الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني هذا أن الله يرضى عن ما يقع من العباد من الكفر والمعاصي.
الفرق بين المشيئة والإرادة:
الإرادة أعم من المشيئة؛ لأن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية. أما مشيئة الله فهي في النصوص واحدة فلا تكون إلا كونية ولا يوجد مشيئة شرعية.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم:". . . الإرادة إرادتان: كونية قدرية، وشرعية دينية، وأما المشيئة فلم ترد في النصوص إلا كونية قدرية فلا تنقسم"
(1)
.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد: "والفرق بين المشيئة والإرادة: أن المشيئة لم تأت في الكتاب والسنة إلا لمعني كوني قدري، وأما الإرادة فإنها تأتي لمعني كوني ومعني ديني شرعي. . ."
(2)
.
وأما الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية:
قال شارح الطحاوية: "الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضى، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات"
(3)
.
وقال ابن باز رحمه الله: "والفرق بين الإرادتين: الأولى لا يتخلف مرادها أبدا بل ما أراده الله، كونا فلا بد من وقوعه كما قال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
أما الإرادة الشرعية فقد يوجد مرادها من بعض الناس وقد يتخلف، وإيضاح ذلك أن الله سبحانه أخبر أنه يريد البيان للناس والهداية والتوبة، ومع ذلك أكثر
(1)
شرح العقيدة الواسطية ص 49.
(2)
قطف الجنى الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني ص 129.
(3)
شرح العقيدة الطحاوية ص 116.
الخلق لم يهتد ولم يوفق للتوبة ولم يتبصر في الحق، لأنه سبحانه وتعالى قد أوضح الحجة والدليل وبين السبيل وشرع أسباب التوبة وبينها ولكنه لم يشأ لبعض الناس أن يهتدي أو يتوب أو يتبصر فذلك لم يقع منه ما أراده الله شرعا، لما قد سبق في علم الله وإرادته الكونية من أن هذا الشخص المعين لا يكون من المهتدين ولا ممن يوفق للتوبة. وهذا بحث عظيم ينبغي تفهمه وتعقله والتبصر في أدلته، ليسلم المؤمن من إشكالات كثيرة وشبهات مضلة حار فيها الكثير من الناس لعدم تحقيقهم للفرق بين الإرادتين.
ومما يزيد المقام بيانًا أن الإرادتين تجتمعان في حق المؤمن فهو إنما آمن بمشيئة الله وإرادته الكونية، وهو في نفس الوقت قد وافق بإيمانه وعمله الإرادة الشرعية وفعل ما أراده الله منه شرعا وأحبه منه، وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي فهو إنما كفر وعصى بمشيئة الله وإرادته الكونية، وقد تخلفت عنه الإرادة الشرعية لكونه لم يأت بمرادها وهو الإسلام والطاعة فتنبه وتأمل، والله الموفق"
(1)
.
ويقول شارح الطحاوية: "ومنشأ الضلال من التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضى، فسوى بينهما الجبرية والقدرية ثم اختلفوا فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره فيكون محبوبًا مرضيًا.
وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية فهي خارجة عن مشيئته وخلقه وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة.
أما أهل السنة فيقولون: إن الله وإن كان يريد المعاصي قدرًا فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها وهذا قول السلف قاطبة"
(2)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن باز ص 478، 479.
(2)
شرح الطحاوية ص 116.
ومع إيماننا بقدرة الله ومشيئته فإننا نؤمن أيضًا أن للعبد قدرة ومشيئة واختيارا بها تتحقق أفعاله وبمقتضاها يكون الثواب والعقاب كما أن قدرة العبد ومشيئته التي بها تحصل أعماله غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح الإنسان ذلك وجعله قادرا على التمييز والاختيار فأي الفعلين اختار لم يخرج عن كونه داخلا تحت مشيئة الله وقدرته وخلقه.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "وقد ضل في القدر طائفتان:
إحداهما: الجبرية الذين قالوا إن العبد مجبر على عمله وليس له فيه إرادة ولا قدرة.
الثانية: القدرية الذين قالوا إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر.
والرد على الطائفة الأولى "الجبرية" بالشرع والواقع:
أما الشرع: فإن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة، وأضاف العمل إليه قال الله تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]. وقال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]. الآية. وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته كالأكل، والشرب، والبيع والشراء، وبين ما يقع عليه بغير إرادته كالارتعاش من الحمى، والسقوط من السطح، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريد لما وقع عليه.
والرد على الطائفة الثانية "القدرية" بالشرع والعقل:
أما الشرع: فإن الله تعالى خالق كل شيء، وكل شيء كائن بمشيئته، وقد بين الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
وأما العقل: فإن الكون كله مملوك لله تعالى، والإنسان من هذا الكون فهو مملوك لكل تعالى، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته"
(1)
.
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء لا خالق غيره ولا رب سواه ومما يدل على هذا ما يلي:
قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].
وقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]. وقوله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96].
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله خالق كل صانع وصنعته"
(2)
.
ودلت هذه النصوص على أن الله تبارك وتعالى هو الذي قدر كل شيء وخلقه وهو الذي أحاط الأشياء بعنايته ورعايته وقد قدر الكائنات وأوجدها لا على مثال سابق ووهب بعض خلقه القدرة والفعل، والله سبحانه هو الخالق للفاعل وفعله وهو الخلاق العليم.
(1)
شرح ثلاثة الأصول من مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 114، 115.
(2)
المستدرك للحاكم 1/ 31، 32. ومجمع الزوائد 7/ 197.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بجميع هذه المراتب الأربع وقد جُمعت في بيت:
علم كتابة مولانا مشيئته
…
وخلقه وهو إيجاد وتكوين
ومنهم من يجعلها مرتبتين وكل مرتبة تتضمن مرتبتين فتكون أربعًا.
قال شيخ الإسلام: "والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين فالدرجة الأولى الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق "فأول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف". وأما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه لا يكون في ملكه ما لا يريد وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعلومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد والعبادُ فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد القدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