الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
261 - مظاهرة الكفار على المسلمين
*
[الولاء والبراء]
قال أبو بكر الرازي: "الظهير: المعين ومنه قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} [التحريم: 4] "
(1)
.
ومظاهرة الكفار على المسلمين يقصد بها أن يكونوا أعوانا لهم وأنصارا على المسلمين ونصرتهم قد تكون بالنفس أو بالمال أو بالقول و البيان أو بميل القلب وحبه لهم ولدينهم وبغضه للمسلمين ويطلق عليها بعض العلماء التولي ويفرقون بينه وبين الموالاة، وسيأتي بيان ذلك في باب (الولاء والبراء).
الأدلة من الكتاب: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)} [الممتحنة: 13]. وذكر أن المنافقين هم الذين يتولون الكفار قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)} [الحشر: 11]، وقال عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].
* تفسير الطبري 3/ 140، تفسير ابن كثير 2/ 68، 69، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 28/ 530، 531، مختصر الفتاوى المصرية ص 508. مجموعة التوحيد ص 38، الدرر السنية ص 7/ 201، 10/ 423. مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 1/ 43، 41،38، 2/ 134، 135، فتاوى ابن باز 1/ 272. نواقض الإيمان القولية والعملية ص 359. انظر أيضًا المراجع المدرجة في (الولاء والبراء).
(1)
مختار الصحاح باب (ظ هـ ر).
قال ابنُ جَريرٍ في تفسيرِ قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} : "ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمُه حكمَه
…
"
(1)
.
وقال القرطبي في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي: "يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين فحكمه كحكمهم في الكفر والجزاء وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة وهو قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين"
(2)
.
وقال ابن جرير عند تفسيره لقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]. قال رحمه الله: "لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر
…
"
(3)
.
وقال البغوي: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)} ، أي معينًا لهم على دينهم، قال مقاتل: وذلك حين دُعي إلى دين آبائه فذكر الله بنعمه، ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه"
(4)
.
(1)
تفسير الطبري 6/ 16.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6/ 217.
(3)
تفسير الطبري 6/ 313.
(4)
تفسير البغوي 3/ 459.
وقال البغوي أيضًا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} فيوافقهم ويعينهم"
(1)
. وقال ابن حزم: "فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه، متى قدر عليه، ومن إباحة ماله، وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم، وأما من فرّ إلى أرض الحرب لظلم خافه، ولم يحارب المسلمين، ولا أعانهم عليه، ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه؛ لأنه مضطر مكره"
(2)
.
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)} [القصص: 86]، أي عونًا لهم على دينهم، وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه، فأُمر بالاحتراز منهم، والخطاب بهذا وأمثاله له، والمراد أهل دينه لئلا يظاهر الكفار ولا يوافقوهم"
(3)
.
ويقول ابن تيمية: "فمن قفز منهم إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار، فإن التتار فيهم المكره وغير المكره، وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة"
(4)
.
ويقول ابن القيم: "إنه سبحانه قد حكم، ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم"
(5)
.
وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مظاهرة الكفار ضد المسلمين ضمن
(1)
تفسير البغوي 3/ 68.
(2)
المحلى 13/ 138، 139.
(3)
زاد المسير 6/ 251.
(4)
مجموع الفتاوى 28/ 534.
(5)
أحكام أهل الذمة 1/ 67.
نواقض الإسلام فقال:
"الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51]
(1)
.
ومما قاله الشيخ سليمان في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)} [الحشر: 11] فإذا كان وعد المشركين في السر - بالدخول معهم ونصرتهم والخروج معهم إن جَلَوا - نفاقا وكفرا وإن كان كذبا، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقا، وقدم عليهم، ودخل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصرهم وانقاد لهم، وصار من جملتهم وأعانهم بالمال والرأي؟ هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفا من الدوائر كما قال تعالى:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52] "
(2)
.
ويقول الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ: "التولي كفر يخرج من الملة، وهو كالذب عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي"
(3)
.
وقال الشيخ حمد بن علي بن عتيق: "إن الأمور التي يصير بها المسلم مرتدًا، أمران: الأمر الأول: الشرك. والأمر الثاني: مظاهرة المشركين على دينهم الباطل وطاعتهم في ذلك ولم يستثن من حالات المظاهرة والطاعة إلا حالة واحدة وهي الموافقة لهم في الظاهر ومخالفتهم في الباطن، وذلك إذا كان في سلطانهم مع مباشرة تعذيبهم وتهديدهم له"
(4)
.
(1)
مجموعة التوحيد ص 38.
(2)
الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك ص 52.
(3)
الدرر السنية 7/ 201.
(4)
مجموعة التوحيد ص 286.
قال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: "والمشايخ رحمهم الله كالشيخ سليمان بن عبد الله، والشيخ عبد اللطيف، والشيخ حمد بن عتيق، إذا ذكروا موالاة المشركين فسَّروها بالموافقة والنصرة والمعاونة والرضا بأفعالهم .. هذا هو الذي أوجب كفره، وأما مجرد الاجتماع معهم في المنزل، فإن ذلك بدون إظهار الدين معصية، وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 144]: "يعني: معهم في الحقيقة، يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنا معكم"، فهذا هو الذي أوجب كفرهم لا مجرد المخالطة"
(1)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة:9]: "وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليا تاما، كان ذلك كفرا مخرجا من دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ، وما هو دونه"
(2)
.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز عن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الإسلام أنهم: "كفار ضلال، أكفر من اليهود والنصارى، لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
…
وكل من ساعدهم على ضلالهم، وحسّن ما يدعون إليه، وذم دعاة الإسلام ولمزهم، فهو كافر ضال، حكمه حكم الطائفة الملحدة التي سار في ركابها وأيدها في طلبها، وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم كما قال الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
(1)
الدرر السنية 9/ 158.
(2)
تفسير كلام المنان 7/ 357، وانظر 2/ 304.