الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحجام، ويدخل فيه النظر في المصحف لذلك ولا يخفى أن ذلك من أنواع الاستقسام بالأزلام. أما ما يعرض من غير اكتساب كأن يسمع قائلًا يقول: يا مفلح؛ فليس من هذا القبيل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل، فإذا نظر ذكر النار تشاءم، وإذا نظر ذكر الجنة قال: هذا فأل طيب فهذا مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام"
(2)
.
5 - مسألة:
حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملًا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ورُئِيَ بِشرُ ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رُئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رُئي كراهية ذلك في وجهه"
(3)
.
هذا الحديث يدل على الفأل الحسن ولا يدل على التشاؤم ولابد أن يعلم أن هناك ارتباطًا بين الاسم والمسمى كما قال ابن القيم: "اعلم أن بين الأسماء ومسمياتها ارتباط قدره العزيز القادر وألهمه نفوس العباد، وجعله في قلوبهم بحيث لا تنصرف عنهم وليس هذا الارتباط هو ارتباط العلة بمعلولها، ولا ارتباط المقتضى الموجب لمقتضاه وموجبه، بل ارتباط تناسب وتشاكل اقتضته حكمة الحكيم، فقل أن ترى اسمًا قبيحًا إلا وبين مسماه وبينه رابط من القبح، وكذلك إذا تأملت الاسم الثقيل الذي تنفر عنه الأسماع وتنبو عنه الطباع، فإنك تجد مسماه يقارب أو يُلم أن يطابق ولهذا من المشهور على ألسنة الناس أن الألقاب تنزل من
(1)
أضواء البيان 4/ 493.
(2)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 9/ 567. وانظر: القول المفيد لابن عثيمين 2/ 86.
(3)
أخرجه أبو داود (3920)، والإمام أحمد (23334).
السماء فلا تكاد تجد الاسم الشنيع القبيح إلا على مسمى يناسبه .. والمقصود أن هذه المناسبة تنضم إلى ما جعل الله في طبائع الناس وغرائزهم من النفرة من الاسم القبيح المكروه وكراهته وتطير أكثرهم به، وذلك يوجب عدم ملابسته ومجاوزته إلى غيره، فهذا أصل هذا الباب"
(1)
.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بعثتم إليَّ بريدًا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم"
(2)
.
وما روي عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للِقحةٍ تُحلب: "من يحلب هذه؟ " فقام رجل: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك؟ " فقال: مرة. فقال صلى الله عليه وسلم: "اجلس" ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال: ما اسمك؟ فقال الرجل: حرب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس. ثم قال: "من يحلب هذه؟ " فقام رجل فقال له: "ما اسمك؟ " قال: يعيش. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعيش يحلب الناقة"
(3)
. زاد ابن وهب في جامعه في هذا الحديث: "فقام عمر بن الخطاب فقال: أتكلم يا رسول الله أم أصمت؟ قال: بل اصمت. وأخبرك بما أردت، ظننت يا عمر أنها طيرة، ولا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولكن أحب الفأل"
(4)
.
فزيادة ابن وهب في جامعه دلت على أن هذا ليس من التطير وإنما تفاؤلًا وسبب ذلك - والله أعلم - أنه يمكن أن يكون هذا منه صلى الله عليه وسلم على سبيل التأديب لأمته، لئلا يتسموا بالأسماء القبيحة، وليبادر من أسلم منهم وله اسم قبيح إلى إبداله بغيره من غير إيجاب له ولا إلزام والنفوس السليمة والفطر السليمة تنفر من الاسم القبيح
(5)
.
(1)
باختصار من مفتاح دار السعادة 2/ 236.
(2)
كنز العمال (14777)، وأخرجه البزار وقال الحافظ: صحيح. وكذا قال الهيثمي في الزوائد. وانظر: السسلة الصحيحة 1186.
(3)
مجمع الزوائد للهيثمي 8/ 47، وابن عبد البر في التمهيد 24/ 71 وقال الهيثمي: إسناده حسن.
(4)
مفتاح دار السعادة 3/ 316.
(5)
مفتاح دار السعادة 2/ 248.