الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن الدفاع عن هذه الدعوة ليس مجرد دفاع عن أئمة وأعلام فحسب، بل هو ذبّ عن دين الله تعالى، وذودٌ عن منهج السلف الصالح.
وفي الختام ندعو أهل الإسلام عموماً للانتفاع بالجهود العلمية والتراث النفيس الذي سطّره علماء الدعوة، والانتفاع بمواقفهم العملية وتجاربهم الاحتسابية والإصلاحية، والله أعلم.
تأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لقد تأثر الإمام "محمد بن عبد الوهاب" في دعوته وتعاليمه بعالم جهبذ جليل ظهر في القرن السابع الهجري هو شيخ الإسلام الإمام "أحمد بن تيمية الحراني" الذي عُرف بالشجاعة وقوة الحجة، وكان لا يخشى في الله لومة لائم، حتى تعرض للسجن والتعذيب.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يدعو إلى التوحيد وإخلاص العبودية لله، وترك ما اقترن بزيارة القبور من بدع أو التبرك بالأولياء، كما نادى بهدم الأضرحة حتى لا تجلب للناس الفساد في العقيدة أو الفتنة في الدين.
وقد وجدت دعوة " شيخ الإسلام ابن تيمية " صدى لها في قلب وعقل " الإمام محمد بن عبد الوهاب "، فأخذ كثيرًا من أقواله وفتاويه وأفكاره وآرائه التي دعا بها في ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، ولم يكن مقلداً له، بل كان يخالفه إذا وجد الدليل الأقوى مع غيره من علماء السلف.
أبرز تلاميذ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
لقد أخذ عنه العلم جماعة من العلماء الأجلاء والدعاة الفضلاء، وغيرهم كثير ممن تتلمذوا على كتبه وفتاويه، فما زالت كتبه وستبقى - إن شاء الله - منارة لطلبة العلم الشرعي، فمن غفل عنها فقد خسر علم واسعاً وضيّع رأياً سديداً. (1)
فكان من أبرز تلاميذه رحمه الله: أبناؤه الشيخ حسين والشيخ عبد الله والشيخ علي. كما أخذ عنه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ عبد العزيز الحصين الناصري، والشيخ سعيد بن حجي، والشيخ عبد العزيز والشيخ محمد آل سويلم، والشيخ حمد بن راشد العريني.
ثناء العلماء على محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
[*] قول علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار: (ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص ولكنه رحمه الله كان مجددا لدعوة الإسلام ومتبعا لمذهب احمد بن حنبل
…
) (2)
(1) اللهم إني أشهدك أني أحب الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيك، فاللهم اغفر لنا وجمعنا فيه مع النبيين والصديقين والشهداء
(2)
من كتاب (حياة شيخ الاسلام ابن تيمية ص200) للشيخ محمد بهجت البيطار
[*] الشيخ البشير الإبراهيمي الجزائري: (لقد كان رحمه الله تعالى ـ الشيخ البشير ـ في محاربتهِ للصُّوفيَّة وخرافاتها وتُرّهاتهم متأثِّراً بتعاليم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب الإصلاحيَّة، ويتَّضحُ ذلك عندما نراه يُعَلّل هجوم المتاجرين بالدَّين على هذه الدَّعوةِ السُّنِّيَّة الإصلاحيَّة في البلاد الحجازيَّة التي سَّماها خصومُها بِـ (الوهَّابيَّة) تنفيراً وتَشويهاً ـ لأنَّها قضت على بدعهم، وحاربت خرافاتهم (1)، فيقول ـ الشيخ البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله تعالى:(إنَّهم موتورون لهذه الوهَّابيَّة التي هدمت أنصابهم، ومحت بدعهم فيما وقعَ تحتَ سلطانهم من أرضِ الله، وقَد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة، فليس ما نسمعهُ هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقِّ إلاّ نواحاً مردَّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابيَّة).
[*] قال العالم الأزهري الكبير الشيخ "أبو الهدى الصعيدي" عام 1815م بعد أن انتهى من مناظرة قامت بينه وبين بعض علماء الوهابيين بأمر محمد علي والي مصر في ذلك الحين: (إذا كانت الوهابية كما سمعنا وطالعنا ـ دعوة الإسلام، دعوة التوحيد الخالص، ثورة على الشرك والوثنية، وإعصار على الضلال والبهتان، فنحن أيضاً وهابيون .. ) نطق هذا العالم بكلمة الحق، ولم يخش بطش الوالي المتسلط الذي كمم الأفواه وسلط على أتباع هذه الدعوة جنوده وفتكه وناره؛ لأن قوة هذا الوالي مبتوتة الصلة عن القوة العليا قوة الله سبحانه وتعالى، فهي لا تخيف ولا ترهب. وأيضاً فإن هذا العالم تأدب بأدب الرسول صلى الله عليه وسلم وتربى في رحاب سنته التي ترى:(أن أفضل الجهاد كلمة الحق عند سلطان جائر). وكأن الوجود كله قد أخذ يردد في تلك اللحظة كلمة هذا الشيخ المؤمن الصادق الإيمان.
