الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذات يوم مر بدير راهب فناداه يا راهب فأشرف الراهب، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له يا أمير المؤمنين: ما يبكيك من هذا؟ قال ذكرت قول الله عز وجل في كتابه {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)} (الغاشية، آية:4،3). فذاك الذي أبكاني (1)، وفسر الجبت بالسحر، والطاغوت بالشيطان في قوله تعالى:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} (2)(النساء، آية:51).
(11) ملازمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله
صلى الله عليه وسلم:
إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عمر وصقل مواهبه، وفجر طاقاته وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة، ذلك أن عمر لازم الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بعد إسلامه كما لازمه كذلك في المدينة المنورة - حيث سكن العوالي - وهي ضاحية من ضواحي المدينة، وإن كانت قد اتصلت بها الآن وأصبحت ملاصقة لمسجد الرسول، حيث امتد العمران، وتوسعت المدينة، وزحفت على الضواحي، في هذه الضاحية نظم عمر نفسه، وحرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها، والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، وقد كان لا يفوته علم من قرآن، أو حديث أو أمر أو حدث أو توجيه وإن لم يحدث بنفسه تناوب هو وأحدٌ من أصحابه فيحضر هذا مرة ويأتيه بما يكون من رسول الله ويحضر الآخر مرة ويأتيه بما يكون من رسول الله.
قال عمر: كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئت بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك (3).
(حديث عمر في صحيح البخاري) قال: وكان رجلاً من الأنصار إذا غاب عن رسول الله وشهدته أتيته بما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) تفسير ابن كثير (4/ 537).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 524).
(3)
نفس المصدر ص87.
وهذا الخبر يوقفنا على الينبوع المتدفق، الذي استمد منه عمر علمه وتربيته وثقافته، وهو كتاب الله الحكيم، الذي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً على حسب الوقائع والأحداث، وكان الرسول يقرأه على أصحابه، الذين وقفوا على معانيه، وتعمقوا في فهمه، وتأثروا بمبادئه، وكان له عميق الأثر في نفوسهم وعقولهم وقلوبهم وأرواحهم وكان عمر واحداً من هؤلاء الذين تأثروا بالمنهج القرآني في التربية والتعليم، وظل عمر ملازماً للرسول يتلقى عنه ما أنزل عليه، حتى تم له حفظ جميع آياته وسوره، وقد أقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم بعضه وحرص على الرواية التي أقرأه بها الرسول (1) وكان لعمر أحياناً شرف السبق إلى سماع بعض آياته فور نزوله كما عني بمراجعة محفوظه منه (2)، فقد تربى عمر رضي الله عنه على المنهج القرآني وكان المربي له رسول الله صلى الله عليه وسلم، و كان عمر شديد الحرص على ملازمة رسول الله وكان رضي الله عنه إذا جلس إلى رسول الله لم يترك المجلس حتى ينفض، فهو واحد من الجمع القليل الذي لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب حين قدمت عير إلى المدينة (3)، وكان يجلس في حلقات ودروس ومواعظ رسول الله نشطاً يستوضح، ويستفهم، ويلقي الأسئلة بين يدي رسول الله في الشؤون الخاصة والعامة (4)، ولذلك فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثاً (5)، وفي رواية: خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثاً (6)، اتفق الشيخان في صحيحيهما على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين ومسلم بواحد وعشرين (7)، والبقية في كتب الأحاديث الأخرى (8)،
(1) نفس المصدر ص88.
(2)
نفس المصدر ص88.
(3)
الإحسان في تقريب صحيح بن حبان (15/ 300) مسلم رقم 863.
(4)
انظر: عمر بن الخطاب، د. علي الخطيب ص 108.
(5)
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص133.
(6)
انظر: عمر بن الخطاب، د. علي الخطيب ص 109.
(7)
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 40).
(8)
عمر بن الخطاب د. علي الخطيب ص 109 ..
وقد وفقه الله إلى رواية أحاديث لها قيمتها الأولوية في حقيقة الإيمان والإسلام والإحسان والقضاء والقدر، وفي العلم والذكر والدعاء وفي الطهارة والصلاة والجنائز، والزكاة والصدقات، والصيام، والحج، وفي النكاح والطلاق والنسب، والفرائض، والوصايا والاجتماع، وفي المعاملات والحدود، وفي اللباس والأطعمة والأشربة والذبائح، وفي الأخلاق والزهد والرقاق والمناقب والفتن والقيامة، وفي الخلافة والإمارة والقضاء، وقد أخذت هذه الأحاديث مكانها في مختلف العلوم الإسلامية، ولا تزال رافداً يمد هذه العلوم (1)
وإليك بعض المواقف التعليمية والتربوية والاجتماعية من حياة الفاروق مع رسول الله في المدينة.
أولاً: رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن السائل:
(حديث عمر بن الخطاب الثابت في صحيح مسلم) قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن إمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
وهذا الحديث يبين أن الفاروق تعلم معاني الإسلام والإيمان والإحسان بطريقة السؤال والجواب من أفضل الملائكة وأفضل الرسل.
ثانياً: نهي رسول الله عن الحلف بالآباء وحثه على التوكل على الله:
(1) عمر بن الخطاب د. علي الخطيب ص 112.