الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي يوم من الأيام خرج إبراهيم ابن ادهم راكبًا فرسه، وكلبه معه، وأخذ يبحث عن فريسة يصطادها، وكان إبراهيم يحب الصيد، وبينما هو كذلك إذ سمع نداء من خلفه يقول له:(يا إبراهيم ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت) فوقف ينظر يمينه وشماله، ويبحث عن مصدر هذا الصوت فلم ير أحدًا، فأوقف فرسه ثم قال: والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن يونس البلخي قال كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه إذا هو بصوت من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث " (أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون:115] " اتق الله عليك بالزاد ليوم الفاقة فنزل عن دابته ورفض الدنيا.
ورجع إبراهيم بن أدهم إلى أهله، فترك حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلاد الله الواسعة ليطلب العلم، وليعيش حياة الزهد والورع والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يكن إبراهيم متواكلاً يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره، بل كان يأكل من عمل يده، ويعمل أجيرًا عند أصحاب المزارع، يحصد لهم الزروع، ويقطف لهم الثمار ويطحن الغلال، ويحمل الأحمال على كتفيه، وكان نشيطًا في عمله، يحكي عنه أنه حصد في يوم من الأيام ما يحصده عشرة رجال، وفي أثناء حصاده كان ينشد قائلا: اتَّخِذِ اللَّه صاحبًا
…
ودَعِ النَّاسَ جانبا.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن علي بن بكار قال: كان إبراهيم من بني عجل كريم الحسب وإذا حصد ارتجز وقال * اتخذ الله صا حبا ودع الناس جانبا * وكان يلبس فروا بلا قميص وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم إزار ورداء ويصوم في الحضر والسفر ولا ينام الليل وكان يتفكر ويقبض أصحابه أجرته فلا يمسها بيده ويقول كلوا بها شهواتكم وكان ينطر وكان يطحن بيد واحدة مدين من قمح.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة فأخذ أجرته دينارا.
[*]
مناقب إبراهيم بن أدهم رحمه الله:
كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله من أئمة تابعي التابعين، من أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، الأضواء اللامعة والنجوم الساطعة.
وهاك غَيْضٍ من فيض ونقطةٍ من بحر مما ورد في مناقبه جملةً وتفصيلا رحمه الله تعالى:
أولاً مناقب إبراهيم بن أدهم جملةً رحمه الله:
(1)
ثناء العلماء على إبراهيم بن أدهم رحمه الله:
(2)
يقين إبراهيم بن أدهم بالله تعالى:
(3)
تواضع إبراهيم بن أدهم بالله تعالى:
(4)
زهد إبراهيم بن أدهم بالله تعالى وصبره:
(5)
خشية إبراهيم بن أدهم لله تعالى:
(6)
إيثار إبراهيم بن أدهم للخمول ونكران الذات:
(7)
من دُررِ مواعظ إبراهيم بن أدهم:
(8)
دعوة إبراهيم بن أدهم إلى الخروج من المظالم:
(9)
عظيم تحري إبراهيم بن أدهم لأكل الحلال:
(10)
ما حصل لإبراهيم بن أدهم من كرامات الأولياء:
(11)
تحذير إبراهيم بن أدهم من علماء السوء:
(12)
مَقْتُ إبراهيم بن أدهم لنفسه في جنب الله:
(13)
حسن بيان إبراهيم بن أدهم لأسباب موت القلوب:
(14)
جود إبراهيم بن أدهم وسخاؤه:
(15)
كان إبراهيم بن أدهم مستجاب الدعوة رحمه الله:
ثانياً مناقب إبراهيم بن أدهم تفصيلا رحمه الله:
(1)
ثناء العلماء على إبراهيم بن أدهم رحمه الله:
[*] قال عنه الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء:
ومنهم الحازم الأحرم، والعازم الألزم، أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم أيد بالمعارف فوجد، وأمد بالملاطف فعبد، كان عن المقطوع والمرذول وبالمرفوع الموصول متشاغلاً، كان شرع الرسول نهجه، واختياره عليه السلام مرجعه ألف الميمون الموصول، وخالف المفتون المخذول.