ونقول: إذا كان ذلك كذلك .. فلماذا قامت الدنيا ولم تقعد؟ ولماذا تقولوا على الدعوة الأقاويل؟ ورموا صاحبها بالمروق عن الإسلام؟ وأعلنت الحرب الضروس التي لا تبقي ولا تذر؟ للإجابة على ذلك: علينا أن نقطع شوطاً آخر في البحث) (2)
(1) هذا الكلام لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان - حفظه الله، مجلة الأصالة العدد الاول بعنوان (الشيخ البشير الإبراهيمي)
(2)
(الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب) للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن راتب عميرة المصري
[*] يقول فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيليحفظه الله: (
…
إذا ما تكلم ناصح، أو تأمل مخلص، أو اندفع غيور يدافع عن حرمات الله، سرعان ما اتهمه العوام والسطحيون ـ وهم مع الأسف أكثرية ـ بالمروق، والشذوذ والعمالة لفئة ما، وعدّوا أنفسهم أهل الملة، وسدنة الشريعة وحماة الإسلام. وعلى هذا النحو مرت بالمسلمين في فترة ضعف الخلافة العثمانية وما قبلها أزمنة حجب فيها صفاء الإسلام، وبساطته ونقاؤه وجوهره وقوته الحقيقية
…
.
ولكن فضل الله على الأمة كبير، إذ حفظ للمسلمين أصول الشريعة في القرآن والسنة الصحيحة، حتى تظل الشريعة حجة على العلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)
وفي سبيل الحفاظ على الوحي الإلهي الأخير، يهيئ الحق تبارك وتعالى صوت الإصلاح الداوي بين الحين والآخر، وإن صاحبه بعض الأخطاء، لأن المصلح بشر، لتعهد الله عز وجل بحفظ الذكر المبين، فتثير حركة الإصلاح رعب الجبناء، وتقض مضاجع الأدعياء، وتهز أركان الجهل وكيان الجهلة، وتزلزل مواقع النفعيين:(إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها دينها).
ومما لا شك فيه، إنصافاً للحقيقة، لا إرضاءً لأحد، وعملاً بمبدأ القرآن العظيم:(وَلَا تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَآءَهُمْ)[الشعراء: 183] كان من أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية الإسلامية وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) لتجديد الحياة الإسلامية، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي صحح موازين العقيدة الإسلامية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسنة ونبذ مظاهر الترف والبدع، وتحطيم ما علق بالحياة الإسلامية من أوهام، والعودة إلى الحياة الإسلامية الأولى المبسطة التي لا تعرف غير الجهاد الدائم منهجاً، وقصد مرضاة الله مسلكاً، وألتزم أخلاق الإسلام قانوناً ومظهراً، وبروز دور العقل والفكر، والجد والعلم والاجتهاد فيما لا نص فيه أو ما فيه نص ظني، بغية تقدم الأمة، وتصحيح مسار حياة العامة التائه أحياناً، لأن دين الإسلام لا يعرف الخرافة والجهل والضلالة، فكانت أعمال ابن عبد الوهاب وثبة وجبارة، وقفزة رائعة لتصحيح خطأ الناس في العقيدة والعبادة، في وسط شوهت فيه مبادئ الإسلام ومناهجه) (1)
[*] قال الشيخ العلامة سيدي محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المغربي: (ولد الإمام محمد بن عبد الوهاب في مدينة العيينة أقليم العارض بنجد سنة 1115هـ وربى بحجر أبيه، ثم أنتقل إلى البصرة لإتمام دروسه، فبرع في علوم الدين، واللسان وفاق الأقران، واشتهر هناك بتقوى وصدق التدين
…
ثم قال: وكانت عقيدته السنة الخالصة، على مذهب السلف المتمسكين بمحض القرآن والسنة لا يخوض التأويل والفلسلفة ولا يدخلهما في عقيدته.
(1) كتاب (تأثر الدعوات الإصلاحية الإسلامية بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي)
وفي الفروع: مذهبه حنبلي غير جامد على تقليد الإمام أحمد، ولا من دونه؛ بل إذا وجد دليلاً أخذ به، وترك أقوال المذهب فهو مُستقل الفكر في العقيدة والفروع معاً. إلى أن قال: وكان قوي الحال ذا نفوذ شخصي وتأثير نفسي، ولذا كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهو متفرد عن عشيرته في البصرة) (1)
[*] يقول فضيلة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله بعدما ذكر فشو البدع قبل ولادة الإمام محمد: (واعتقد الناس النفع والضرر بالرسول والصالحين، وبالقبور والأشجار، والقباب والمزارات، فيطلبون منهم الحاجات، ويرجعون في الشدائد إليهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم، واشتد تعظيم الأموات. وكان حظ نجد في هذه الجاهلية الجديدة أكبر الحظوظ. فقد اجتمع على أهله الجهل والبداوة، والفقر، والانقسام في كل ناحية من نواحي نجد، من الأمراء بمقدار ما كان فيها من القرى.
ففي كل قرية أمير، وفي كل ناحية جمعية أمم. وكان في كل إمارة قبر، عليه بناء، أو شجرة لها أسطورة. يقوم عليها سادن من شياطين الإنس، ويزين للناس الكفر ويدعوهم إلى الاعتقاد بالقبر والذبح له، والتبرك به، والدعاء عنده، إلى أن قال رحمه الله: وكان العلماء قلة، والحكام عتاة ظلمة، والناس فوضى يغزو بعضهم بعضاً، ويَعْدُو قويهم على ضعيفهم، في تلك البيئة نشأ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فرأى شمس الإسلام إلى أفول، ورأى ظلمة الكفر إلى امتداد وشمول. وأراد الله له الخير فقدر له أن يكون أحد الذين أخبر الرسول أنهم يبعثون ليجددوا لهذا الأمة دينها، بل لقد كان أحق بهذا الوصف من كل من وصف به في تاريخنا. فقد حقق الله على يديه عودة نجد إلى التوحيد الصحيح، والدين الحق والألفة بعد الاختلاف، الوحدة بعد الانقسام. ولا أقول: إن الرجل كامل، فالكمال لله ولا أقول إنه معصوم فالعصمة للأنبياء.
ولا أقول: إنه عار عن العيوب والأخطاء.
ولكن أقول: إن هذه اليقظة، التي عمت نجداً، ثم امتدت حتى جاوزته إلى أطراف الجزيرة،
ثم إلى ما حولها، ثم امتدت حتى وصلت إلى آخر بلاد الإسلام ليست إلا حسنة من حسناته عند الله إن شاء الله ا هـ.
(1) نقلاً عن مقدمة الشيخ العلامة محمد عطية سالم في تقديمه لكتاب (الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته لابن باز)
[*] رأي الأستاذ أحمد حسين ـ مؤسس حزب مصر الفتاة ـ في كتابه (مشاهداتي في جزيرة العرب) بعد أن وصف ما كان في جزيرة العرب من جهالة قبل ظهور الدعوة ما يلي: (وفي وسط هذا الجو ولد محمد بن عبد الوهاب. وكان أبوه الشيخ عبد الوهاب قاضي بلدة العيينة. وكان شيخاً عالماً جليلاً. فقرأ على أبيه الفقه. وسرعان ما ظهرت عليه علائم النجابة. وبدأ يدرك على الفور ما تردت به البادية من همجية وردة عن دين الإسلام. وبدأت تجيش به نفسه كل مصلح من عزم على تغيير هذه الحال. فلما بلغ من العمر عشرين ربيعاً. بدأ يستخدم فصاحته وعلمه في مناقشة أنداده وأضرابه. بل ومن هم أكبر منه سناً. في فساد الحال فلم يجد منهم أذناً صاغية. وبعد أن ذكر سفر الشيخ إلى الحجاز والبصرة - ورجوعه ثانية إلى نجد. واستقراره في الدرعية واتفاقه مع محمد بن سعود.
ختم هذا البحث بقوله: تلك هي قصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما بدأت. والتي لم تكمل حتى الآن. فلا يزال أحفاد محمد بن سعود. وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب. يحملون لواء التوحيد. وينافحون عنه. وإذا كان العالم الإسلامي كله اليوم تحت تأثير النور والعرفان. قد بدأ يدرك بفطرته هذا الذين كانوا أول من نصره واستجاب له. اهـ
[*] رأي الأستاذ الإمام محمد عبده مفتي مصر ـ نقلاً عن كتاب (50عام في جزيرة العرب ـ للشيخ حافظ وهبة). أثنى على الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب وكان يلقبه بالمصلح العظيم.
