الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فإنه عمر) كأنه جعله في انقطاع قرينه في ذلك كأنه نبيّ فلذلك أتى بلفظ إن بصورة الترديد قال القاضي: ونظير هذا التعليق في الدلالة على التأكيد والاختصاص قولك إن كان لي صديق فهو زيد فإن قائله لا يريد به الشك في صداقته بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره وقال القرطبي: قوله فإن يكن دليل على قلة وقوعه وندرته وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبون فيما يظنون لأنه كثير في العلماء بل وفي العوام من يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر ومعنى الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعاً وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم بالوقوع وقد دلّ على وقوعه لعمر أشياء كثيرة كقصة الجبل يا سارية الجبل وغيره وأصح ما يدلّ على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك حيث قال: إن اللّه جعل الحق على لسان عمر وقلبه وليس لك أن تقول [ص 508] هذا كالصريح في تفضيل الفاروق على الصديق لأنا نمنعه بأن الصديق لا يتلقى عن قلبه بل عن مشكاة النبوة وهي معصومة والمحدث تارة يتلقى عنها وتارة عن قلبه وهو غير معصوم ولهذا كان عمر يزن الوارد بميزان الشرع فإن وافق وإلا لم يلتفت إليه قال ابن حجر: وقد كثر هؤلاء المحدثون بعد العصر الأول وحكمته زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيها ومضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فلما فات هذه الأمة المحمدية كثرة الأنبياء لكون نبيهم خاتم الأنبياء عوضوا تكثير الملهمين ومما تقدم عرف أنه ليس لأحد من الأولياء العمل بالوارد حتى يزنه بالميزان فإن وافق انتفع به هو ومن كاشفه به ممن يعتقد صدقة وزادهم إيماناً (تنبيه) قال الغزالي: قال بعض العارفين سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهد النفس فالتفت إلى شماله وقال ما تقول رحمك اللّه ثم إلى يمينه كذلك ثم أطرق إلى صدره فقال ما تقول ثم أجاب فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي علم فسألت الملكين فكل قال لا أدري فسألت قلبي فحدثني بما أجبت فإذا هو أعلم منهما قال الغزالي: وكأن هذا معنى الحديث.
(4) لم أر عبقرياً ينزع نزع عمر:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم، رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة، فنزع بها ذَنُوبَا أو ذَنُوبَيْن، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن).
[*] قال الشافعي رحمه الله: رؤيا الأنبياء وحي وقوله: وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته (1).
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
(1) الاعتقاد للبيهقي، ص171.
رأيتني على قليب عليها دلو: أما القليب فهي البئر غير المطوية والدلو يذكر ويؤنث، والذنوب: بفتح الذال الدلو المملوءة، والغرب بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء وهي الدلو العظيمة، والنزع الاستقاء، والضعف بضم الضاد وفتحها لغتان مشهورتان الضم أفصح، ومعنى استحالت صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر، وأما العبقري فهو السيد وقيل الذي ليس فوقه شيء، ومعنى ضرب الناس بعطن أي أرووا إبلهم ثم آووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأنزل الله تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم} ثم توفي صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهراً وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ذنوباً أو ذنوبين وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم واتساع الإسلام ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم وشبه أميرهم بالمستقى لهم وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر رضي الله عنه وفي نزعه ضعف فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر ولا إثبات فضيلة لعمر عليه وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها ولاتساع الإسلام وبلاده والأموال وغيرها من الغنائم والفتوحات ومصر الأمصار ودون الدواوين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: والله يغفر له فليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة، وقد سبق في الحديث في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها افعل كذا والله يغفر لك. قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر وصحة ولايتهما وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها.