الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث جابر رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: غزونا جيش الخَبَطِ، وأميرنا أبو عبيدة، فجعنا جوعاً شديداً، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم يُرَ مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظماً من عظامه، فمر الراكب تحته.
(3) مكانته بين الصحابة:
كان لأبي عبيدة مكانة عظيمة عند الصحابة رضي الله عنهم فكانوا يُجلونه ويقدرونه أيما تقدير لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له أنه أمين هذه الأمة وهاك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في ذلك:
قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء:
[*] ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة وحرب مسيلمة الكذاب جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة ونصر الله المؤمنين فجاءت البشرى والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة فِحْل ووقعة مرج الصُّفَّر وكان قد سير أبو بكر خالدا لغزو العراق ثم بعث إليه لجند الشام، فقطع المفاوز حتى برية السماوة، فأمَّره الصديق على الأمراء كلهم وحاصروا دمشق وتُوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد، - وهذا الذي تبناه عمر دائماً أنه يعزل خالد بن الوليد ولكنه عاتب نفسه بعد ذلك حتى أنه بكى وقال رحم الله أبا بكر كان يعرف الرجال عني -، واستعمل على الكل أبا عبيدة فجاءه التقليد فكتمه مدة وكل هذا من دينه وحلمه - يعني عمر بن الخطاب عزل خالد وأمَّر أبا عبيدة ولكن أبو عبيدة حتى لا يفشل الجند وحتى لا تكون المسألة هوى في نفسه وأنه الأمير ويأتمرون بأمره ترك الكتاب جانبا نحا الكتاب جانبا وجعل الإمارة كما هي حتى انتهت المعركة فأبلغ خالد بما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -. فكتم هذا الكتاب وكل هذا من دينه ولينه وحلمه وتواضعه وزهده وايثاره الخمول وإنكار الذات، فكان فتح دمشق على يده فعند ذلك أظهر التقليد ليعقد الصلح للروم ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح فعن المغيرة أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك، التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقُتِلَ منهم خلق عظيم. وتُوفي أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه ونسأل الله جل في علاه أن يجمعنا به في جنات ونهر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
وذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شئون عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة ..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع ..
وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام ..
ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر ..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت إلا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة" ..
[*] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في مرض موته: لو كان أبو عبيدة حيا لوليته عليكم أو لاستخلفته عليكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح.
وقال أيضاً وهو يجود بأنفاسه:
" لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله" .. ؟؟
[*] قال بن المبارك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: بلغ عمر أن أبا عبيدة حُصِرَ في الشام ونال منه العدو فكتب إليه عمر: أما بعد فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً وإنه لا يغلب عسر يسرين يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)، قال فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد فإن الله يقول (اعْلَمُوَاْ أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الَاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد: 20] قال فخرج عمر بكتابه فقرأه على المنبر فقال يا أهل المدينة إنما يُعرِّض بكم أبو عبيدة أو بي، راغبوا في الجهاد. كأنه يبين أن هذه الدنيا التي تمسكتم بها هي زائلة انفروا ثبات أو انفروا جميعا انفروا أو استحقوا العذاب، فلذلك عمر بن الخطاب يأخذ منه هذا " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو " فقال إما يُعرِّض بي أو يُعرِّض بكم اخرجوا إلى الجهاد.
[*] أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء عن طارق أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون إنه قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك فيها فعجل إلي فلما قرأ الكتاب قال عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق فكتب إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك فإني في جند من أجناد المسلمين لا أرغب بنفسي عنهم فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقيل له مات أبو عبيدة قال لا وكأن قد قال فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند فلم يبق منهم إلا ستة آلاف رجل.
سبحان الله - هو عمر كان يحب جداً أبا عبيدة بن الجراح وكان يرى فيه أمانة الأمة كلها مجتمعة في هذا الرجل فلما علم أن الطاعون نزل بأرض الشام علم أنه لابد أن يهلك والأمة تحتاج لمثله فانظروا إلى فقه عمر ثم انظروا إلى ما أروع من ذلك فقه أبي عبيدة بن الجراح، عمر بن الخطاب لما علم أن الطاعون قد نزل في الأرض التي فيها أبو عبيدة قال: إني قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك - يعني أريدك أن تأتي حتى يُنقذه الله من الطاعون - وهذا كان خلاف السنة كما في الحديث الآتي:
(حديث أسامة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطاعون رجس، أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو: على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).
فلما قرأ هذا الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ، فكتب: إني قد عرفت حاجتك فحلّلِني من عزيمتك - يعني أنا في حلٍّ من أمرك - فإني في جند من أجناد المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقيل له مات أبو عبيدة؟ قال: لا وكأن قد، قال فتُوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون.
[*] قال عمر لبعض جلسائه تمنوا فتمنوا كل واحد أمنية - وانظروا كيف تمنى عمر بن الخطاب ما يتمنى لنفسه ولا لشخصه يتمنى لله يتمنى لنفع هذه الأمة - قال: تمنوا، فتمنوا، فقال عمر: لكني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح. الأمة كلها تفوز وتنتصر بمثل وجود أبي عبيدة بن الجراح.
وكان أبو بكر رضي الله وأرضاه أمَّر أبا عبيدة بيت المال لأمانته ولقول النبي صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح.