الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: " أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله لي أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز قال: فولت تبكي فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز إن الله تعالى يقول " إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً "
{تنبيه} : ومما يجب اجتنابه في المزح أن لا يأخذ متاع أخيه على سبيل المزاح، وكذلك يحرم عليه أن يروِّع أخيه على سبيل المزح.
(10) مطالعة سير الزاهدين وبخاصة سيرة النبي وأصحابه:
إن الهممَ لَتَخْمُدُ، وإن الرياح لَتَسْكُنُ، وإن النفوس ليعتريها الملل، وينتابها الفتور، وإن سِيَرَ العظماء لمن أعظم ما يُذكي الأُوار، ويبعث الهمم، ويرتقي بالعقول، ويوحي بالاقتداء.
وكم من الناس من أقبل على الجد، وتداعى إلى العمل، وانبعث إلى معالي الأمور، وترقى في مدارج الكمالات _ بسبب حكاية قرأها، أو حادثة رُويت له.
هذا وإن من أعظم المقاصد لرواية تلك السير والتراجم بيانَ الجوانب المشرقة _وما أكثرها_ من سير عظمائنا، والتنويهَ بما لهم من أعمال جليلة، وأياد بيضاء، وإيقاظ الهمم وحفزها، والارتقاء بالأخلاق وتقويم عوجها، وتزويدَ القارئ بشيء من خلاصات التجارب، وقرائح الأفهام وإطلاعه على التطبيق العملي للزهد من خلالهم.
ويتضمن هذا الموضوع ستة محاور رئسية هي:
أولاً: زهد النبي صلى الله عليه وسلم:
ثانياً: نماذج من سير الزاهدين من الصحابة رضوان الله عليهم:
ثالثاً: نماذج من سير الزاهدين من أئمة التابعين رحمهم الله تعالى:
رابعاً: نماذج من سير الزاهدين من أئمة تابعي التابعين رحمهم الله تعالى:
خامساً: نماذج من سير الزاهدين من أئمة الحديث أصحاب الكتب الستة.
سادساً: نماذج من سير الزاهدين من المُجَدِدين المتأخرين:
-
أولاً: مطالعة زهد النبي
صلى الله عليه وسلم:
من طالع حياة النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين علم أنه سيد الزاهدين وإمام العابدين و علم كيف كان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض، وكان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل [ردئ التمر] ما يملأ بطنه.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخيط ثوبه و يخصف نعله و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) من الاشتغال بمهنة الأهل والنفس إرشاداً للتواضع وترك التكبر لأنه مشرف بالوحي والنبوة ومكرم بالمعجزات والرسالة وفيه أن الإمام الأعظم يتولى أموره بنفسه وأنه من دأب الصالحين.
(حديث عائشة رضي الله عنهاالثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفلي ثوبه و يحلب شاته و يخدم نفسه.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(كان يفلي ثوبه) بفتح فسكون من فلى يفلي كرمي يرمي ومن لازم التفلي وجود شيء يؤذي في الجملة كبرغوث وقمل فدعوى أنه لم يكن القمل يؤذيه ولا الذباب يعلوه دفعت بذلك وبعدم الثبوت ومحاولة الجمع بأن ما علق بثبوته من غيره لا منه ردت بأنه نفي أذاه وأذاه غذاؤه من البدن وإذا لم يتغذ لم يعش
(ويحلب شاته ويخدم نفسه) عطف عام على خاص فنكتته الإشارة إلى أنه كان يخدم نفسه عموماً وخصوصاً قال المصري: ويجب حمله على أحيان فقد ثبت أنه كان له خدم فتارة يكون بنفسه وتارة بغيره وتارة بالمشاركة وفيه ندب خدمة الإنسان نفسه وأن ذلك لا يخل بمنصبه وإن جل.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، قال أصحابه وأنت؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط َ لأهل مكة.
[*] قال الإمام ابن حجر في الفتح:
(ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم): قال العلماء الحكمة في إلهام الأنبياء من رعى الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياد من غيرها وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء
(كنت أرعاها على قراريط َ لأهل مكة):يعني كل شاة بقيراط يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
قوتاً: أي شيءٌ يسدُ الرمق.
[*] قال الإمام ابن حجر في الفتح:
قوتاً: أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم الى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا وفيه حجة لمن فضل الكفاف لأنه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال.
(حديث عبد الله بن عمر الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً و قنَّعه الله بما آتاه.