[*] وقال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء:
إبراهيم بن أدهم ابن منصور بن يزيد بن جابر القدوة الإمام العارف سيد الزهاد أبو إسحق العجلي وقيل التميمي الخراساني البلخي نزيل الشام.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم يقول: كان أدهم رجلاً صالحاً فولد إبراهيم بمكة فرفعه في خرقة وجعل يتتبع أولئك العباد والزهاد ويقول: ادعوا الله له، يرى أنه قد استجيب لبعضهم فيه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبي إسحاق الفزاري، قال: كان إبراهيم بن أدهم في شهر رمضان يحصد الزرع بالنهار ويصلي بالليل، فمكث ثلاثين يوماً لا ينام بالليل ولا بالنهار.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن مخلد بن الحسين، قال: ما أنتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله فأغتم، ثم أتعزى بهذه الآية:(ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ)[الحديد:21]، [الجمعة:4]
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبي سليمان الدارأني، قال: صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم يقول: رأني محمد بن عجلان فاستقبل القبلة ثم سجد، فقال: أتدري لم سجدت؟ سجدت شكرا لله تعالى حيث رأيتك.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن النسائي قال: هو ثقة مأمون أحد الزهاد.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن خلف بن تميم قال: سمعت إبراهيم يقول رآني ابن عجلان فاستقبل القبلة ساجدا وقال سجدت لله شكرا حين رأيتك.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن بن مهدي قال: قلت لابن المبارك إبراهيم بن أدهم ممن سمع قال قد سمع من الناس وله فضل في نفسه صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير ولا أكل مع قوم قط إلا كان آخر من يرفع يده.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي نعيم سمعت سفيان الثوري يقول كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل ولو كان في الصحابة لكان رجلا فاضلا.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن بشر الحافي قال: ما أعرف عالما إلا وقد أكل بدينه إلا وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط وسلم الخواص.
(2)
يقين إبراهيم بن أدهم بالله تعالى:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم، قال: أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة وليس معنا شيء نفطر عليه ولا بنا حيلة، فرآني مغتماً حزيناً، فقال: يا إبراهيم بن بشار ماذا أنعم الله تعالى على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة في الدنيا والآخرة، لا يسألهم الله يوم القيامة عن زكاة، ولا عن حج، ولا عن صدقة، ولا عن صلة رحم، ولا عن مواساة، وإنما يسأل ويحاسب عن هذا هؤلاء المساكين أغنياء في الدنيا فقراء في الآخرة، أعزة في الدنيا أذلة يوم القيامة، لا تغتم ولا تحزن فرزق الله مضمون سيأتيك، نحن والله الملوك الأغنياء، نحن الذين قد تعجلنا الراحة في الدنيا، لا نبالي على أي حال أصبحنا وأمسينا، إذ أطعنا الله عز وجل، ثم قام إلى صلاته وقمت إلى صلاتي فما لبثنا إلا ساعة إذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير فوضعه بين أيدينا وقال: كلوا رحمكم الله، قال: فسلم وقال: كل يا مغموم، فدخل سائل فقال: أطعموني شيئاً، فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر فدفعه إليه وأعطاني ثلاثة وأكل رغيفين، وقال: المواساة من أخلاق المؤمنين.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن خلف بن تميم، قال: كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر له فأتاه الناس، فقالوا: أن الأسد قد وقف على طريقنا، قال: فأتاه، فقال: يا أبا الحارث، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإن لم تكن أمرت فينا بشيء فتنح عن طريقنا، قال: فمضى وهو يهمهم، فقال لنا إبراهيم ابن أدهم: وما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا ولا تهلكنا وأنت الرجاء، قال إبراهيم: أني لأقولها على ثيابي ونفقتي فما فقدت منها شيئاً.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عطاء بن مسلم قال: سمعت رجلا من أصحاب إبراهيم بن أدهم يقول: خرجنا إلى الجبل فاكترأنا قوم نقطع الخشب يهبون منه القصالح والأقداح، فبينما إبراهيم يصلي إذ أقبل السبع فإنصدع الناس فدنوت منه فقلت: الأ ترى ما الناس فيه؟ قال: وما لهم? قلت: هذا السبع خلف ظهرك، فالتفت إليه فقال: يا خبيث وراءك، ثم قال: الأ قلتم حين نزلتم: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا تهلكنا وأنت ثقتنا ورجاؤنا.
