الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن علي بن زيد، قال: رآني سعيد بن المسيب وعلي جبة خز، فقال: إنك لجيد الجبة، قلت: وما تغني عني وقد أفسدها علي سالم، فقال سعيد: أصلح قلبك والبس ما شئت.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن هلال، عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما تجارة أعجب إلي من البَزِّ، ما لم يقع فيه أيمان.
(23) سعيد بن المسيب لا تأخذه في الحق لومه لائم:
كان سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى رجلا وقورا له هيبة عند مجالسيه فكان يغلب عليه الجد، ولو نظرت إليه لَخُيِّلَ إليك أنك أمام رجل ممسك بموازين الحق والعدل بين يديه، قد تكفل بحراستها والقيام عليها، مدرك لمدى مسئولية الأمانة التي تحملها، فلا يجامل، ولا يغمض عينيه عن شيء لا يراه صحيحا، فيعلن إنكاره له، غير مبال بما يجره عليه ذلك من أذى، ومن أجل ذلك كانت علاقته بالولاة والحكام علاقة يشوبها التوتر والتربص، لأنه رحمه الله تعالى كان لا تأخذه في الحق لومه لائم، إن وقوف سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى عند الحق وثباته عليه مهما كانت الظروف، أمر مشهور وذائع مما زان تاريخ العلماء العاملين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويؤدون حق الله والأمة، فيما أوتوا من العلم وأمانة الأسوة.
وقد تجلت هذه القاعدة في حياة سيد التابعين في أكثر من موقف ونطق بها لسان حاله في كل لحظة من لحظات أيام عمره المباركة فكان الواثق بالله الذي لا يحابى في الحق أحدا ولا يرده ما يتخمض عن ذلك المنهج من تبعات فهانت عليه نفسه في الله كما قال عمران بن عبد الله: أرى نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي، قال: أن نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب.
ودونك ما تيسر منها ما يلي:
موقف تزويج ابنته من عبد الله بن أبى وداعة:
ومن مواقفه الشهيرة في ذلك قصه تزويج ابنته وقد كان الخليفة عبد الملك بن مروان تقدم لخطبتها لابنه الوليد حين ولاه العهد ويذكر المؤرخون أنه أرسل موكبا كبيرا على رأسه مندوب خاص نزل المسجد ووقف على حلقة سعيد فأبلغه سلام أمير المؤمنين وأنه قدم يخطب إليه ابنته لابنه الوليد ولى العهد وانتظر الناس أن يستبشر سعيد بهذا التشريف الذي ناله ولكنه لم يزد على كلمة لا، وكان لسعيد تلميذ متين الدين والخلق يدعى عبد الله بن أبى وداعة افتقده أياما فلما عاد إليه قال له سعيد: أين كنت فقال توفيت زوجتي فانشغلت بها قال سعيد فهلا أخبرتنا فشهدناها ثم أراد التلميذ أن يقوم فقال سعيد: هل أحدثت امرأة غيرها؟ قال يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال سعيد إن أنا فعلت تفعل؟ قال نعم فأمر بالشهود وكتابة العقد قال ابن أبى وداعة: فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح وصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟ وصليت المغرب. وكنت صائما فقدمت عشائي لأفطر وكان خبزا وزيتا وإذا بالباب يقرع فقلت: من هذا؟
فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم ير منذ أربعين سنه إلا ما بين بيته والمسجد فقمت وخرجت وإذا بسعيد بن المسيب وظننت أنه بدا له فقلت يا أبا محمد هلا أرسلت إلي فأتيتك قال لا أنت أحق أن تزار قلت فما تأمرني قال رأيتك رجلا عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك فإذا هي قائمة خلفه في طوله ثم دفعها في الباب ورد الباب فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم صعدت إلى السطح وناديت الجيران فجاءوني وقالوا ما شأنك قلت زوجني سعيد بن المسيب ابنته وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار فنزلوا إليها وبلغ أمي فجاءت وقالت وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج.
وكان رحمه الله يقول: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكيلا تحبط أعمالكم.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سعيد بن المسيب، قال: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.
وهي نظرة بعيدة الغور تصدر عن إيمان عميق وتجارب اصطلى بنارها، ومعاناةٍ عملية لأخلاق أهل الإيمان التي لم يكن يدع أن يذكر بها رحمه الله ويريد للمسلم أن تكون برقع سلوكه في الحياة. أما وقد أكرمه الله بما أكرمه من العلم والعمل. فلا بدع أن تتفجر ينابيع الحكمة على لسانه.