[*] قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
ورُزق كفافاً: الكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقص، وفيه فضيلة هذه الأوصاف:
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً) أي ما يكف عن الحاجات، ويدفع الضرورات والفاقات، ولا يلحقه بأهل الترفهات. قال القاضي: الفلاح الفوز بالبغية
(وقنعه اللّه بما آتاه) بمد الهمزة أي جعله قانعاً بما أعطاه إياه ولم يطلب الزياد لمعرفته أن رزقه مقسوم لن يعدو ما قدر له والفلاح الفوز بالبغية في الدارين والحديث قد جمع بينهما والمراد بالرزق الحلال منه فإن المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح المرزوق وأثبت له الفلاح وذكر الأمرين وقيد الثاني بقنع أي رزق كفافاً وقنعه اللّه بالكفاف فلم يطلب الزيادة وأطلق الأوّل ليشمل جميع ما يتناوله الإسلام ذكره الطيبي وصاحب هذه الحالة معدود من الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر على القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقراء إلا السلامة من قهر الرجال وذل المسألة.
(حديث عبيد الله بن محصن الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوتُ يومه فكأنما حيزت له الدنيا.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(من أصبح منكم آمنا في سربه) بكسر السين على الأشهر أي في نفسه وروي بفتحها أي في مسلكه وقيل بفتحتين أي في بيته
(معافى في جسده) أي صحيحاً بدنه
(عنده قوت يومه) أي غذاؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك، يعني من جمع اللّه له بين عافية بدنه وأمن قلبه حيث توجه وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله فقد جمع اللّه له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها بأن يصرفها في طاعة المنعم لا في معصية ولا يفتر عن ذكره
(فكأنما حيزت) بكسر المهملة
(له الدنيا) أي ضمت وجمعت
(بحذافيرها) أي بجوانبها أي فكأنما أعطي الدنيا بأسرها، ومن ثم قال نفطويه: إذا ما كساك الدهر ثوب مصحة * ولم يخل من قوت يحلى ويعذب فلا تغبطن المترفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب وقال: إذا القوت يأتي لك والصحة والأمن * وأصبحت أخا حزن فلا فارقك الحزن وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى.
وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربط الحجر على بطنه من الغرث.
الغرث: الجوع
، ويمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار، طعامهم الأسودان: التمر والماء
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) أنها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت: يا خالة، ما كان يُعَيِّشُكُم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا.
[*] قال الإمام ابن حجر في الفتح:
إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين: المراد بالهلال الثالث هلال الشهر الثالث وهو يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث.
وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار: لا يوقد في شيء من بيوته نار لا لخبز ولا لطبخ.
ما كان يُعَيِّشُكُم؟ بضم أوله يقال أعاشه الله أي أعطاه العيش.
الأسودان التمر والماء: قال الصغاني الاسودان يطلق على التمر والماء والسواد للتمر دون الماء فنعتا بنعت واحد تغليبا وإذا اقترن الشيئان سميا باسم أشهرهما.
منائح: جمع منيحة بنون وحاء مهملة
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً، ولا شاة مسموطة حتى لقي الله.
[*] قال الحافظ بن حجر في الفتح:
ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً: وأكل المرقق إنما هو لدفع طيبات الدنيا اختيارا لطيبات الحياة الدائمة.
ولا شاة مسموطة: المسموط الذي ازيل شعره بالماء المسخن وشوى بجلده أو يطبخ وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري وهو من فعل المترفين من وجهين أحدهما المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه وثانيهما أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سُكُرُّجَةٍ قطُّ، ولا خُبِزَ له مرقَّق قطُّ، ولا أكل على خِوَان قطُّ. قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السُّفَر.
[*] قال صاحب تحفة الأحوذي:
(سُكُرُّجَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْكَافِ وَالرَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ إِنَاءٌ صَغِيرٌ يُؤْكَلُ فِيهِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنَ الْأُدْمِ وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ، وَأَكْثَرُ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْكَوَامِخُ وَنَحْوُهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: تَرْكُهُ الْأَكْلَ فِي السُّكُرُّجَةِ إِمَّا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ تُصْنَعُ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ أَوِ اسْتِصْغَارًا لَهَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُعَدُّ لِوَضْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَلَمْ يَكُونُوا غَالِبًا يَشْبَعُونَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ بِالْهَضْمِ انْتَهَى.
(عَلَى خِوَانٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُضَمُّ أَيْ مَائِدَةٍ.
وكان يقول: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم لا عيش الا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار).
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم) قالت: إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف.
[*] قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
وفي الحديث ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها وشهواتها وفاخر لباسها ونحوه واجتزائه بما يحصل به أدنى التجزية في ذلك كله، وفيه الندب للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا وغيره.
[*] وقال صاحب تحفة الأحوذي:
وَالْأَدَمُ بِفَتْحَتَيْنِ: اسْمٌ لِجَمْعِ الْأَدِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ
(حَشْوُهُ لِيفٌ): قَالَ فِي الْقَامُوسِ: لِيفُ النَّخْلِ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ لِيفٌ بِالْكَسْرِ يوست درخت خرما. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْفِرَاشِ،، وَالْوِسَادَةِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهَا وَالِارْتِفَاقِ بِهَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ. قَالَ الْقَارِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ بِالِاسْتِحْبَابِ لِمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهِ عليه السلام، وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ الَّتِي قُصِدَتْ بِالنَّوْمِ لِلْقِيَامِ عَلَى النَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
[*] قال صاحب تحفة الأحوذي:
(فَقَامَ) أَيْ عَنِ النَّوْمِ
(وَقَدْ أَثَّرَ) أَيْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ
(لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً) بِكَسْرِ الجزء السابع الْوَاوِ وَفَتْحِهَا كَكِتَابٍ وَسَحَابٍ أَيْ فِرَاشًا وَكَلِمَةُ (لَوْ) تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّمَنِّي وَأَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ بِسَاطًا حَسَنًا وَفِرَاشًا لَيِّنًا لَكَانَ أَحْسَنَ مِنَ اضْطِجَاعِكَ عَلَى هَذَا الْحَصِيرِ الْخَشِنِ
(مَالِي وَلِلدُّنْيَا) قَالَ الْقَارِي: مَا نَافِيَةٌ أَيْ لَيْسَ لِي أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعَ الدُّنْيَا وَلَا لِلدُّنْيَا أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعِي حَتَّى أَرْغَبَ إِلَيْهَا، وَأَنْبَسِطُ عَلَيْهَا وَأَجْمَعُ مَا فِيهَا وَلَذَّتِهَا أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: أَيُّ أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ لِي مَعَ الدُّنْيَا أَوْ أَيُّ شَيْءٍ لِي مَعَ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا أَوْ مَيْلِهَا إِلَيَّ فَإِنِّي طَالِبُ الْآخِرَةِ وَهِيَ ضَرَّتُهَا الْمُضَادَّةُ لَهَا. قَالَ وَاللَّامُ فِي لِلدُّنْيَا مُقْحَمَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِنْ كَانَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَإِنْ كَانَ لِلْعَطْفِ فَالتَّقْدِيرُ مَالِي مَعَ الدُّنْيَا وَمَا لِلدُّنْيَا مَعِي
({اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا} (1)) وَجْهُ التَّشْبِيهِ سُرْعَةُ الرَّحِيلِ وَقِلَّةُ الْمُكْثِ وَمِنْ ثَمَّ خَصَّ الرَّاكِبَ.
(حديث أبي بردة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال * دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التي يسمونها الملبدة قال فأقسمت بالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين.
[*] قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
الملبدة: قال العلماء الملبد بفتح الباء وهو المرقع، يقال: لبدت القميص ألبده بالتخفيف فيهما، ولبدته ألبده بالتشديد، وقيل هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد.
(1) - سنن أبي داود اللباس (4104).
(حديث عمرو بن الحارث رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن عندي مثلَ أحدٍ ذهباٍ ما يسرني أن لا يمَّر عليَّ ثلاث وعندي منه شيءٌ إلا شيءٌ أرْصُدُه لدين)
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير.
(لو أن عندي مثلَ أحدٍ) أي جبل أحد
(ذهباً) بالنصب على التمييز قال ابن مالك بوقوع التمييز بعد مثل قليل وجواب لو
(ما يسرني) من السرور بمعنى الفرح
(أن لا يمر عليَّ) بالتشديد
(ثلاث) من الليالي ويجوز الأيام بتكلف
(وعندي منه شيء) أي من الذهب، وفي التقييد بثلاث مبالغة في سرعة الإنفاق
(إلا شيء أرصده) بضم الهمزة وكسر الصاد أعدَّه
(لدين) أي أحفظه لأداء دين لأنه مقدم على الصدقة واستثنى الشيء من الشيء لكون الثاني مقيداً خاصاً ورفعه لكونه جواب لو في حكم النفي وجعل لو هنا للتمني متعقب بالرد وخص الذهب بضرب المثل لكونه أشرف المعادن وأعظم حائل بين الخليقة وبين فوزها الأكبر يوم معادها وأعظم شيء عصى اللّه به وله قطعت الأرحام وأريقت الدماء واستحلت المحارم ووقع التظالم وهو المرغب في الدنيا المزهد في الآخرة وكم أميت به من حق وأحيي به من باطل ونصر به ظالم وقهر به مظلوم فمن سره أن لا يكون عنده منه شيء فقد آثر الآخرة.
{تنبيه} : كان النبي يوصي أصحابه دائماً وأبداً إلى الزهد في الدنيا وعدم المبالغة في الاهتمام بما هو من ضرورياتها كالمسكن مثلا وتأمل في الحديث الآتي بعين الاعتبار:
(حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال: مَرَّ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحن نعالج خصا لنا وَهَى، فقال:"" ما هذا؟ "" فقلنا: خصٌ لنا وَهَى فنحن نصلحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"" ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك.
نعالج خصا لنا: الخص: بيت يعمل من الخشب والقصب.
وَهَى: بفتح الواو والهاء: أي خرب أو كاد.
ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك:
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(ما أرى الأمر) يعني الموت