الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع كونه رضي الله عنه من أعلم الصحابة إلا أنه من أبعد الناس عن التكلف، فعن ابراهيم النخعي قال: قرأ أبو بكر الصديق {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (سورة عبس: آية31) فقيل ماالأب: فقيل كذا وكذا فقال أبو بكر: إن هذا لهو التكلف، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم (1).
(34) دعاؤه وشدة تضرعه رضي الله عنه
-:
إن الدعاء باب عظيم، فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات وانهالت عليه البركات، ولذلك حرص الصديق على حسن الصلة بالله وكثرة الدعاء، كما أن الدعاء من أعظم وأقوى عوامل النصر على الأعداء قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (سورة غافر، آية:60). وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (سورة البقرة، آية:186).
ولقد لازم الصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى كيف كان رسول الله يستغيث بالله ويستنصره ويطلب المدد منه وقد حرص الصديق على أن يتعلم هذه العبادة من رسول الله، وأن يكون دعاؤه وتسبيحه على الصيغة التي يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتضيها، إذ ليس للمسلم أن يفضل على الصيغة المأثورة في الدعاء والتسبيح والصلاة على النبي صيغاً أخرى، مهما كانت في ظاهرها حسنة اللفظ، جيدة المعنى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو معلم الخير، والهادي إلى الصراط المستقيم، وهو أعرف بالأفضل والأكمل (2)،
وكان الصديق رضي الله عنه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاءاً يدعو به كما في الأحاديث الآتية:
(حديث أبي بكر الصديق الثابت في الصحيحين) أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
(1) فتح الباري (13/ 285) فيه انقطاع بين ابراهيم النخعي وأبي بكر.
(2)
أبوبكر الصديق، علي طنطاوي، ص207.
ففي هذا الدعاء وصف العبد لنفسه المقتضى حاجته إلى المغفرة، وفيه وصف ربه الذي يوجب، أنه لا يقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه، وفيه بيان المقتضى للإجابة، وهو وصف الرب بالمغفرة، والرحمة، فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب (1)
(حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أنه قال: يا رسول الله، مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت، وإذا أمسيت قال:"" قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شىء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه "" قال:"" قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك.
فقد تعلم الصديق من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب، بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائماً قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا -} (سورة الأحزاب، آية:72 - 73) فالإنسان ظالم جاهل وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم. وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لن يدخل الجنة أحد بعلمه) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)(2) وهذا لا ينافي قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (سورة الحاقة، آية:24) فإن الرسول نفيى باء المقابلة والمعادلة والقرآن أثبت باء السبب، وقول من قال: إذا أحب الله عبداً لم تضره الذنوب، معناه: أنه إذا أحب عبداً ألهمه التوبة والاستغفار فلم يصر على الذنوب، ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف والأئمة، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (3).
(1) الفتاوى (9/ 146).
(2)
البخاري في الرقاق رقم 6463.
(3)
الفتاوى (11/ 142).