(3)
تواضع إبراهيم بن أدهم بالله تعالى:
كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى شديد التواضع، محذراً من الكبر والعجب والعياذ بالله تعالى.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار الرطابي، قال: بينا أنا وإبراهيم بن أدهم وأبو يوسف الغسولي وأبو عبد الله السخاوي ونحن متوجهون نريد الاسكندرية فصرنا إلى نهر يقال له نهر الأردن فقعدنا نستريح فقرب أبو يوسف الغسولي فقرب أبو يوسف الغسولي كسيرات يابسات فأكلنا وحمدنا وحمدنا الله تعالى، وقام أحدنا ليسقى إبراهيم فسارعه فدخل النهر حتى بلغ الماء ركبتيه ثم قال بسم الله فشرب، ثم قال: الحمد لله ثم يبدأ ثانية فقال بسم الله، ثم شرب ثم قال الحمد لله ثم خرج، فمد رحليه ثم قال: يا أبا يوسف: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم إذا لجالدونا على ما نحن فيه بأسيافهم أيام الحياة على ما نحن فيه من لذة العيش وقلة التعب، زاد جعفر فقلت له: يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم فتبسم ثم قال: من أين لك هذا الكلام؟.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن أدهم إياكم والكبر، إياكم والأعجاب بالأعمال، أنظروا إلى من دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، من ذلل نفسه رفعه مولاه، ومن خضع له أعزه، ومن اتقاه وقاه،، ومن أقبل إليه أرضاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره جازاه فينبغي للعبد أن يزن نفسه قبل أن يوزن، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويتزين ويتهيأ للعرض على الله العلي الأكبر.
(4)
زهد إبراهيم بن أدهم بالله تعالى وصبره:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار قال: ما رأيت في جميع من لقيته من العباد والعلماء والصالحين والزهاد أحداً يبغض الدنيا ولا ينظر إليها مثل إبراهيم بن أدهم، ربما مررنا على قوم قد هدموا حائطا أو دارا أو حانوتا فيحول وجهه ولا يملأ عينيه من النظر إليه، فعاتبته على ذلك، فقال: يا ابن بشار اقرأ ما قال الله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[الملك: 2] و لم يقل أيكم أحسن عمارة للدنيا وأكثر حبا وذخرا وجمعا لها، ثم بكى وقال: صدق الله عز اسمه فيما يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56] و لم يقل وما خلقت الجن والأنس إلا ليعمروا الدنيا ويجمعوا الأموال، ويبنوا الدور ويشيدوا القصور ويتلذذوا ويتفكهوا، ويجعل يومه أجمع يردد ذلك ويقول:(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام: 90]. قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلَاةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ)[البينة: 5] وسمعته يقول: قد رضينا من أعمالنا بالمعاني، ومن التوبة بالتواني، ومن العيش الباقي بالعيش الفاني. وكان يقول: إياكم والكبر، إياكم والأعجاب بالأعمال، أنظروا إلى من دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، من ذلل نفسه رفعه مولاه، ومن خضع له أعزه، ومن اتقاه وقاه،، ومن أقبل إليه أرضاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره جازاه فينبغي للعبد أن يزن نفسه قبل أن يوزن، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويتزين ويتهيأ للعرض على الله العلي الأكبر. قال: وسمعت إبراهيم يقول: اشغلوا قلوبكم بالخوف من الله، وأبدانكم بالدأب في طاعة الله، ووجوهكم بالحياء من الله، وألسنتكم بذكر الله، وغضوا أبصاركم عن محارم الله، فإن الله تعالى أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يا محمد كل ساعة تذكرني فيها فهي لك مذحورة، والساعة التي لا تذكرني فيها فليست لك، وهي عليك لا لك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم: أقرب الزهاد من الله عز وجل أشدهم خوفا، وأحب الزهاد إلى الله أحسنهم له عملا، وأفضل الزهاد عند الله أعظمهم فيما عنده رغبة، وأكرم الزهاد عليه أتقاهم له، وأتم الزهاد زهدا أسخاهم نفسا وأسلمهم صدرا، وأكمل الزهاد زهدا أكثرهم يقينا.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: الزاهد يكتفي من الأحاديث والقال والقيل وما كان وما يكون بقول الله تعالى: (لأيّ يَوْمٍ أُجّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ)[المرسلات 12: 15]. يوم يقال: (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىَ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)[الإسراء: 14]. قال إبراهيم: فبلغني أن الحسن قال في قوله: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. لكل آدمي قلادة فيها نسخة عمله، فإذا مات طويت وقلدها، فإذا بعث نشرت. وقيل: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً.