[*] تناول الأستاذ أحمد أمين العالم المصري الشهير في كتابه (زعماء الإصلاح الإسلامي) فذكر أن: (الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أثناء إقامته في الحجاز ورحلاته إلى كثير من بلاد العالم الإسلامي وجد أن التوحيد الذي هو مزية الإسلام الكبرى قد ضاع ودخله الكثير من الفساد
…
فشغلت ذهنه فكرة التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك، وفكرة التوحيد في التشريع لا مصدر له إلا الكتاب والسنة).
[*] قال الشيخ محمد حامد الفقي (1): (الوهابية نسبة إلى الإمام المصلح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر. وهي نسبة على غير القياس العربي. والصحيح أن يقال المحمدية، إذ أن اسم صاحب هذه الدعوة والقائم بها هو محمد، لا عبد الوهاب، ثم قال بعد كلام: وإنهم لحنابلة متعصبون لمذهب الإمام أحمد في فروعه ككل أتباع المذاهب الأخرى، فهم لا يدعون، لا بالقول، ولا بالكتابة أن الشيخ بن عبد الوهاب أتى بمذهب جديد، ولا اخترع علماً غير ما كان عند السلف الصالح، وإنما كان علمه وجهاده لإحياء العمل بالدين الصحيح وإرجاع الناس إلى ما قرره القرآن في توحيد الإلهية والعبادة لله وحده ذلاً وخضوعاً، ودعاءاً، ونذراً وحلفاً، وتوكلاً، وطاعة لشرائعه
…
)
(1) في كتابه (أثر الدعوة الوهابية) وفضيلة الشيخ يعتبر من علماء الأزهر الشريف، ورئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر
[*] قال أمين سعيد: في كتابه (سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب) إن سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي من أحفل السير بالعظات وأغناها بالفضائل وأحقها بالبحث والفصل، والتفسير والتعليل وهي سيرة مصلح من كرام المصلحين، ومجاهد من كبار المجاهدين وعالم من خيرة العلماء أنار الله بصيرته وهداه سبله وألهمه التقوى فدعا أمته للرجوع إلى الله والعمل بكتابه وسنة رسوله ونبذ سواهما
…
ومن وسط الجو القاتم المربد جو الجهل والجمود، جو ضعف الوازع الديني وتسلط الحكام واستبداد الطغاة، أشرقت من جانب نجد أنوار الدعوة الوهابية التي حمل مشعلها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأنارت للأمة السبيل وألهمتها رشدها فشقت طريقها واهتدت بهديها، وحققت الدعوة لنجد آمالها وقد بدأت في محيطها أول ما بدأت فأنشأت لها مجتمعاً إسلامياً سليماً يؤمن بالتوحيد ويعظم شأنه ويسير على هداه ولا يدعو مع الله أحدا ولا يزال هذا حالة لم يتبدل ولم يتغير منذ عهد الشيخ حتى يومنا هذا فهو يصدع بالحق ويؤمن به، وانبثقت عن هذا المجتمع دولة عربية كريمة نشأت في ظل الدعوة وآمنت بها فكانت أول دولة عربية كبرى يؤسسها العرب داخل جزيرتهم بعد دولة الخلفاء الراشدين فاتبعت طريقهم وترسمت خطاهم فسادت وشادت ووسعت حدودها وانتشرت الدعوة في بلاد الإسلام وسرى نورها في أرجائها وأقبل عليها الكثيرون وأخذوا بها وتفاعلوا معها واستجابوا لها فكانت الأمة الكبرى لهذه النهضات التي تعم بلاد العرب وبلاد المسلمين فأحييت ميت الهمم وأيقظت خامد النفوس، وضرب الشيخ الأمثال على تجرده ونزاهته وعلى أنه لم يرد من دعوته سوى وجه الله وحده وإصلاح حال أمته وإنقاذها من ظلمات الجهالة التي كانت تغمرها).
[*] يقول الدكتور مصطفى صادق الرافعي الأديب المصري: (والسبب لتأليف هذا الكتاب (1) فمن أجل حركة توعية رائدة، ومن أجل تجهيز دعاة إسلاميين ذوي جدارة وأهلية، لمواجهة النكبات التي تتوالى على الإسلام والمسلمين منذ أكثر من خمسة قرون، أقدم هذه العجالة عن بعض الدعاة السابقين المؤهلين "رجال الإسلام" عسى أن يكون فيها بعض ما ينير الظلمات التي تكتنف حياتنا، وتلف مجتمعاتنا، وعسى أن تنشأ بوادر انتفاضة صحيحة تقوّم الاعوجاج، وتزيح أستار الضلالة، وتدفع بعربة الإسلام في طريق المجد والتقدم)
(1) أي كتابه (الدعوة والدعاة في الإسلام)
ومن القدوات لأبناء هذا الجيل إمام الدعوة السلفية المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ولنقف مع أديبنا د- مصطفى صادق الرافعي والإمام محمد بن عبد الوهاب .. حيث قال: الدعوة السلفية،
عاش الشرق الإسلامي زهاء خمسة قرون من عمر الزمن، ينعم في بحبوحة ونعيم، وحضارة وارفة الظلال، بفضل نور الإسلام الوهاج الذي عمّم خيراته على كل أرض، ونشر هدايته لكل قبيل.
