الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا خرج من الاختبار رجلا صالحا، وقد تنوعت طرائق الاختبار، اختبره المأمون بالقيد، فساقه إليه مقيدا مغلولا يثقله الحديد مع بعد الشقة وعظم المشقة، واختبره المعتصم بالحبس والضرب، واختبره الواثق بالمنع والتضييق، فما نالوا من نفسه وما يعتقد، وبعد تلك البلايا ابتلي بالبلاء الأكبر، فساق إليه المتوكل بالنعم، فردها وهو عيوف النفس، وكان يشد على بطنه من الجوع، ولا يتناول مما يشك في حله أو يتورع منه، ثم ابتلي أحمد بعد كل هذا بأعظم بلاء ينزل بالنفس البشرية، وهو إعجاب الناس؛ فقد ابتلي بعد أن انتصر على كل الرزايا بإعجاب الناس، فما أورثه ذلك عجبا ولا ولاه بغرور، بل كان المؤمن المحتسب المتواضع لعزة الله وجلاله الذي لم يأخذه الثناء، وبذلك نجح في أعظم البلاء رحمه الله تعالى.
فضل ثبات أحمد بن حنبل في المحنة على المسلمين:
إن ثبات الإمام أحمد في المحنة صَوَّرَ تلك البطولة الفذة في مواجهة الجيوش الخاسرة أبدع تصوير وأصدقه، صور الزبد والحق؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد: 17]
، صور الجبروت والإيمان، صور سيف الحق، صور سجن الدار وحرية النفس، صور قيد الحديد وانطلاق القلب واللسان، صور أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، صور واجب العلماء في مواجهة المنكر.
لقد كان ثبات الإمام أحمد في المحنة دليل الحيران في هذا الزمان، ومصباح الرشاد في بحر الظلمات، وكان نشره اليوم إسهاما في الدعوة إلى الله، ورسما للسلوك القويم، وما ينبغي أن يكون عليه الداعية من ثبات في العقيدة وقوة في الإيمان وصلابة في الحق"
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن إسحاق بن راهويه قال: حدثني أبي قال قال لي أحمد ابن حنبل تعال حتى أريك من لم ير مثله فذهب بي إلى الشافعي قال أبي وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل ولولا أحمد وبذل نفسه لذهب الإسلام يريد المحنة.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن المديني قال أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن هلال بن العلاء يقول: شيئان لو لم يكونا في الدنيا لاحتاج الناس إليهما، محنة أحمد بن حنبل، لولاها لصار الناس جهمية، ومحمد بن إدريس الشافعي فإنه فتح للناس الأقفال.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن المزني قال: أحمد بن حنبل يوم المحنة أبو بكر الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم صفين.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن ابراهيم البوشنجي وذكر أحمد بن حنبل فقال هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد ولا عِلْم سفيان ومن يقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد بن حنبل لأنه كان أجمع لها وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم قال ولقد بلغني عن بشر بن الحارث انه قال قام أحمد مقام الانبياء وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء فكان فيهما معتصماً بالله.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن الفضل الأسدي قال لما حُمِلَ أحمد ليُضْرَب جاءوا إلى بشر بن الحارث وقالوا قد وجب عليك أن تتكلم فقال أتريدون مني أقوم مقام الأنبياء ليس ذا عندي حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه.
