الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - المال:
وليس المراد من الزهد في المال رفضه وعدم السعي لكسبه وتجميعه، وإنما نعم المال الصالح للمرء الصالح، فالمال قد يكون نعمة إذا حصل عليه صاحبه من الحلال وأعانه على طاعة الله سبحانه وتعالى وأنفقه في رضوان الله وفي نصرة قضايا الإسلام والمسلمين، فعلى سبيل المثال أبو بكر الصديق وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص كانوا من كبار الأثرياء وكانوا يستخدمون أموالهم في طاعة ربهم، أما المال الذي يفسد صاحبه فيدفعه إلى الطغيان والظلم ونشر الفاحشة فإن ذلك المال يكون نقمة على صاحبه، يقول الله تعالى:(كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى). [العلق:6،7].
2 - الملك والرئاسة:
ليس المراد من الزهد أيضًا رفض الملك والرياسة والوزارة وعدم المشاركة في الحياة السياسية وتركها لأراذل القوم، فسليمان وداود عليهما السلام كانا من أزهد الناس في زمانهما، ولهما من الملك والأموال والنساء ما لا يعلمه إلا الله، كذلك كان يوسف عليه السلام وزيرا على خزائن الأرض قال:(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)[يوسف: 101].
وإنما الملك الذي يطغى صاحبه ويجعله فاسدا مستبدا هو الذي نهى الله عنه، يقول سبحانه:(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك)[البقرة:852].
3 - المظهر:
فليس من الزهد أن يكون الرجل أشعث أغبر، رث الملابس، كريه الرائحة، حاله وسخ ينفر كل من يراه، ف إن الله جميل يحب الجمال.
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنة قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بَطَرُ الحقِ و غَمطُ الناس.
4 - ما في أيدي الناس:
ويقصد بذلك الزهد عما في أيدي الناس وعدم استشرافه أو التطلع إليه أوالطمع فيه أو محاولة الإستيلاء عليه يطرق غير شرعية، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم:"ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"
(حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح ابن ماجة) قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال يا رسول الله: دلني على عملٍ إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقاراً، وشرعاً الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله. وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود
(في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها، فإنك إن فعلت ذلك
(يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك، فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه وتعالى يحب من أطاعه، ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان، وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها، والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب، فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها
(يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه وقلاه، ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن، قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا
ماأعظم هذه الوصية النبوية، وما أشد حاجتنا إلى فهمها، والعمل بمقتضاها، حتى ننال بذلك المحبة بجميع صورها.
(حديث أبي أيوب رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قمت في صلاتك فَصَلِ صلاةَ مُوَدِّعٍ و لا تكلم بكلام تَعْتَذِرُ منه وأجْمِع اليأس عما في أيدي الناس.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إذا قمت في صلاتك) أي شرعت فيها
(فصل صلاة مودع) أي إذا شرعت فيها فأقبل على الله وحده ودع غيره لمناجاة ربك (ولا تكلم) بحذف إحدى التاءين تخفيفاً
(بكلام تعتذر منه) أي لا تتكلم بشيء يوجب أن يطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه
(وأجْمِع اليأس عما في أيدي الناس) أي اعزم وصمم على قطع الأمل مما في يد غيرك من جميع الخلق فإنه يريح القلب والبدن. وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قال الراغب: وأكثر ما يقال أجمع فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكر نحو {أجمعوا أمركم وشركاءكم}
واليأس: القنوط وقطع الأمل
(تنبيه) من البين أن كلا من الكلام المحوح للعذر والإياس مما في أيدي الناس مأمور به لا بقيد القيام إلى الصلاة. أهـ