لمن هذه الظبية؟ يعني الجراب قالوا لأخيك إبراهيم بن أدهم فقال سفيان: لعل فيه شيئاً من فاكهة الشام، قال: فأنزله فحلة فإذا هو محشو بالطين، فشد الجراب ورده إلى الوتد، وخرج سفيان فرجع إبراهيم وأخبره عبد العزيز بفعل سفيان فقال: أما إنه طعامي منذ شهر.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عطاء بن مسلم قال: ضاعت نفقة إبراهيم بن أدهم بمكة فمكث خمسة عشر يوماً يستف الرمل.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إسحاق الفزاري. قال: أخبرني إبراهيم بن أدهم أنه أصابته مجاعة فمكث أياماً يبل الرمل بالماء فيأكله.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف، فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن عيسى بن حازم قال: كنت مع إبراهيم بن أدهم بمكة إذا لقيه قوم قالوا: آجرك الله، مات أبوك. قال: مات؟ قالوا: نعم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون رحمه الله، قالوا: قد أوصى إليك وقد ضجر العامل جمع ما خلف، قال: فسبقهم إلى البلد فأتى العامل، فقال: أنا ابن الميت، فقال: ومن يعلم؟ قال: السلام عليكم، وخرج يريد مكة، فقال الناس للعامل: هذا إبراهيم بن أدهم، ألحقه لا تكون أغضبته فيدعو عليك، فلحقه وقال: ارجع واجعلني في حل، ما عرفتك، قال: قد جعلتك في حل من قبل أن تقول لي، فرجع وأنفذ وصايا أبيه، وقسم نصيبه على الورثة، وخرج راجعاً إلى مكة.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ضمرة قال: سمعت ابن ادهم قال أخاف أن لا أؤجر في تركي أطايب الطعام لأني لا أشتهيه وكان إذا جلس على طعام طيب قدم إلى أصحابه وقنع بالخبز والزيتون.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن سفيان بن عيينة قال قيل لإبراهيم ابن أدم لو تزوجت قال لو أمكنني أن أطلق نفسي لفعلت.
(5)
خشية إبراهيم بن أدهم لله تعالى:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم، يقول هذا ويتمثل به إذا خلا في جوف الليل بصوت حزين موجع للقلوب:
ومتى أنت صغيراً وكبيراً أخو علل فمتى ينقضي الردى ومتى ويحك العمل ثم يقول: يا نفس إياك والغرة با لله، فقد قال الصادق:(فَلَا تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلَا يَغُرّنّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: 5]
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: الهوى يردى وخوف الله يشفي، واعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم أنه يراك.
(6)
إيثار إبراهيم بن أدهم للخمول ونكران الذات:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن بن مهدي عن طالوت سمعت إبراهيم بن أدهم يقول ما صدق الله عبد أحب الشهرة.
قال الذهبي رحمه الله: قلت علامة المخلص الذي قد يحب شهرة ولا يشعر بها أنه إذا عوتب في ذلك لا يحرد ولا يبرىء نفسه بل يعترف ويقول رحم الله من أهدى إلي عيوبي ولا يكن معجبا بنفسه لا يشعر بعيوبها بل لا يشعر أنه لا يشعر فإن هذا داء مزمن.
(7)
من دُررِ مواعظ إبراهيم بن أدهم:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم أن عمر بن الخطاب قال: لؤم بالرجل أن يرفع يده من الطعام قبل أصحابه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يعلى بن عبيد، قال: دخل إبراهيم بن أدهم على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال: كيف شأنكم يا أبا إسحاق؟ قال: يا أمير المؤمنين:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبي عمير عن ضمرة، قال: دخل إبراهيم بن أدهم على بعض الولاة، فقال له: مم معيشتك؟ قال:
نرقع دنيأنا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فقال: أخرجوه فقد استقتل.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار، قال: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتم الورع؟ قال: بتسوية كل الخلق من قلبك واشتغالك عن عيوبهم بذنبك وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك يثبت الورع في قلبك، واحسم الطمع الأ من ربك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظا ومعافى من أذاها.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز، قال لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين أن أقواما غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء، فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله علينا متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: حب لقاء الناس من حب الدنيا، وتركهم من ترك الدنيا.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سهل بن هاشم، قال: قال لنا إبراهيم ابن أدهم: أقلوا من الإخوان والأخلاء.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: لم يصدق الله من أحب الشهرة.