الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[*] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ابن آدم إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغد فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم وإلا يكن لك لم تندم على ما فرطت في اليوم وقال أيضاً: أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره.
وقال أيضاً: أي قوم المداومة المداومة فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت.
وقال أيضاً: إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما في طاعة الله فبغاك وبغاك (1) فرآك مداوماً ملك ورفضك وإذا كنت مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك.
[*] قال عون بن عبد الله: كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ومنتظر غد لا يبلغه لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره.
[*] قال أبي إسحاق: قيل لرجل من عبد القيس في مرضه أوصنا قال أنذرتكم سوف.
[*] قال ثمامة بن بجاد السلمي لقومه: أي قوم أنذرتكم سوف أعمل سوف أصلي سوف أصوم.
[*] كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك: إياك أن تدركك الصرعة عند الغرة فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت بما تركت ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به والسلام.
[*] قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إذا كان العبد في صلاته فإنه يقرع باب الملك وأنه من يدأب قرع باب الملك يوشك أن يفتح له؛ قال وقال مرة قال عبد الله في هذه الآية اتقوا الله حق تقاته قال حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى.
[*] وكان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه فيقف ليلا على القبور فيقول يا أهل القبور قد طويت الصحف وقد رفعت الإعمال ثم يبكي ثم يصفن بين قدميه حتى يصبح ثم يرجع فيشهد صلاة الصبح.
ولله درُّ القائل:
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل
…
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
[*] قال حاتم الأصم رحمه الله: نظرت إلى الناس فإذا كل شخص له محبوب فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه فجعلت محبوبي حسناتي لنكون معي في قبري).
[*] وقال وهيب بن الورد رحمه الله: إذا إستطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
(6) إيثار المصالح الدينية على المصالح الدنيوية:
معنى المصلحة في الشريعة الإسلامية:
المصلحة: هي كل ما يخدم مقاصد الشرع ومقاصد الشرع هي جميع المصالح الأساسية الدينية والدنيوية والأخروية التي تتقوم بها حياة الناس وتدفع عنهم الأضرار والضيق والحرج والعنت.
[*] قال الإمام أبو حامد الغزالي لما: "ونعني بالمصلحة حفظ مقصود الشرع"،
(1) أي طلبك مرة بعد مرة.
هذا هو مفهوم المصلحة ومعيارها وأساسها وهو جلب ما ينفع الناس ودفع ما يضرهم.
لأن المصلحة لا تنفك أيضا عن المفسدة ولذلك قال الغزالي كل ما يخدم مصالح الشرع فهو مصلحة وكل ما يفوتها فهو مفسدة.
وجديرٌ بالذكر أن الشريعة الإسلامية ترعى المصالح الفردية والمصالح الجماعية ومصلحة البشرية ومصلحة الجماعة والفرد ومصلحة الدنيا والآخرة والمصالح المادية والمعنوية هذا كله داخل لا يستثنى منه شيء.
ولا شك أن أوسع مفهوم وأشمل مفهوم للمصلحة هو المفهوم الإسلامي لأن المفاهيم السائدة عادة أن المصالح هي مصالح البطون ومصالح الجيوب ومصالح الأبدان وفي أقصى الحالات بعض المصالح ذات الطابع الاجتماعي والسلوكي ولكن المصالح الإسلامية هي مصالح القلوب ومصالح النفوس ومصالح الروح ومصالح العقل فضلا عن مصلحة البدن والأموال وما إلى ذلك.
وقد ذم الله تعالى من يقدم المصالح الدنيوية على المصالح الدينية قال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلى 16،17]
(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أي: تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة.
(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى): وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سفيان الثوري. قال قال عيسى بن مريم عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والمال فيه داء كثير، قيل: يا روح الله: ما داؤه? قال: لا يؤدي حقه، قالوا: فإن أدى حقه. قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء، قالوا: فإن سلم من الفخر والخيلاء؟ قال: يشغله استصلاحه عن ذكر الله.
