(وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته)، ففرض الشيخ على الزوجة أن تدفع 3000ريال ويكون خلعاً فوافقت فالتزمت بذلك، فقال للزوج: قل طلقت زوجتي فلانة، فطلقها.
(32)
وحدث أن امرأة قتلت زوجها وقبض عليها واعترفت وحكم عليها القاضي بالقتل، ثم إن أولياء المقتول تنازلوا عن القصاص، فرفض الشيخ تنازلهم، وقال: إن قتلها حرابة لا قصاص لأنها قتلته غيلة فليس للأولياء حق في ذلك، وأمر بقتلها، فقتلت ـ وكنت من الحضور عند قتلها ـ.