حال أحمد بن حنبل في دولة المتوكل:
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن حنبل قال: ولي المتوكل جعفر فأظهر الله السنة وُفُرِّجَ عن الناس وكان أبو عبد الله يحدثنا ويحدث أصحابه في أيام المتوكل وسمعته يقول ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم إليه في زماننا.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن حنبل قال: ثم إن المتوكل ذكره وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه فجاء رسول إسحاق إلى أبي عبد الله يأمره بالحضور فمضى أبو عبد الله ثم رجع فسأله أبي عما دُعِيَ له؟ فقال قرأ علي كتاب جعفر يأمرني بالخروج إلى المعسكر يعني سر من رأى قال وقال لي إسحاق ابن إبراهيم ما تقول في القرآن؟ فقلت إن أمير المؤمنين قد نهى عن هذا، قال وخرج إسحاق إلى العسكر وقدم ابنه محمدا ينوب عنه ببغداد، قال أبو عبد الله وقال لي إسحاق بن إبراهيم لا تعلم أحدا أني سألتك عن القرآن فقلت له مسألة مسترشد أو مسألة متعنت قال بل مسترشد قلت القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن صالح بن أحمد: قال أبي قال لي إسحاق بن إبراهيم اجعلني في حل من حضوري ضربك فقلت قد جعلت كل من حضرني في حل، وقال لي من أين قلت انه غير مخلوق فقلت قال الله ^ ألا له الخلق والأمر ^ ففرق بين الخلق والأمر فقال إسحاق الأمر مخلوق فقال يا سبحان الله أمخلوق يخلق خلقا قلت يعني إنما خلق الكائنات بأمره وهو قوله ^ كن ^ الأنعام قال ثم قال لي عمن تحكي أنه ليس بمخلوق قلت عن جعفر بن محمد قال ليس بخالق ولا مخلوق.
[*] أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن حنبل ولم يكن عند أبي عبد الله ما يتحمل به أو ينفقه وكانت عندي مئة درهم فأتيت بها أبي فذهب بها اليه فأصلح بها ما احتاج اليه واكترى وخرج ولم يمض إلى محمد بن إسحاق بن ابراهيم ولا سلم عليه فكتب بذلك محمد إلى ابيه فحقدها إسحاق عليه وقال يا امير المؤمنين ان أحمد خرج من بغداد ولم يات مولاك محمدا فقال المتوكل يرد ولو وطئ بساطي وكان أحمد قد بلغ بصري فرد فرجع وامتنع من الحديث الا لولده ولنا وربما قرأ علينا في منزلنا ثم ان رافعا رفع إلى المتوكل ان أحمد ربص علويا في منزله يريد ان يخرجه ويبايع عليه قال ولم يكن عندنا علم فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلبة وراينا النيران في دار أبي عبد الله فأسرعنا واذا به قاعد في ازار ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل ورد على امير المؤمنين ان عندكم علويا ربصته لتبايع له وتظهره في كلام طويل ثم قال له مظفر ما تقول قال ما اعرف من هذا شيئا واني لا ارى له السمع والطاعة في عسري ويسري ومنشطي ومكرهي واثرة علي واني لادعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار في كلام كثير فقال مظفر قد امرني امير المؤمنين ان احلفك قال فاحلفه بالطلاق ثلاثا ان ما عنده طلبة امير المؤمنين ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح وفتشوا تابوت الكتب وفتشوا النساء والمنازل فلم يروا شيئا ولم يحسوا بشي ورد الله الذين كفروا بغيظهم وكتب بذلك إلى المتوكل فوقع منه موقعا حسنا وعلم ان أبا عبد الله مكذوب عليه وكان الذي دس عليه رجل من اهل البدع ولم يمت حتى بين الله امره للمسلمين وهو ابن الثلجي فلما كان بعد ايام بينا نحن جلوس بباب الدار اذا يعقوب احد حجاب المتوكل قد جاء فاستأذن على عبد الله فدخل ودخل أبي وانا ومع بعض غلمانه بدرة على بغل ومعه كتاب المتوكل فقراه على أبي عبد الله انه صح عند امير المؤمنين براءة ساحتك وقد وجه اليك بهذا المال تستعين به فابى ان يقبله وقال مالي اليه حاجة فقال يا أبا عبد الله اقبل من امير المؤمنين ما امرك به فانه خير لك عنده فانك ان رددته خفت ان يظن بك سوءا فحينئذ قبلها فلما خرج قال يا أبا علي قلت لبيك قال ارفع هذه الانجانة وضعها يعني البذرة تحتها ففعلت وخرجنا فلما كان من الليل اذا ام ولد أبي عبد الله تدق علينا الحائط فقالت مولاي يدعو عمه فأعلمت أبي وخرجنا فدخلنا