بعدها اعتراه الوهن والضعف، فمر في عهود سوداء، وحاقت به ظلمات حالكة، فتقلصت هداية الإسلام عن أرضه أو أوشكت، وأصبح تراث المسلمين نهباً مقسماً بين شذاذ الأمم، وذئبان الشعوب، يستغلون علومه ويستأكلون حضارته، فسيطر على بلاده الغربيون، فأذاقوها من العذاب أقساه، ومن الألم أشده، حتى انحدرت بلاد المسلمين إلى هوة عميقة من الضعف والتخلف والانحطاط.
ثم ما إن أطلّ القرن الثامن عشر، حتى انطلقت صيحة واعية مؤمنة من قلب الجزيرة العربية، تهيب بالمسلمين أن يتحرروا من الشوائب التي اعترت عقائدهم، والخرافات والأباطيل التي شوّهت دينهم، وأن يعودوا في جميع شؤون حياتهم إلى ما كان عليه حال السابقين الأولي من أسلافهم. وكان مرسل هذه الصيحة، الداعي إلى الله على بصيرة القائد الفذّ، محمد بن عبد الوهاب، وإليه تنسب "الحركة السلفية" التي دعت إلى إصلاح النفوس، واستعادة مجد الإسلام، فظهرت بظهورها تباشير صبح جديد، فيه كل معاني الصباح، من نور وضياء، وإشراق ولألاء، فأيقظ المسلمين من سباتهم العميق الذي رزخوا تحت وطأته حقباً طويلة من الزمن.
[*] قال أحمد القطان: (استطاعت حركة الموحدين نشر العلم والمعرفة بين طبقات الشعب المختلفة، واستطاعت تكوين طبقة ممتازة من علماء الدين ورجال المعرفة فنشرت الحركة في الناس علوم الشريعة المطهرة وآلاتها ، من التفسير والحديث ، والتوحيد والفقه ، والسيرة والتاريخ ، وغير ذلك وأصبحت الدرعية قبلة العلوم والمعارف يفد إليها الطلاب من سائر النواحي والأرجاء ، و انتشر العلم في جميع الطبقات)(1)
(1) عبد الله بن يوسف الشبل ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص 64
[*] محمد كرد: كتب علامة الشام محمد كرد علي بحثا بعنوان (أصل الوهابية) اختتمه بقوله (وما محمد بن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال وساقهم إلى الدين السمح ، وإذا بدت من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية ، وقلما رأينا شعبا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم ، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة
…
إلخ) (1)
[*] طه حسين: قال يصف دعوة محمد بن عبد الوهاب (قلت أن هذا مذهب جديد قديم معا ، والواقع أنه ليس بجديد بالنسبة للمعاصرين ، ولكنه قديم في حقيقة الأمر ، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية ، وهو دعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم خالصا له ، ملغيا كل واسطة بين الله وبين الناس)(2)
[*] قال حافظ وهبة في كتابه (جزيرة العرب) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مصلح مجدد ، داع إلى الرجوع إلى الدين الحق ، فليس للشيخ محمد تعاليم خاصة ، ولا أراء خاصة ، وكل ما يطبق في نجد ، هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله وأما في العقائد ، فهم يتبعون السلف الصالح ، ويخالفون من عداهم)
[*] الزركلي: قال في كتابه (الأعلام الجزء السابع) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ((وكانت دعوته ، الشعلة الأولى للنهضة الحديثة في العلم الإسلامي كله ، تأثر بها رجال الإصلاح ، في الهند ومصر ، والعراق ، والشام وغيرها)
[*] محمد رشيد رضا: قال السيد محمد رشيد رضا عن محمد بن عبد الوهاب (قام يدعو إلى تجريد التوحيد ، وإخلاص العبادة لله وحده ، بما شرع الله في كتابه ، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ، وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة)
(1) القديم والحديث ، محمد كرد علي ، ص 120
(2)
حيات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته ، الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل ، الطبعة الأولى 1999م ، ص 210