الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - والأعيادٌ قسمان: زمانية ومكانية:
قال ابن القيم رحمه الله: "والعيد ما يعتاد مجيئه وقصده: من مكان وزمان.
فأما الزمان، فكقوله صلى الله عليه وسلم:"يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى: عيدنا أهل الإسلام"
(1)
.
وأما المكان، فكما روى أبو داود في سننه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال:"أبها وثن من أوثان المشركين، أو عيد من أعيادهم؟ " قالا: لا. قال: "فأوف بنذرك"
(2)
. وكقوله: لا تجعلوا قبري عيدًا"
(3)
"
(4)
.
*
والأعيادُ المكانية التي ينهى عنها لها صور منها:
اتخاذ القبور عيدًا. انظر هذه المسألة في باب: (اتخاذ القبور عيدًا).
اتخاذ الآثار عيدًا. انظر هذه المسألة في باب: (تتبع آثار الصالحين المكانية).
اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعيادًا. انظر هذه المسألة في باب: (التبرك).
*
والأعيادُ الزمانية المبتدعة كثيرة وهي التي سأبينها في بقية بحثنا هذا، وهي قسمان:
القسم الأول: أعياد مبتدعة
ليس فيها تشبُّه كاتخاذ يوم عاشوراء عيدًا، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، والإسراء والمعراج، والنصف من شعبان، هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهذه الأعياد المبتدعة لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة
(1)
أخرجه أبو داود (2419)، وأحمد (17514)، والترمذي (773) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (3313)، وابن ماجه (2131).
(3)
أخرجه أبو داود (2042)، وأحمد (8790).
(4)
إغاثة اللهفان 1/ 190، 191.
عليها بشيء، وقد بيَّن ذلك أهل العلم وحذروا منها.
قال الحافظ أبو شامة: "قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح، فتحفظوا عباد الله من مفترٍ يروي لكم حديثًا [موضوعًا] يسوقه في معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعية وكان مستعمله من خدم الشيطان، لاستعماله حديثًا على رسول صلى الله عليه وسلم لم ينزل الله به من سلطان. ثم قال: ومما أحدثه المبتدعون، وخرجوا به عما وسمه المتشرعون، وجروا فيه على سنن المجوس، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا: الوقيد ليلة النصف من شعبان، ولم يصح فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نطق بالصلاة فيها"
(1)
.
وقال الشيخ علي محفوظ في معرض كلامه عما يقع من الناس في يوم عاشوراء: "فمن ذلك اعتبارهم له عيدًا كالأعياد المرسومة للمسلمين بالتوسعة واتخاذ الأطعمة الخاصة به: وهذا من تلبيس الشيطان على العامة، فقد ثبت أن يهود خيبر هم الذين اتخذوه عيدًا وكانت تصومه"
(2)
.
وقال رحمه الله أيضًا في المواسم التي نسبوها للشرع وليست منه: "منها: ليلة الثاني عشر من ربيع الأول يجتمع لها الناس في المساجد وغيرها فيهتكون حرمة بيوت الله تعالى، وشرفون في الوقود فيها، ويرفع القرّاء أصواتهم بقصائد الغناء التي تثير شهوة الشبان إلى الفسق والفجور، فتراهم عند ذلك يصيحون بأصوات منكرة ويحدثون في المساجد ضجة فظيعة
…
ومنها ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها، وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبًا كثيرة كالاجتماع في المساجد،
(1)
الباعث على إنكار البدع والحوادث ص 52.
(2)
الإبداع في مضار الابتداع ص 269.
وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك"
(1)
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "فلو كانت ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج، يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه، أو فعله بنفسه، ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة، ولم يكتموه عنهم وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم، وقد عرفت آنفًا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب، ولا في ليلة النصف من شعبان، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة، وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة كما لا يجوز الاحتفال بها للأدلة السابقة، هذا لو عُلمت فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف، وقول من قال أنها ليلة سبع وعشرون من رجب قولٌ باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة"
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "أما إظهار الفرح في ليلة السابع والسابع والعشرون من رجب، أو ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له وينهى عنه ولا يحضر الإنسان إذا دعي إليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"، فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها إلى الله عز وجل، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل، ثم على تقدير
(1)
الإبداع ص 272.
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/ 191.
ثبوت أن ليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فإنه لا يجوز لنا أن نحدِث فيها شيئًا من شعائر الأعياد أو شيئًا من العبادات"
(1)
.
أما بدعة المولد فيجمل فيها الكلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بقوله: "وقد رددنا هذه المسألة - وهي الاحتفال بالموالد - إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك أيضًا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدني بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات، التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يُعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود والنصارى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)} [البقرة: 111]، وقال تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [الأنعام:116]، ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد - مع كونها بدعة - لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 16/ 193.