الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{تنبيه} : وَالْمُرَادُ: شُهَدَاءُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعِظَمِ ثَوَابِ الشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ الصحابة هَؤُلَاءِ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي الْحِجَارَةِ وَجَوَازُ التَّزْكِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو و أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد.
{تنبيه} : وهذا يصدق على كل من وقف في هذا الموقف؛ لأنه قال: (أو شهيد) و (شهيد) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
(7) منزلة عثمان ابن عفان رضي الله عنه بين الصحابة:
(حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم.
وَفِي الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(8) إنفاق عثمان ابن عفان رضي الله عنه في سبيل الله تعالى:
علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم كيف ينفقون الأموال وما أعطاهم الله تبارك وتعالى في سبيل الله ومواقع رضاء الله، وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الإِنفاق على أنفسهم، وكيف كانوا يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
ولقد ضرب عثمان ابن عفان رضي الله عنه أروع المثل في ذلك فعلى الرغم أنه كان تاجراً موفقاً ومن أصحاب الدخول الرغيدة إلا أنه كان آيةً في الإنفاق في سبيل الله تعالى وآيةً في تحقيق الزهد لأن الزهد ليس أن تملك المال، بل الزهد أن تملك الدنيا بأسرها لكنها تكون في يديك ولا تقترب من قلبك، وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه مثلاً أعلى في ذلك، وهاك بعض مواقفه الدالة على ذلك:
حفر بئر رومة وتجهيز جيش العسرة:
علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف ينفقون الأموال وما أعطاهم الله تبارك وتعالى في سبيل الله ومواقع رضاء الله، وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الإِنفاق على أنفسهم، وكيف كانوا يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وقد ضرب عثمان بن عفان ذو النورين عمر أروع المثل في ذلك في مشاهد كثيرة منها حفر بئر رومة وتجهيز جيش العسرة و توسعة المسجد النبوي.
(حديث أبي عبد الرحمن رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم وقال: (أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزته؟ قال فصدقوه بما قال.
(حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) قال جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فينثرها في حجره قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(يُقَلِّبُهَا) أَيِ: الدَّنَانِيرَ "
{مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ} (1) " أَيْ: فَلَا عَلَى عُثْمَانَ بَأْسُ الَّذِي عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنَ الذُّنُوبِ فَإِنَّهَا مَغْفُورَةٌ مُكَفَّرَةٌ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ:{لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ} (2)
[*] يقول ابن شهاب الزهري:
قَدّم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد هذه.
توسعة المسجد النبوي:
(1) - الترمذي المناقب (3701) ،أحمد (5/ 63).
(2)
- البخاري الجهاد والسير (2845) ،مسلم فضائل الصحابة (2494) ،الترمذي تفسير القرآن (3305) ،أبو داود الجهاد (2650) ،أحمد (1/ 79).
بعد بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشار الإسلام وزيادة عدد المسلمين، ضاقت مساحة المسجد النبوي بالمسلمين، فرغب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد، لكي تضم إلى المسجد حتى يتسع لأهله، فقال صلى الله عليه وسلم، من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من صلب ماله وهكذا كان عثمان بن عفان سباقاً للخير ووسع على المسلمين ونال شرف أن يجري الله أول توسعة للمسجد النبوي على يديه رضي الله عنه وأرضاه.
(حديث ثمامة بن حزن القشيري رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي والنسائي) قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذَيْنِ ألْبَاكُم عليَّ قال فجيء بهما فكأنهما جملان أو كأنهما حماران قال فأشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يُسْتَعْذَبُ غيرُ بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب حتى أشرب من ماء البحر قالوا اللهم نعم،
قال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين قالوا اللهم نعم،
قال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي قالوا اللهم نعم ثم قال أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال فركضه برجله وقال اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان قالوا اللهم نعم قال الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثا.
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(فَقَالَ ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ الَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ) مِنْ أَلَّبْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ أَيْ: جَمَعْتُهُمْ عَلَيْهِ وَحَمَلْتُهُمْ عَلَى قَصْدِهِ فَصَارُوا عَلَيْهِ إِلْبًا وَاحِدًا أَيِ: اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَقْصِدُونَهُ (أَنْشُدُكُمْ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ: أَسْأَلُكُمْ (بِاللَّهِ، وَالْإِسْلَامِ) أَيْ: بِحَقِّهِمَا يُقَالُ: نَشَدْتُ فُلَانًا أَنْشُدُهُ إِذَا قُلْتُ لَهُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَيْ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ كَأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ إِيَّاهُ.
(وَلَيْسَ بِهَا) أَيْ: بِالْمَدِينَةِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ) أَيْ: يُعَدُّ عَذْبًا أَيْ: حُلْوًا (غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ وقف عثمان له) بِرَفْعِ غَيْرُ وَجُوِّزَ نَصْبُهُ، وَالْبِئْرُ مَهْمُوزٌ وَيُبْدَلُ " فَيُجْعَلُ دَلْوُهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ" بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ دَلْوٍ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْوَقْفِ الْعَامِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ السِّقَايَاتِ، وَعَلَى خُرُوجِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ سَوَاءً.
وَفِيهِ جَوَازُ تَحَدُّثِ الرَّجُلِ بِمَنَاقِبِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ، أَوْ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُفَاخَرَةِ، وَالْمُكَاثَرَةِ، وَالْعُجْبِ.
(مِنْ صُلْبِ مَالِي) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: أَصْلِهِ، أَوْ خَالِصِهِ (حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ) أَيْ: مِمَّا فِيهِ مُلُوحَةٌ كَمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ: مَاءٍ يُشْبِهُ الْبَحْرَ (هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ) أَيْ: مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ " فَيَزِيدُهَا" أَيْ: تِلْكَ الْبُقْعَةَ (أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْمَسْجِدِ (كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ) بِفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ يُرَى مِنْ مِنًى، وَهُوَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ثَبِيرٌ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى، وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مُشْرِفٌ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ بِمَعْنًى، وَبِمَكَّةَ جِبَالٌ، كُلٌّ مِنْهَا اسْمُهُ ثَبِيرٌ (بِالْحَضِيضِ) أَيْ: أَسْفَلَ الْجَبَلِ وَقَرَارِ الْأَرْضِ (فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ) أَيْ: ضَرَبَهُ بِهَا " اسْكُنْ ثَبِيرُ " أَيْ: يَا ثَبِيرُ (قَالَ) أَيْ: عُثْمَانُ (اللَّهُ أَكْبَرُ) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُتَعَجِّبُ عِنْدَ إِلْزَامِ الْخَصْمِ وَتَبْكِيتِهِ تَعَجُّبًا مِنْ إِقْرَارِهِمْ بِكَوْنِهِ عَلَى الْحَقِّ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ (ثَلَاثًا) أَيْ: قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ خُصَمَاءَهُ عَلَى الْبَاطِلِ عَلَى طَرِيقٍ يُلْجِئُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، أَوْرَدَ حَدِيثَ ثَبِيرِ مَكَّةَ وَأَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الشَّهِيدَيْنِ مُسْتَفْهِمًا عَنْهُ فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، وَأَكَّدُوا إِقْرَارَهُمْ بِقَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ تَعَجُّبًا وَتَعْجِيبًا وَتَجْهِيلًا لَهُمْ وَاسْتِهْجَانًا لِفِعْلِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: {أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا شَهِدَ رَسُولَ