كلامه بريد لبنى مروان:
عن المطلب بن السائب قال كنت جالسا مع سعيد بن المسيب بالسوق فمر بريد لبنى مروان فقال له سعيد من رسل بنى مروان أنت؟ قال نعم قال فكيف تركتهم؟ قال بخير قال تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب؟ قال فاشرأب الرسول فقمت إليه فلم أزل أرجيه حتى انطلق ثم قلت لسعيد يغفر الله لك تشيط بدمك بالكلمة هكذا تليقها قال اسكت يا أحمق فو الله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
موقفه حينما دُعِيَ للبيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عمران بن عبد الله، قال: دُعِيَ سعيد بن المسيب للبيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان، قال: فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار، قال: فقيل: أدخل من الباب وأخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مائة وألبسه المُسوح.
إنكاره على جابر بن السود:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: كان جابر بن الأسود عامل ابن الزبير على المدينة قد تزوَّج الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه: والله ما ربَّعْتَ على كتاب الله، وإنك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة، وما هي إلا ليال فاصنع ما بدا لك، فسوف يأتيك ما تكره. فما مكث إلا يسيرا حتى قُتِل ابن الزبير.
إنكاره على الحجاج لما كان لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن علي بن زيد بن جدعان، قال: قيل لسعيد بن المسيب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ولا يهيجك ولا يؤذيك، قال: والله لا أدري غير أنه صلى ذات يوم مع أبيه صلاة فجعل لا يتم ركوعها ولا سجودها فأخذت كفاً من حصباء فحصبته بها. قال الحجاج: فما زلت أحسن الصلاة.
موقفه من عبد الملك بن مروان:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عمران بن عبد الله -من أصحاب سعيد بن المسيب: ما علمت فيه لينا. قلت: كان عند سعيد بن المسيب أمر عظيم من بني أمية وسوء سيرتهم، وكان لا يقبل عطاءهم.
وفى سنة إحدى وتسعين هجرية حج الوليد بالناس فلما اقترب من المدينة أمر عامله عليها عمر بن عبد العزيز أشرافها فتلقوه فرحب بهم وأحسن إليهم ودخل المدينة النبوية فأخلى له المسجد النبوى فلم يبق بهد أحد سوى سعيد بن المسيب لم يتجاسر أحد أن يخرجه وعليه ثياب لا تساوى خمسة دراهم فقالوا له تنح عن المسجد أيها الشيخ فإن أمير المؤمنين قادم فقال والله لا أخرج منه فدخل الوليد المسجد فجعل يدور فيه ويصلى ههنا وههنا ويدعو الله عز وجل قال عمر بن عبد العزيز وجعلت أعدل به عن موضع سعيد خشية أن يراه فحانت منه التفاته فقال من هذا؟! أهو سعيد بن المسيب؟ فقلت نعم يا أمير المؤمنين ولو علم أنك قادم لقام إليك وسلم عليك فقال قد علمت بغضه لنا فقلت يا أمير المؤمنين إنه وإنه وشرعت أثنى عليه وشرع الوليد يثنى عليه بالعلم والدين فقلت يا أمير المؤمنين إنه ضعيف البصر _ وإنما قلت ذلك لأعتذر له ـ فقال نحن أحق بالسعي إليه فجاء فوقف عليه فسلم عليه فرد عليه سعيد السلام ولم يقم له ثم قال الوليد كيف الشيخ؟ فقال بخير والحمد لله كيف أمير المؤمنين؟ فقال الوليد بخير والحمد لله وحده ثم انصرف وهو يقول لعمر بن عبد العزيز هذا فقيه الناس فقال أجل يا أمير المؤمنين.
[*] أورد ابن سعد في الطبقات عن ميمون بن مهران، قال: قدم عبد الملك بن مروان المدينة فامتنعت منه القائلة، واستيقظ، فقال لحاجبه: انظر، هل في المسجد أحد من حُدَّاثنا؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيب في حلقته، فقام حث ينظر إليه، ثم غمزه وأشار بأصبعه، ثم ولى، فلم يتحرك سعيد، فقال: لا أراه فطن، فجاء ودنا منه، ثم غمزه وقال: ألم ترني أشير إليك؟ قال: وما حاجتك؟ قال: أجِبْ أمير المؤمنين. فقال: إليّ أرسلك؟ قال: لا، ولكن قال: انظُرْ بعض حداثنا فلم أرَ أحدا أهيأ منك. قال: اذهب فأعلمه أني لست من حُدَّاثه. فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلا مجنونا، وذهب فأخبر عبد الملك، فقال: ذاك سعيد بن المسيب فدعْهُ.