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار قال: اجتمعنا ذات يوم في مسجد فما منا أحد إلا تكلم، إلا إبراهيم بن أدهم فإنه ساكت، فقلت: لم لا تتكلم؟ فقال: الكلام يظهر حمق الأحمق، وعقل العاقل، فقلت: لا نتكلم إذا كان هكذا الكلام، فقال: إذا اغتممت بالسكوت فتذكر سلامتك من زلل اللسان.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم، قال: مَنَّ الله عليكم بالإسلام فأخرجكم من الشقاء إلى السعادة، ومن الشدة إلى الرخاء، ومن الظلمات إلى الضياء، فشبتم نعمه عليكم بالكفران، وَمَررْتُم بالخطأ حلاوة الإيمان، وزهدتم بالذنوب عرى الإيمان، وهدمتم الطاعة بالعصيان، وإنما تمرون بمراصد الآفات، وتمضون على جسور الهلكات، وتبنون على قناطر الزلات، وتحصنون بمحاصن الشبهات، فبالله تغترون، وعليه تجترئون، ولأنفسكم تخدعون، و لله لا تراقبون، فإنا لله وأنا إليه راجعون.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم: إنما زهد الزاهدون في الدنيا اتقاء أن يشاركوا الحمقى والجهال في جهلهم.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم يقول: كثرة النظر إلى الباطل تذهب بمعرفة الحق من القلب.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم، قال: أن الله تعالى بالمسافر لرحيم، وأن الله تعالى لينظر إلى المسافر كل يوم نظرات، وأقرب ما يكون المسافر من ربه إذا فارق أهله.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم، قال: أول ما كلم الله تعالى آدم عليه السلام قال: أوصيك بأربع، أن لقيتني بهذه أدخلتك الجنة، ومن لقيني بهذه من ولدك أدخلته الجنة، واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بيني وبينك وبين الناس. فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك فما عملت من عمل وفيتك إياه، وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء ومني الأجابة، وأما التي بيني وبينك وبين الناس فما كرهت لنفسك فلا تأته إلى غيرك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم يقول: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك، ذم مولانا الدنيا فمدحناها، وأبغضها فأحببناها، وزهدنا فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها، وعدكم خراب الدنيا فحصنتموها، ونهيتم عن طلبها فطلبتموها، وأنذركم الكنوز فكنزتموها دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها، فأجبتم مسرعين مناديها، خدعتكم بغرورها ومنتكم، فأنفذتم خاضعين لأمنيتها تتمرغون في زهواتها، وتتمتعون في لذاتها، وتتقلبون في شهواتها، وتتلوثون بتبعاتها، تنشبون بمخالب الحرص عن خزائنها، وتحفرون بمعاول الطمع في معادنها، وتبنون بالغفلة في أماكنها وتحصنون بالجهل في مساكنها، تريدون أن تجاوروا الله في داره، وتحطوا رحالكم بقربه، بين أوليائه وأصفيائه، وأهل ولايته، وأنتم غرقى في بحار الدنيا حيارى، ترتعون في زهواتها، وتتمتعون في لذاتها، وتتنافسون في غمراتها، فمن جَمْعِها ما تشبعون، ومن التنافس فيها ما تَمِلُّون، كذبتم و الله أنفسكم وغرتكم ومنتكم الأماني، وعللتكم بالتواني، حتى لا تعطوا اليقين من قلوبكم، والصدق من نياتكم، وتتنصلون إليه من مساوىء ذنوبكم وتعصوه في بقية أعماركم، أما سمعتم الله تعالى يقول في محكم كتابه:(أَمْ نَجْعَلُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتّقِينَ كَالْفُجّارِ)[ص: 28]. لا تنال جنته إلا بطاعته، ولا تنال ولايته إلا بمحبته، ولا تنال مرضاته إلا بترك معصيته، فإن الله تعالى قد أعد المغفرة للأوابين، وأعد الرحمة للتوابين، وأعد الجنة للخائفين، وأعد الحور للمطيعين، وأعد رؤيته للمشتاقين، قال تعالى:(وَإِنّي لَغَفّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمّ اهْتَدَىَ)[طه: 82]. من طريق العمى إلى طريق الهدى.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: أنك إذا أدمت النظر في مرآة التوبة بأن لك شين قبح المعصية.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم ابن أدهم، قال: كان يقال ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم، إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: لقيت عابداً من العباد قيل أنه لا ينام الليل، فقلت له: لم لا تنام؟ فقال لي: منعتني عجائب القرآن أن أنام.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم: أطب مطعمك ولا عليك أن لا تقوم بالليل وتصوم بالنهار.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: والله ما الحياة بثقة فيرجى يومها، ولا المنية تغدر فيؤمن غدرها، ففيم التفريط والتقصير والاتكال والتأخير والأبياء؟ وأمر الله جد.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: على القلب ثلاثة أغطية، الفرح والحزن والسرور، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، والحريص محروم، وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك كله قوله تعالى:(لّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّهُ لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[الحديد: 23]