أمثلة لمن قدم المصالح الدنيوية على المصالح الدينية:
(1)
أن يريد المال، كمن أذن ليأخذ راتب المؤذن، أو حج ليأخذ المال.
(2)
أن يريد المرتبة، كمن تعلم في كلية ليأخذ الشهادة فترتفع مرتبته.
مسألة:: هل يدخل فيه من يتعلمون في الكليات أو غيرها يريدون شهادة أو مرتبة بتعلمهم؟
فالجواب: أنهم يدخلون في ذلك إذا لم يريدوا غرضاَ شرعياَ، فنقول لهم:
أولاً: لا تقصدوا بذلك المرتبة الدنيوية، بل اتخذوا هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق، لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس لا يستطعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة، وبذلك تكون النية سليمة فيكونوا قدموا المصالح الدينية على الدنيوية.
ثانياً: أن من أراد العلم لذاته قد لا يجده إلا في الكليات، فيدخل الكلية أو نحوها لهذا الغرض، وأما بالنسبة للمرتبة، فإنها لا تهمه.
ثالثاً: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين - حسني الدنيا وحسني الأخرة، فلا شيء عليه لأن الله يقول:(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2،3] فرغبه في التقوي بذكر المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب.
وقد ذم النبي من قدم المصالح الدنيوية على المصالح الدينية في سنته الصحيحة منها الحديث الآتي:
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعس عبد الدينار، و عبد الدرهم، و عبد الخميصة،، إن أُعطِيَ؛ رضي، وإن لم يُعط، سخط، تعس وأنتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٌ رأسُه، مغبَّرةٌ قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة، إن أستأذن، لم يؤذن له، وأن شفع، لم يشفع "
قوله: " تَعِس ". بفتح العين أو كسرها، أي: خاب وهلك.
قوله: " عبد الدينار" الدينار: هو النقد من الذهب، وسماه عبد الدينار، لأنه تعلق به تعلق العبد بالرب فكان أكبر همه، وقدمه على طاعة ربه، ويقال في عبد الدرهم ما قيل في عبد الدينار، والدرهم هو النقد من الفضة.
ويتضح من الحديث أن يتبين أن من الناس من يعبد الدنيا، أي: يتذلل لها ويخضع لها، وتكون مناه وغايته، فيغضب إذا فقدت ويرضي إذا وجدت، ولهذا سمي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا شأنه عبداً لها، وهذا من يُعنى بجمع المال من الذهب والفضة، فيكون مريداً بعمله الدنيا.
قوله: " [و عبد الخميصة]، وهذا من يعنى بمظهره، لأن الخميصة كساء جميل، ليس له هم إلا هذا الأمر، فإذا كان عابداً لهذه الأمور لأنه صرف لها جهوده وهمته، فكيف بمن أراد بالعمل الصالح شيئاً من الدنيا فجعل الدين وسيلة للدنيا؟! فهذا أعظم.
قوله: " إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط ". يحتمل أن يكون المعطي هو الله فيكون الإعطاء قدرياً، أي: إن قدر الله له الرزق والعطاء رضي وانشرح صدره، وإن منع وحرم المال سخط بقلبه وقوله، كأن يقول: لماذا كنت فقيراً وهذا غنياً؟ وما أشبه ذلك، فيكون ساخطاً على قضاء الله وقدرة لأن الله منعه.
والله سبحانه وتعالى يعطي ويمنع لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين لمن يحب.
والواجب على المؤمن أن يرضي بقضاء الله وقدره، إن أعطي شكر، وإن منع صبر.
ويحتمل أن يراد بالإعطاء هنا الإعطاء الشرعي، أي: إن أعطي من مال يستحقه من الأموال الشرعية رضي، وإن لم يعط سخط، وكلا المعنيين حق، وهما يدلان على أن هذا الرجل لا يرضي إلا للمال ولا يسخط إلا له، ولهذا سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم عبداً له.
قوله:" تعس وانتكس ". تعس، أي: خاب وهلك، وانتكس، أي: أنتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له، فكلما أراد شيئاً انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد، ولهذا قال:
وإذا شيك فلا انتقش" أي: إذا أصابته شوكة، فلا يستطيع أن يزيل ما يؤذيه عن نفسه.
وهذه الجمل الثلاث يحتمل خبراً منه صلى الله عليه وسلم عن حال هذا الرجل، وأنه في تعاسة وانتكاس وعدم خلاص من الأذى، ويحتمل أن يكون من باب الدعاء على من هذه حاله، لأنه لا يهتم إلا للدنيا، فدعا عليه أن يهلك، وأن لا يصيب من الدنيا شيئاً، وأن لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه، وقد يصل إلى الشرك عندما يصده ذلك عن طاعة الله حتى أصبح لا يرضي إلا للمال ولا يسخط إلا له.
قوله: " طوبي لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ". هذا عكس الأول، فهو لا يهتم للدنيا، وإنما يهتم للآخرة، فهو في استعداد دائم للجهاد في سبيل الله.
فُعْلى من الطيب، وهي اسم تفضيل، فأطيب للمذكر وطوبي للمؤنث، والمعني: أطيب حال تكون لهذا الرجل، وقيل إن طوبي شجرة في الجنة، والأول، أعم،
وقوله: " آخذ بعنان فرسه ". أي ممسك بمقود فرسه الذي يقاتل عليه.
قوله: " في سبيل الله ". ضابطه أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا للحمية أو الوطنية أو ما أشبه ذلك، لكن إن قاتل وطنية وقصد حماية وطنه لكونه بلداً إسلامياً يجب الذود عنه، فهو في سبيل الله، وكذلك من قاتل دفاعاً عن نفسه أو ماله أو أهله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل دون ذلك، فهو شهيد "، فأما من قاتل للوطنية المحضة، فليس في سبيل الله لأن هذا قتال عصبية يستوي فيه المؤمن والكافر، فإن الكافر يقاتل من أجل وطنه.
قوله: [أشعثٌ رأسه، مغبَّرة قدماه] أي: رأسه أشعث من الغبار في سبيل الله، فهو لا يهتم بحاله ولا بدنه مادام هذا الآمر ناتجاً عن طاعة الله عز وجل وقدماه مغبرة في السير في سبيل الله، وهذا دليل على أن أهم شيء عنده هو الجهاد في سبيل الله، أما أن يكون شعره أو ثوبه أو فراشه نظيفاً، فليس له هم فيه.
قوله: [إن كان في الحراسة، فهو في الحراسة، وإن كان في الساقة، كان في الساقة] المعنى أنه يُنكر ذاته فالأمر يستوي عنده سواء كان في المنزلة العليا كمرتبة الحراسة التي تكون في مقدمة الجيش أو في المنزلة الدنيا كالسقي ال
…
ي يكون في مؤخرة الجيش فهو لا يحرص على مكانة دنيوية حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع.
قوله:" إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع ". أي: هو عند الناس ليس له جاه ولا شرف، حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له، وهكذا عند أهل السلطة ليس له مرتبه، فإن شفع لم يُشَفّع، ولكنه وجيه عند الله وله المنزلة العالية، لأنه يقاتل في سبيله.
والشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
والاستئذان: طلب الإذن بالشيء.
والحديث قسم الناس إلى قسمين:
الأول: ليس له هم إلا الدنيا، إما لتحصيل المال، أو لتجميل الحال، فقد استبعدت قلبه حتى أشغلته عن ذكر الله وعبادته.
الثاني: أكبر همه الآخرة، فهو يسعى لها في أعلى ما يكون مشقة وهو الجهاد في سبيل الله، ومع ذلك أدى ما يجب عليه من جميع الوجوه.
ويستفاد من الحديث.
(1)
أن الناس قسمان كما سبق.
(2)
أن الذي ليس له هم إلا الدنيا قد تنقلب عليه الأمور، ولا يستطيع الخلاص من أدنى أذية وهى الشوكة، بخلاف الحازم الذي لا تهمه الدنيا، بل أراد أذية وهي الشوكة، بخلاف الحازم الذي لا تهمه الدنيا، وقنع بما قدره الله له.
(3)
أنه ينبغي لمن جاهد في سبيل الله ألا تكون همه المراتب، بل يكون همه القيام بما يجب عليه، إما في الحراسة، أو الساقة، أو القلب، أو الجنب، حسب المصلحة.
(4)
أن دنو الإنسان عند الناس لا يستلزم منه دنو مرتبته عند الله عز وجل، فهذا الرجل الذي إن شفع لم يشفّع وإن استأذن لم يؤذن له قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:" طوبي له "، ولم يقل: إن سأل لم يعط، بل لا تهمه الدنيا حتى يسأل عنها، لكن يهمه الخير فيشفع للناس ويستأذن للدخول على ذوي السلطة للمصالح العامة.
{تنبيه} : بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية فمثلاً يقولون: في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة إزالة الرطوبة وترتيب الوجبات، والمفروض ألا نجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل، لأن الله لم يذكر ذلك في كتابه، بل ذكر أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر.
وعن الصوم أنه سبب التقوي، فالفوائد الدينية في العبادات هي الأصل والدنيوية ثانوية، لكن عندما نتكلم عند عامة الناس، فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي، فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية، ولكن مقام مقال.
وقال الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: 15]
(من كان يريد الحياة الدنيا): أي البقاء في الدنيا.
(وزينتها): أي المال، والبنين، والنساء، والحرث، والأنعام، والخيل المسومة،
كما قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[آل عمران: 14]
(نوف إليهم). فعل مضارع معتل الآخر مجزوم بحذف حرف العلة الياء، لأنه جواب الشرط.
والمعني: أنهم يعطون ما يريدون في الدنيا، ومن ذلك الكفار لا يسعون إلا للدنيا وزينتها، فعجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، كما قال تعالى:(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف: 20]
ولهذا لما بكي عمر حين رأي النبي صلى الله عليه وسلم قد أثر في جنبه الفراش، فقال:" ما يبكيك؟ ". قال يا رسول الله! كسري وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من نعيم وأنت على هذا الحال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم "
وفي الحقيقة هي ضرر عليهم، لأنهم إذا انتقلوا من دار النعيم إلى الجحيم، صار عليهم أشد وأعظم في فقد ما متعوا به في الدنيا.
(وهم فيها إلا يبخسون): البخس: النقص، أي: لا ينقصون مما يجازون فيه، لأن الله عدل لا يظلم، فيعطعون ما أرادوه.
(أولئك): المشار إليه يريدون الحياة الدنيا وزينتها.
(ليس لهم في الآخرة إلا النار): فيه حصر وطريقة النفي والإثبات، وهذا يعني أنهم لن يدخلوا الجنة، لأن الذي ليس له إلا النار محروم من الجنة والعياذ بالله.
(وحبط ما صنعوا فيها): الحبوط: الزوال، أي: زال عنهم ما صنعوا في الدنيا.
(وباطل ما كانوا يعملون): (باطل): خبر مقدم لأجل مراعاة الفواصل في الآيات والمبتدأ " ما " في قوله: (ما كانوا يعملون)، فأثبت الله أنه ليس لهؤلاء إلا النار، وأن ما صنعوا في الدنيا قد حبط، وأن أعمالهم باطلة.
{تنبيه} : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
وقوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: 15]
مخصوصة بقوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) [الإسراء: 18]
فأن قيل: لماذا لا نجعل آيه هود حاكمة على آية الإسراء ويكون الله توعد من يريد العاجلة في الدنيا أن يجعل له ما يشاء لمن يريد؟ ثم وعد أن يعطيه ما يشاء؟
أجيب: إن هذا المعنى لا يستقيم لأمرين: