الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعصية وهي الأكل من الشجرة حيث لم يَلُم على ذلك وموسى عليه السلام أعلم من أن يلومه على ذنب تاب منه وتاب الله عليه، وآدم التي أعلم من أن يحتج بالقدر على أن المذنب لا ملام عليه والله أعلم.
قال الحافظ ابن رجب: "لمَّا التقى آدم وموسى عليهما السلام عاتبه موسى على إخراجه نفسه وذريته من الجنة، فاحتج آدم بالقدر السابق. والاحتجاج بالقدر على المصائب حسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل" كما قيل:
والله لولا سابق الأقدار
…
لم تبعد قط داركم عن داري
من قبل النأي جرية المقدار
…
هل يمحو العبد ما قضاه الباري"
(1)
8 - مسألة في بعض النصوص التي يتوهم الناظر معارضتها للقدر:
وردت بعض النصوص ظاهرها التعارض مع القدر ومن ذلك:
- قول الله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].
- وعَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ
(2)
فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"
(3)
.
- وعَنْ سَلمَان قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلَا الدُّعاءُ ولا يَزِيدُ في العُمْرِ إلا البِرُّ"
(4)
.
(1)
لطائف المعارف 117.
(2)
قال في تحفة الأحوذي: "والمَعْنَى أنَّهَا سَبَبٌ لِتَأْخِيرِ الأَجَلِ وَمُوجِبٌ لِزِيَادَةِ العُمُرِ، وَقِيلَ بَاعِثُ دَوَامٍ واسْتِمَرَارٍ فِي النَّسْلِ" تحفة الأحوذي شرح حديث رقم 1902.
(3)
أخرجه البخاري (2067)، (5986). ومسلم (2557). وأبو داود (1443).
(4)
أخرجه الترمذي (2039).
- وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلا البِرُّ ولا يَرُدُّ القَدَرَ إِلا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"
(1)
.
- وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الخُلُقِ وَحُسْنُ الجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ"
(2)
.
- وَلأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث أَنَس رَفَعَهُ "إِنَّ الصَّدَقَة وَصِلَة الرَّحِم يَزِيد الله بِهِمَا فِي العُمُر، وَيَدْفَع بِهِمَا مِيتَة السُّوء"
(3)
.
فهذه النصوص قد يوهم ظاهرها أنها تعارض الآيات والأحاديث السابقة، كما أن ظاهرها يعارض الحديث الذي في مسلم وفيه قَالَتْ أُمّ حَبِيبَة: اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَان، وَبِأَخِي مُعَاوِية فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ سَأَلت الله عز وجل لِآجَالٍ مَضْرُوبَة، وَأَيَّام مَعْدُودَة، وَأَرْزَاق مَقْسُومَة، وَلَنْ يُعَجِّل شَيْئًا قَبْل حِلّه، أَوْ يُؤَخِّر شَيْئًا عَنْ حِلّه، وَلَوْ كُنْت سَأَلت الله أَنْ يُعِيذك مِنْ عَذَاب فِي النَّار، أَوْ عَذَابٍ فِي القَبْر، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَل"
(4)
.
* وللجمع بين هذه النصوص نورد ما ذكره العلماء في ذلك:
قال ابن كثير: "قال عكرمة عن ابن عباس الكتاب كتابان فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"
(5)
.
قال النووي: "وَأَمَّا التَّأْخِير فِي الأَجَل فَفِيهِ سُؤَال مَشْهُور، وَهُوَ أَنَّ الآجَال
(1)
أخرجه ابن ماجه (90)(4022).
(2)
أخرجه الإمام أحمد (25773).
(3)
أخرجه أبو يعلى وقال ابن حجر: سنده ضعيف انظر: فتح الباري 10/ 430 عند شرح الحديث رقم (5985)(5986).
(4)
أخرجه مسلم (2663).
(5)
تفسير ابن كثير 2/ 521.
وَالأَرْزَاق مُقَدَّرَة لا تَزِيد وَلا تَنْقُص {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَأَجَابَ العُلَمَاء بِأَجْوِبَةٍ:
الصَّحِيح مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة بِالبَرَكَةِ فِي عُمْره، وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ، وَعِمَارَة أَوْقَاته بِمَا يَنْفَعهُ فِي الآخِرَة، وَصِيَانَتهَا عَنْ الضَّيَاع فِي غَيْر ذَلِكَ.
وَالثانِي: أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَظْهَر لِلمَلائِكَةِ وَفِي اللوْح المَحْفُوظ، وَنَحْو ذَلِكَ، فَيَظْهَر لَهُمْ فِي اللوْح أَنَّ عُمْره سِتُّونَ سَنَة إِلا أَنْ يَصِل رَحِمه فَإِنْ وَصَلَهَا زِيدَ لَهُ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ عَلِمَ الله سبحانه وتعالى مَا سَيقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} فَبِالنِّسْبةِ إِلَى عِلم الله تَعَالَى، وَمَا سَبَقَ بِهِ قَدَره وَلا زِيَادَة بَل هِيَ مُسْتَحِيلَة، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ظَهَرَ لِلمَخْلُوقِينَ تُتَصَوَّر الزِّيَادَة، وَهُوَ مُرَاد الحَدِيث.