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: خالفتم الله فيما أنذر وحذر، وعصيتموه فيما نهى وأمر، وكذبتموه فيما وعد وبشر وكفرتموه فيما أنعم وقدر، وإنما تحصدون ما تزرعون، وتجنون ما تغرسون، وتكافئون بما تفعلون، وتجزون بما تعملون، فاعلموا إن كنتم تعقلون، وانتهوا من وسن رقدتكم لعلكم تفلحون، قال: وسمعته يقول: الله الله في هذه الأرواح والأبدان الضعيفة، الحذر الحذر، الجد الجد، كونوا على حياء من الله، فو الله لقد ستر وأمهل، وجاد فأحسن، حتى كأنه قد غفر كرما منه لخلقه. قال: وسمعت إبراهيم يقول: قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث كثرة الغم والجزع.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: محال أن تواليه ولا يواليك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم أنه قال ذات يوم: لو أن العباد علموا حب الله عز وجل لقل مطعمهم ومشربهم وملبسهم وحرصهم، وذلك أن ملائكة الله أحبوا الله فاشتغلوا بعبادته عن غيره، حتى أن منهم قائماً وراكعاً وساجداً منذ خلق الله تعالى الدنيا ما التفت إلى من عن يمينه وشماله، اشتغالاً بالله عز وجل وبخدمته.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم في قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر: 32] قال: السابق مضروب بسوط المحبة، مقتول بسيف الشوق، مضطجع على باب الكرامة، والمقتصد مضروب بسوط الندامة، مقتول بسيف الحسرة مضطجع على باب العفو، والظالم لنفسه مضروب بسوط الغفلة، مقتول بسيف الأمل مضطجع على باب العقوبة.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن حذيفة المرعشي، قال: دخلنا مكة مع إبراهيم بن أدهم، فإذا شقيق البلخي قد حج في تلك السنة فاجتمعنا في شق الطواف فقال إبراهيم لشقيق: على أي شيء أصلتم أصلكم؟ قال: أصلنا أصلنا على أنا إذا رزقنا أكلنا وإذا منعنا صبرنا، فقال إبراهيم: هكذا تفعل كلاب بلخ، فقال له شقيق: فعلى ماذا أصلتم؟ قال: أصلنا على أنا إذا رزقنا آثرنا وإذا منعنا شكرنا وحمدنا، فقام شقيق فجلس بين يدي إبراهيم فقال: يا أستاذ أنت أستاذنا.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن حذيفة المرعشي قال: صحبت إبراهيم بن أدهم بالبادية في طريق الكوفة، فكان يمشي ويدرس ويصلي عند كل ميل ركعتين فبقينا بالبادية حتى بليت ثيابنا، فدخلنا الكوفة وآوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم بن أدهم، فقال: يا حذيفة أرى بك الجوع، فقلت: ما رأى الشيخ، فقال: على بدواة وقرطاس، فخرجت فجئته بهما، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى:
أنا حاضر أنا ذاكر أنا شاكر
…
أنا جائع أنا حاسر أنا عاري
هي ستة وأنا الضمين بنصفها
…
فكن الضمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك لفح نار خضتها
…
فأجر فديتك من دخول النار
ودفع إلي الرقعة وقال: اخرج ولا تعلق سرك بغير الله وأعطها أول من تلقاه، فخرجت فاستقبلني رجل راكب على بغلة فأعطيته فقرأها وبكى وقال: أين صاحب هذه الرقعة؟ فقلت: في المسجد الفلاني الخراب، فأخرج من كمه صرة دنأنير فأعطأني، فسألت عنه فقيل: هو نصراني، فرجعت إلى إبراهيم فأخبرته، فقال: لا تمسه فإنه يجيء الساعة، فما كان بأسرع أن وافى النصراني فإنكب على رأس إبراهيم فقال: يا شيخ قد حسن إرشادك إلى الله، فأسلم وصار صاحباً لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار، قال: كان إبراهيم بن أدهم يقول هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح عشر مرات، وإذا أمسى يقول مثل ذلك: مرحباً بيوم المزيد، والصبح الجديد، والكاتب الشهيد، يومنا هذا يوم عيد، اكتب لنا فيه ما نقول: بسم الله الحميد المجيد، الرفيع الودود، الفعال في خلقه ما يريد. أصبحت بالله مؤمناً وبلقاء الله مصدقاً، وبحجته معترفاً، ومن ذنبي مستغفراً، ولربوبية الله خاضعاً، ولسوى الله جاحداً، وإلى الله تعالى فقيراً، وعلى الله متوكلاً، وإلى الله منيباً، أشهد الله وأشهد ملائكته وأنبياءه ورسله وحملة عرشه، ومن خلق ومن هو خالق بأن الله لا الله الأ هو وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن الجنة حق، والنار حق، والحوض حق، والشفاعة حق، ومنكرا ونكيرا حق، ولقاءك حق، ووعدك حق، والساعة آتيه لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث أن شاء الله، اللهم أنت ربي لا رب لي الأ أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر.
