الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن الأثير: "وقد تكرر في الحديث ذكر "القضاء" وأصله القطع والفصل. يقال قَضَى يَقْضِي قضاءً فهو قاض: إذا حكم وفصل. وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، فيكون بمعنى الخلق"
(1)
.
*
الفرق بين القضاء والقدر:
قال الراغب: "والقضاء من الله تعالى أخص من القَدَر لأنه الفصل بين التقدير، فالقَدَر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعَدِّ للكيل والقضاء بمنزلة الكيل .. ويشهد لذلك قوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}، وقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي فُصل تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه"
(2)
.
وقال ابن الأثير: "ومنه القضاء المقرون بالقدر، والمراد بالقدر: التقدير، وبالقضاء: الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أي خلقهن.
فالقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القَدَر، والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه"
(3)
.
وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني بقوله: "قال العلماء القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله"
(4)
.
وقال في موضع آخر: (القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل،
(1)
النهاية لابن الأثير (ق ض ى).
(2)
المفردات (ق ض ى).
(3)
النهاية (ق ض ى).
(4)
فتح الباري 11/ 477.
والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل"
(1)
.
وقال في التعريفات: ""القَدر" تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة. فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين وسبب معين عبارة عن القدر. وخروج الممكنات من العدم إلى الوجود، واحدًا بعد واحد، مطابقا للقضاء، والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال، والفرق بين القدر والقضاء، هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها"
(2)
.
وقال ابن بطال: "القضاء هو المقضي"
(3)
.
وقال الخطابي في معالم السنن: "القدر اسم لما صار مقدرًا عن فعل القادر، كالهدم والنشر والقبض: أسماء لما صدر من فعل الهادم والناشر والقابض، والقضاء في هذا معناه الخلق، كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] أي خلقهن"
(4)
.
وقال السفاريني رحمه الله: "القضاء إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال والقدر تقدير الله تعالى لذلك"
(5)
.
(1)
فتح الباري 11/ 149.
(2)
التعريفات للجرجاني 220.
(3)
فتح الباري 11/ 149.
(4)
معالم السنن للخطابي 7/ 70.
(5)
لوامع الأنوار 1/ 345. وينبغي التنبيه إلى أن الأشعرية في التفريق بين القضاء والقدر قالوا: إن القضاء إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على وفق ما توجد عليه وجودها الحادث، كإرادته تعالى الأزلية بخلق الإنسان في الأرض، والقدر هو إيجاد الله الأشياء على مقاديرها المحددة بالقضاء في ذواتها وصفاتها وأفعالها وأطوالها وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها كإيجاد الله الإنسان فعلًا على وجه الأرض طبق ما سبق في قضائه سبحانه.
وقال عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله: "القدر في الأصل، مصدر قدر، ثم استعمل في التقدير، الذي هو التفصيل والتبيين، واستعمل أيضًا بعد الغلبة في تقدير الله للكائنات قبل حدوثها، وأما القضاء فقد استعمل في الحكم الكوني، بجريان الأقدار، وما كتب في الكتب الأولى، وقد يطلق هذا على القدر الذي هو التفصيل والتمييز، ويطلق القدر أيضًا على القضاء الذي هو الحكم الكوني بوقوع المقدرات"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "القضاء إذا أطلق شمل القدر، والقدر إذا أطلق شمل القضاء، ولكن إذا قيل القضاء والقدر صار بينهما فرق، وهذا كثير في اللغة العربية تكون الكلمة لها معنى شامل عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاجتماع ويقال في مثال ذلك: "إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا" فالقضاء والقدر الصحيح أنهما من هذا النوع يعني أن القضاء إذا أفرد شمل القدر، والقدر إذا أفرد شمل القضاء، لكن إذا اجتمعا فالقضاء ما يقضيه الله في خلقه من إيجاد، أو إعدام، أو تغيير، والقدر ما قدره الله تعالى في الأزل، هذا هو الفرق بينهما فيكون القدر سابقًا والقضاء لاحقًا"
(2)
.
وهذا أحسن فارق أن القضاء اسم لما وقع، وما لم يقع بعد فهو قدر.
انظر: العقيدة الإسلامية وأسسها لعبد الرحمن حبنكة ص 626.
(1)
الدرر السنية 1/ 512.
(2)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 79، 80.