وَالثَّالِث: أَنَّ المُرَاد بَقَاء ذِكْره الجَمِيل بَعْده، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. حَكَاهُ القَاضِي، وَهُوَ ضَعِيف أَوْ بَاطِل وَاللهُ أَعْلَم"
(1)
.
وقال في تحفة الأحوذي: "وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ: وَالمُرَادُ بِتَأْخِيرِ الأَجَلِ بِالصِّلَةِ إِمَّا حُصُولُ البَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقُ فِي العَمَل وَعَدَم ضَيَاع العُمُر فَكَأَنَّهُ زَادَ، أَوْ بمَعْنى أَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ ذِكْرِهِ الجَمِيلِ بَعْدَه، أَو وُجُودَ الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةِ. وَالتَّحْقيقُ أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ العُمُرِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ العَالَمِ. فَمَنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى زِيادَةَ عُمُرِهِ وَفَّقَهُ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الخَلقِ، وَأَمَّا فِي عِلمِ الله فَلا زِيادَةَ وَلا نُقْصَانَ، وَهُوَ وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "جَفَّ القَلَمْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ"، وَقَولهُ تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} "
(2)
.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ سَأَلت الله عز وجل لآجَالٍ مَضْرُوبَة، وَأيَّام مَعْدُودَة، وَأَرْزَاق
(1)
شرح مسلم للنووي 16/ 114.
(2)
تحفة الأحوذي 6/ 97.
مَقْسُومَة، وَلَنْ يُعَجِّل شَيْئًا قَبْل حِلّه، أَوْ يُؤَخِّر شَيْئًا عَنْ حِلّه". قال النووي رحمه الله: "وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي أَنَّ الآجَال وَالأَرْزَاق مُقَدَّرَة لا تتغَيَّر عَمَّا قَدَّرَهُ الله تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الأَزَل، فَيَسْتَحِيل زِيادَتهَا وَنَقْصهَا حَقِيقَة عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيث صِلَة الرَّحِم تَزِيد فِي العُمْر وَنَظَائِره فَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيله فِي بَاب صِلَة الأَرْحَام وَاضِحًا. قَالَ المَازِرِيُّ هُنَا: قَدْ تَقَرَّرَ بِالدَّلائِلِ القَطْعِيَّة أَنَّ الله تَعَالَى أَعْلَم بِالآجَالِ وَالأَرْزَاق وَغَيْرهَا، وَحَقِيقَة العِلم مَعْرِفَة المَعْلُوم عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَلِمَ الله تَعَالَى أَنَّ زَيْدًا يَمُوت سِنّه خَمْسمِائَةٍ اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوت قَبْلهَا أَوْ بَعْدهَا لِئَلا يَنْقَلِب العِلم جَهْلًا، فَاسْتَحَالَ أَنَّ الآجَال الَّتِي عَلِمَهَا الله تَعَالَى تَزِيد وَتَنْقُص، فَيَتَعَيَّن تَأْوِيل الزِّيَادَة أَنهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَك المَوْت أَوْ غَيْره مِمَّنْ وَكَّلَهُ الله بِقَبْضِ الأَرْوَاح، وَأَمَرَهُ فِيهَا بِآجَالٍ مَمْدُودَة فَإِنَّهُ بَعْد أَنْ يَأْمُرهُ بذَلِكَ أَوْ يُثْبِتهُ فِي اللوْح المَحْفُوظ يَنْقُص مِنْهُ وَيزِيد عَلَى حَسَب مَا سَبَقَ بِهِ عِلمه فِي الأَزَل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يُحْمَل قَوْله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} "
(1)
.
وقال ابن حجر: "قَالَ ابْن التِّين: ظَاهِر الحَدِيث يُعَارِض قَوْله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَالجَمْع بَيْنهمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة كِنَايَة عَنْ البَرَكَة فِي العُمُر بِسَبَبِ التَّوْفِيق إِلَى الطَّاعَة، وَعُمَارَة وَقَتَهُ بِمَا يَنْفَعهُ فِي الآخِرَة، وَصِيَانَته عَنْ تَضْيِيعه فِي غَيْره ذَلِكَ. وَمِثْل هَذَا مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقَاصَرَ أَعْمَار أُمَّته بِالنِّسْبَةِ لِأَعْمَارِ مَنْ مَضَى مِنْ الأُمَم فَأَعْطَاهُ الله لَيْلَة القَدْر. وَحَاصِله أَنَّ صِلَة الرَّحِم تَكُون سَبَبًا لِلتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَةِ وَالصِّيَانَة عَنْ المَعْصِيَة فَيَبْقَى بَعْده الذِّكْر الجَمِيل، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. وَمِنْ جُمْلَة مَا يَحْصل لَهُ مِنْ
(1)
شرح مسلم للنووي 16/ 213.
التَّوْفِيق العِلم الَّذِي يَنتفِع بِهِ مَنْ بَعْده، وَالصَّدَقَة الجَارِية عَلَيْهِ، وَالخَلَف الصَّالِح.
ثَانِيهمَا: أَنَّ الزِّيَادَة عَلَى حَقِيقَتهَا، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلم المَلَك المُوَكَّل بِالعُمُرِ، وَأَمَّا الأَوَّل الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَة فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلم الله تَعَالَى، كَأَنْ يُقَال لِلمَلَكِ مَثَلًا: إِنَّ عُمْر فُلان مِائَة مَثَلًا إِنْ وَصَلَ رَحِمه، وَسِتُّونَ إِنْ قَطَعَهَا. وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلم الله أَنَّهُ يَصِل أَوْ يَقْطَع، فَالَّذِي فِي عِلم الله لا يَتَقَدَّم وَلا يَتَأَخَّر، وَالَّذِي فِي عِلم المَلَك هُوَ الَّذِي يُمْكِن فِيهِ الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَإِلَيْهِ الإشَارَة بِقَوْلِهِ تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} المَحْو وَالإثْبَات بِالنِّسْبَةِ عِلم المَلَك، وَمَا فِي أُمّ الكِتَاب هُوَ الَّذِي فِي عِلم اللهِ تَعَالَى فَلا مَحْو فِيهِ البَتَّة. ويُقَال لَهُ القَضَاء المُبْرَم، ويُقَال لِلأَوَّلِ القَضَاء المُعَلَّق. وَالوَجْه الأَوَّل أَليَق بِلَفْظِ حَدِيث البَاب، فَإِنَّ الأَثَر مَا يَتْبَع الشَّيْء، فَإِذا أُخِّرَ حَسُنَ أَنْ يُحْمَل عَلَى الذِّكْر الحَسَن بَعْد فَقْد المَذْكُور.
وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيره وَجْه ثَالِث، فَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الصَّغير" بِسَنَدٍ ضَعِيف عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ: ذُكِرَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ وَصَلَ رَحِمه أُنْسئَ لَهُ فِي أَجَله، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ زِيادَة فِي عُمُره، قَالَ الله تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} الآيَة؛ وَلَكِنَّ الرَّجُل تَكُون لَهُ الذُّرِّيَّة الصَّالِحَة يَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْده".
وَلَهُ فِي "الكَبِير" مِنْ حَدِيث أَبِي مُشَجِّعَة الجُهَنِيّ رَفَعَهُ "إِنَّ الله لا يُؤَخِّر نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَة العُمُر ذُرِّيَّة صَالِحَة" الحَدِيث.
وَجَزَمَ ابْن فَوْرَك بِأَنَّ المُرَاد بِزِيَادَةِ العُمُر نَفْي الآفَات عَنْ صَاحِب البِرّ فِي فَهْمه وَعَقْله. وَقَالَ غَيْره فِي أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي وُجُود البَرَكَة فِي رِزْقه وَعِلمه وَنَحْو ذَلِكَ"
(1)
.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يبسط له في رزقه. . . " الحديث، قال شيخ الإسلام: "وقد قال بعض الناس إن المراد به البركة في العمر بأن يعمل في الزمن
(1)
فتح الباري 10/ 430 عند شرح الحديث رقم (5985)(5986).
القصير ما لا يعمله غيره إلا في الكثير. قالوا: لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان.
فيقال لهؤلاء: تلك البركة وهي الزيادة في العمل والنفع هي أيضًا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء.
والجواب المحقق: أن الله يكتب للعبد أجلًا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب. ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلًا له بصيص فقال: من هذا يا رب؟ فقال: ابنك داود. قال: فكم عمره؟ قال: أربعون سنة. قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنة. قال: فقد وهبت له من عمري ستين سنة، فكتب عليه كتاب، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنة قالوا: وهبتَها لابنك داود. فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته".
وروي "أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره، فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، والله سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله - والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها؛ فلهذا قال العلماء إن المحو والإثبات في صحف الملائكة - وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات - وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات على قولين، والله سبحانه وتعالى أعلم"
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى 14/ 490 - 492.
وفي تفسير قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قال السعدي رحمه الله: "وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص، أو خلل، ولهذا قال:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع وشُعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب كأعمال اليوم والليلة، التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا، ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ كما جحل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر، وسعة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب، سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه، في اللوح المحفوظ"
(1)
.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن الدعاء والصدقة هل يردان القضاء والقدر، فذكر الآيات والأحاديث الدالة على أن قدر الله عز وجل ماضٍ في عباده، ثم قال:"وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الحوادث معلقة بأسبابها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد في العمر، ولا يرد القدر إلا الدعاء" ومراده صلى الله عليه وسلم أن القدر المعلق بالدعاء يرده الدعاء، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه". فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في
(1)
تفسير ابن سعدي ص 374.