اللهم أني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب الأ أنت، واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأميرف عني سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله بيديك، وأنا لك أستغفرك وأتوب إليك، آمنت اللهم بما أرسلت من رسول وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب، صلى الله وسلم على محمد وعلى الله وسلم كثيرا خاتم كلامي ومفتاحه، وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين، اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشربا مريا سائغا هذهياً لا نظماً بعده أبدا، واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكسين ولا مرتأبين ولا مقبوحين ولا مغضوبا علينا ولا ضالين، اللهم أدهمني من فتن الدنيا ووفقني لما تحب من العمل وترضى، وأصلح لي شأني كله وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تضلني وأن كنت ظالما سبحانك سبحانك يا علي يا عظيم يا باري يا رحيم يا عزيز يا جبار، سبحان من سبحت له السموات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها وسبحان من سبحت له الحيتأن بلغاتها وسبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراقها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهذه ومن عليهذه، سبحانك سبحانك يا حي يا حليم، سبحانك لا الله الأ أنت وحدك.
(8)
دعوة إبراهيم بن أدهم إلى الخروج من المظالم:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن إبراهيم بن أدهم قال: من أراد التوبة فليخرج من المظالم وليدع مخالطة الناس وإلا لم ينل ما يريد.
(9)
عظيم تحري إبراهيم بن أدهم لأكل الحلال:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن شقيق بن إبراهيم قال: قلت لإبراهيم بن أدهم تركت خراسان قال ما تهنأت بالعيش إلا في الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني يقول موسوس ومن رآني يقول جمال يا شقيق ما نبل عندنا من نبل بالجهاد ولا بالحج بل كان يعقل ما يدخل بطنه قال خلف بن تميم سألت إبراهيم منذ كم قدمت الشام قال منذ أربع وعشرين سنة ما جئت لرباط ولا لجهاد جئت لأشبع من خبز الحلال.
(10)
ما حصل لإبراهيم بن أدهم من كرامات الأولياء:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن مكي بن إبراهيم قال قيل لابن أدهم ما تبلغ من كرامة المؤمن قال أن يقول للجبل تحرك فيتحرك قال فتحرك الجبل.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن نصر بن منصور المصيصي أبو محمد، قال: ورد إبراهيم المصيصة فأتى منزل أبي إسحاق الفزاري فطلبه فقيل له وهو خارج، فقال: أعلموه إذا أتى أن أخاه إبراهيم طلبه وقد ذهب إلى مرج كذا وكذا يرعى فرسه، فمضى إلى ذلك المرج فإذا الناس يرعون دوابهم فرعى حتى أمسى، فقالوا له: ضم فرسك إلى دوابنا فإن السباع تأتينا، فأبى وتنحى ناحية، فأوقدوا النيران حولهم، ثم أخذوا فرسانهم صؤولاً فأتوه به وفيه شكالان يقودونه بينهم فقالوا له إن في دوابنا رماكاً أو حجوراً فليكن هذا عندك، قال: و ما يصنع بهذه الحبال؟ فمسح وجهه وأدخل يده بين فخذيه فوقف لا يتحرك فتعجبوا من ذلك لامتناعه، فقال لهم: اذهبوا فجلسوا يرمقون ما يكون منه ومن السباع فقام إبراهيم يصلي وهم ينظرون، فلما كان في بعض الليل أتته أسد ثلاثة يتلو بعضها بعضاً، فتقدم الأول إليه فشمه ودار به ثم تنحى ناحية فربض، وفعل الثاني والثالث كفعل الأول، ولم يزل إبراهيم يصلي ليلته قائماً حتى إذا كان السحر قال للأسد: ما جاء بكم تريدون أن تأكلوني امضوا، فقامت الأسد فذهبت، فلما كان الغد جاء الفزاري إلى أولئك فسألهم فقال أجاءكم رجل. قالوا: أتانا رجل مجنون، وأخبروه بقصته وأروه، فقال: أو تدرون من هو. قالوا: لا قال هو إبراهيم بن أدهم فمضوا معه إليه فسلم وسلموا عليه ثم انصرف به الفزاري إلى منزله، فمرا برجل قد كان إبراهيم بن أدهم سأله مقوداً يبيعه ساومه به درهماً ودانقين، فقال إبراهيم للفزاري، تريد هذا المقود، فقال الفزاري لصاحب المقود: بكم هذا. قال بأربعة دوانيق، فدفع إليه وأخذ المقود، فقال إبراهيم للفزاري أربعة دوانيق في دين من هو.
(11)
تحذير إبراهيم بن أدهم من علماء السوء:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن إبراهيم بن أدهم قال كل ملك لا يكون عادلا فهو واللص سواء وكل عالم لا يكون تقيا فهو والذئب سواء وكل من ذل لغير الله فهو والكلب سواء.
(12)
مَقْتُ إبراهيم بن أدهم لنفسه في جنب الله:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن براهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول وأي دين لو كان له رجال من طلب العلم لله كان الخمول أحب إليه من التطاول والله ما الحياة بثقة فيرجى نومها ولا المنية بعذر فيؤمن عذرها ففيم التفريط والتقصير والاتكال والإبطاء قد رضينا من أعمالنا بالمعاني ومن طلب التوبة بالتواني ومن العيش الباقي بالعيش الفاني.
(13)
حسن بيان إبراهيم بن أدهم لأسباب موت القلوب:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن شقيق بن إبراهيم قال: مر إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه، فقالوا له: يا أبا إسحاق أن الله تعالى يقول في كتابه: (وَقَالَ رَبّكُمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60] ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا، قال: فقال إبراهيم: يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها: عرفتم الله و لم تؤدوا حقه، الثاني: قرأتم كتاب الله و لم تعملوا به، والثالث: ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته، والرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس: قلتم نحب الجنة و لم تعملوا لها، والسادس: قلتم نخاف النار وزهدتم أنفسكم بها، والسابع: قلتم أن الموت حق و لم تستعدوا له، والثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم، والتاسع: أكلتم نعمة ربكم و لم تشكروها، والعاشر: دفنتم موتاكم و لم تعتبروا بهم.
(14)
جود إبراهيم بن أدهم وسخاؤه:
كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى كريمًا جوادًا، فالعسل والسمن غالبًا ما يكونان على مائدته يطعم من يأتيه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن بشار، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن، لا تكونون في كثرة أموالكم تتكبرون على فقرائكم ولا تميلون إلى ضعفائكم، ولا تبسطون إلى مساكينكم، قال وسمعت إبراهيم، يقول: قال لقمان لابنه: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن، لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب إذ لقي الأقران، ولا أخاك إلا عند حاجتك إليه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن أبي عثمان الصياد، قال: دعا رجل إبراهيم بن أدهم وكان فيهم ابن المبارك ومخلد بن الحسين، قال: فأخذ إبراهيم ينقر الطعام ثم انصرفوا، قال فجاءه صاحب الطعام إلى منزل إبراهيم بن أدهم فوجده قاعداً قد ثرد ثريده وهو يأكل، فقال له: يا أبا إسحاق كنت تنقر، قال: وأنت إذ هيأت طعاماً فأكثروا قلل الأيدي.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن علي بن بكار، قال: دعانا إبراهيم أنا ومخلداً وذكر عدة، فقال من فقهه أراه قال كره أن يدعونا بالنهار أو بعد العشاء فدعانا بعد العتمة لئلا نشتغل عن صلاتنا، فقدم إلينا قصعتين فيهما لحم سمين، وهو وأصحابه قيام على رؤسنا يسقوننا الماء، ثم قدم إلينا بطيخاً، قال على: وكان ذاك في دار بكر بن خنيس، فأنا أسر بذاك منى بالدنيا، وإني لأرجو أن يدخلني الله تعالى الجنة بذلك الطعام.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن مضاء بن عيسى، يقول: ما فاق إبراهيم بن أدهم أصحابه بصوم ولا صلاة، ولكن بالصدق والسخاء.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن قديد: بينا أنا جالس عند إبراهيم بن أدهم في البيت إذ دخل عليه رجل فقال: استودعك الله يا إبراهيم، فقال له: أين تريد؟ فقال: أريد ساحل كذا وكذا، قال: خذ جراب ابن قديد فاجعل فيه زادك قال إبراهيم بن قديد. فقلت له يا أبا إسحاق هذا جراب رفيقي، قال: فأنت تريد تصحب من لا يكون بشيئه أولى منه؟ قال ابن قديد وكنت عنده يوماً جالساً في البيت فأهديت إليه فاكهة ونحن جماعة في البيت، فقال: يا ابن قديد دعه لا آكل لا أنا ولا أنت منه شيئاً ويأكله أصحابنا، فال: فأكله أصحابنا ولم نذقه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن أدهم أن عمر بن الخطاب قال: لؤم بالرجل أن يرفع يده من الطعام قبل أصحابه.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية عن ضمرة، قال: صنع إبراهيم بن أدهم طعاماً بصور ودعا إخوانه، قال: ودعا رجلاً يقال له خلاد الصقيل، قال: فأكل ثم قال: الحمد لله ثم قام فقال إبراهيم بن أدهم بعد أن قام: لقد ساء في خصلتين، لقد قام بغير إذن ولقد حشم أصحابه.
(15)
كان إبراهيم بن أدهم مستجاب الدعوة رحمه الله: