الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذه القصة يظهر حرص الصديق على التأدب مع رسوله، وحساسيته الشديدة على أن يضايقه شيئاً ولا يقبل ذلك ولو كان من أقرب الناس وأحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعائشة رضي الله عنهم، فقد كان رضي الله عنه قدوة للدعاة في الأدب الجم مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع نفسه ومع المسلمين (1).
(25) انتصار النبي للصديق رضي الله عنه:
لقد ثبت من الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته،
(حديث أبي الدرداء رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل ابوبكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أما صاحبكم فقد غامر)(2)، فسلم، وقال: يارسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إلي ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبي علي، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك ياأبابكر ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبوبكر؟ قالوا: لا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمعر (3)، حتى أشفق أبوبكر (4) فجثى على ركبتيه فقال يارسول الله: والله أنا كنت أظلم مرتين (5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبوبكر: صدق، وواساني بنفسه وماله (6)، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين. فما أوذي بعدها.
وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها؛ الطبيعة البشرية للصحابة وما يحدث بينهم من خلاف، وسرعة رجوع المخطئ وطلب المغفرة والصفح من أخيه، تواد الصحابة فيما بينهم، مكانة الصديق الرفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه ....... الخ.
(26) قل: غفر الله لك يا أبا بكر:
(1) تاريخ الدعوة الاسلامية، ص402،403.
(2)
غامر: خاصم. أي دخل في غمرة الخصومة.
(3)
يتمعر: تذهب نضارته من الغضب.
(4)
أن يكون لعمر من الرسول مايكره.
(5)
لأنه هو الذي بدأ.
(6)
المراد به أن صاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء.
(حديث ربيعة الأسلمي رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم
…
وذكر حديثاً ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضا وأعطى أبوكر أرضاً وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدِّي، وقال أبوكر، هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال أبو بكر كلمة كرهها وندم فقال لي: يا ربيعة رد عليها مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض (1)، وأنطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت أتلوه، فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد قال لك ما قال، قلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني أثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة، قال: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليّ رأسه فقال: يا ربيعة ما لك وللصديق؟ قلت: يا رسول الله كان كذا كان كذا، قال لي كلمة كرهها فقال: قل لي كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر. قال الحسن (البصري): فولىَّ أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي.
{تنبيه} : لله درُّ أبي بكر ٍ الصديق رضي الله تعالى عنه: أي وجدان هذا الوجدان، وأي نفس تلك النفس، بادرة بدرت منها لمسلم فلم ترض إلا اقتصاصه منها، وصفحه عنها، تناهيا بالفضيلة، واستمساكاً بالأدب وشعوراً تمكن من الجوانح، وأخذ بمجامع القلوب، فكانت عنده زلة اللسان ولو صغيرة ألما يتململ منه الضمير فلا يستريح إلا بالقصاص منه، ورضا ذلك المسلم عنه).
(1) أي فارق أبوبكر الأرض.