الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب"
(1)
.
أجابت اللجنة بجواب مفصل اقتطفنا منه ما نصه: "
…
وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن هذه الدعوة إلى: وحدة الأديان والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة .. وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله
…
والدعوة إلى "وحدة الأديان" إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عز وجل وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع"
(2)
.
*
أمور لا تنافي عقيدة الولاء والبراء:
* أوّلًا: أن الواجب مع القدرة دعوة الناس إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله ولا يُجبر أحدٌ من الكفار الأصليِّين من أهل الذمة والمعاهدين والمستأمنين على الدخول في الإسلام.
(1)
مجموع الفتاوى 28/ 524، وانظر الصفدية 1/ 268.
(2)
فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم 19402 وتاريخ 25/ 1/ 1418 هـ باختصار مع تصرف يسير.
قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
والمراد بالآية - والله أعلم بالصواب - ما قاله الحافظ ابن كثير: "أي لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عامًا"
(1)
.
* ثانيًا: يجوز للمسلمين عقد معاهدة مع الكفار إذا كان في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين كما هو معلوم من صلح الحديبية حيث صالحهم على وضع القتال عشر سنين.
قال ابن القيم رحمه الله: "فصل في بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية ثم ذكر منها: أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه من ضيمٌ على المسلمين جائزةٌ للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شر منه، ففيه دفعُ أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"
(2)
.
* ثالثًا: حفظ العهد الذي بيننا وبين الكفار، إذا وَفَّوْا هُمْ بعهد وذمّتهم.
قال الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4].
وعن أبي رافع رضي الله عنه (وكان قبطيًّا)، قال: بعثتني قريشٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُلقيَ في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البُرُد. ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن، فارجع". قال: فذهبت، ثم أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأسلمتُ"
(3)
.
(1)
تفسير ابن كثير 1/ 682.
(2)
زاد المعاد 3/ 306.
(3)
أبو داود وأحمد.
يقول ابن حزم "واتفقوا أن الوفاء بالعهود التي نصَّ القرآنُ على جوازها ووجوبها، وذُكرت بصفاتها وأسمائها، وذُكرت في السنة كذلك، وأجمعت الأمّة على وجوبها أو جوازها، فإن الوفاء بها فرضٌ، وإعطاؤها جائز"
(1)
.
* رابعًا: نصرة المستضعفين من المسلمين واجبة لكنها لا تجوز إذا كان ثم عهد بين المسلمين وهؤلاء والكفار وفاءً بالعهد والميثاق لقول الله عز وجل: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وكما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية مع أبا جندل وأبا بصير ومن معهما من المستضعفين لمَّا كانوا على سيف البحر وكان كفار قريش لهما محاربين وبالنسبة لأهل المدينة كفارا معاهدين.
* خامسًا: اتباع الإمام فيما يحكم فيه في ترك نصرة بعض المسلمين في بعض البلدان بسبب الوفاء بالعهود إذ من المعلوم أنه يصح في الاضطرار تعدد الأئمة وقد قرر صحة ذلك علماء الأمة المجتهدين والموالاة الواجبة لأهل الإسلام إذا كان أمرهم على إمام واحد وأمر الأمة مجتمعة عليه وأما مع تعدد الأئمة فكل ولاية أو بلد لها عهود ومواثيق يختلف باختلاف إمامه وسلطانه فإن انتقاض العهد مع كافر لا يلزم منه انتقاض عهد ذلك الكافر مع جميع دول المسلمين.
ومن أقوال الأئمة في تعدد الأئمة قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق
…
"
(2)
.
(1)
مراتب الإجماع 123.
(2)
مجموع الفتاوى، 35/ 175 - 176.
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -: "الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد - أو بلدان - له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم" اهـ
(1)
.
* سادسًا: حرمة دماء أهل الذمّة والمعاهدين والمستأمنين، إذا وَفَّوْا بذمتهم وعهدهم وأمانهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "من قَتَل معاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا"
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أيُّما رجلٍ أمِنَ رجلًا عن دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتولُ كافرًا"
(3)
.
* سابعًا: الاستعانة بالكافر أو استئجاره: فهذا قال أهل العلم بجوازه في أحوال مختلفة، يفتي أهل العلم في كل حال، وفي كل واقعة بما يرونه أن يفتى به".
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: "ومما يجب التنبيه عليه أن بعض الناس قد يظن أن الاستعانة بأهل الشرك تعتبر موالاة لهم، وليس الأمر كذلك، فالاستعانة شيء والموالاة شيء آخر، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حين استعان بالمطعم بن عدي، أو بعبد الله بن أريقط، أو بيهود خيبر مواليًا لأهل الشرك، ولا متخذًا لهم بطانة، وإنما فعل ذلك للحاجة إليهم واستخدامهم في أمور تنفع المسلمين ولا تضرهم، وهكذا
(1)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 7/ 239.
(2)
البخاري (3166).
(3)
صحيح ابن حبان (6082)، الصحيحة (440).
بعثه المهاجرين من مكة إلى بلاد الحبشة ليس ذلك موالاة للنصارى، وإنما فعل ذلك لمصلحة المسلمين وتخفيف الشر عنهم. فيجب على المسلم أن يفرق ما فرق اللهُ بينه، وأن ينزل الأدلة منازلها، والله سبحانه هو الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه"
(1)
.
* ثامنًا: المداراة في حال ضعف المسلمين لا تتنافى مع الولاء والبراء.
والمداراة المقصودة هي: درءُ المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة، أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له ومن ذلك مداراة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين خشية شرهم وتأليفا لهم ولغيرهم.
جاء عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} قال: نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون اللطف ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}
(2)
.
وقال مجاهد رحمه الله: قوله: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} : "إلا مصانعةً في الدنيا ومخالَقَةً"
(3)
.
قال ابن كثير: "إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره، لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء: أنه قال: إنا
(1)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 7 - 364.
(2)
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 628، وابن جرير في تفسيره 3/ 228.
(3)
تفسير ابن أبي حاتم 2/ 630، وابن جرير في تفسيره 3/ 338 - 229.
لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"
(1)
.
* تاسعًا: الوصيّة بأهل الذمّة، وصيانة أعراضهم وأموالهم، وحفظ كرامتهم.
قال صلى الله عليه وسلم "إنكم ستفحتون أرضًا يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإنّ لهم ذِمّةً ورحمًا"
(2)
.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أُوصي الخليفة من بعدي بذمّة الله وذمّة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يُوَفَّى لهم بعهدهم، وأن يُقاتَل مِنْ ورائهم، وأن لا يكلَّفُوا فوق طاقتهم"
(3)
.
* والبرّ والإحسان والعَدْلَ وحسن المعاملة مطلوب لهم سواء كان ذميا أو معاهدًا أو مستأمنًا.
قال القرافي رحمه الله: "اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة، بقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1]. فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]. فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وأن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما .. وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، وقد حكى ابن حزم الإجماع - في مراتبه - على أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح .. فيتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على
(1)
تفسير ابن كثير.
(2)
مسلم (6414).
(3)
البخاري (1305).
مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبل ما نهى عنه في الآية، وغيرها. ويتضح ذلك بالمثل، فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ وبداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق، وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس، والولد مع الوالد، فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفار، وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه، واحتقار أهله، وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادمًا ولا أجيرًا يؤمر عليه وينهى.
وأما ما أمر به من برهم من غير مودة باطنة: فهو كالرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم
(1)
، والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفًا منا بهم، لا خوفًا وتعظيمًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من آل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم.
فجميع ما نفعله من ذلك فليس على وجه التعظيم لهم، وتحقير أنفسنا بذلك ولا مصانعة لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا .. "
(2)
.
(1)
جاء في فتاوى اللجنة 2/ 44: لا يجوز مخالطة الكفار مخالطة تنشأ منها فتنة. أما مؤاكلتهم ومخالطتهم والإحسان لهم بما يرغبهم في الإسلام فلا بأس به مع أمن الفتنة، وعدم المودة.
(2)
كتاب الفروق للقرافي 3/ 29.
فيجوز البر والإحسان إليهم خصوصًا إذا كانوا جيرانًا أَو أقارب، ويجوز من أجل الدعوة الضحك في وجهه وزيارته بخلاف الحربي الذي بيننا وبينهم حرب. قال في فتاوى اللجنة: - "يعامل الذمي بالإحسان ولكن لا يبدأ بالسلام، ولا يزوج مسلمة ونحو ذلك مما منعت منه النصوص"
(1)
. وفي موضع آخر: "لا يجوز دخولهم للمسجد الحرام، ولا حرم مكة. ويجوز أن يدخلوا الأماكن الأخرى المعدة للعبادة لسماع المواعظ والمحاضرات الإسلامية عسى الله أن يجعل بيننا وبينهم مودة، ويرقق قلوبهم، وأن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم"
(2)
.
وأمّا العَدْل فهو فرضٌ واجب لكل أحد، حتى من نُبغضه بحقّ، ممن عادانا وقاتلنا من الكفار.
يقول الله تعالى في ذلك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [المائدة: 8].
قال الشيخ ابن عثيمين: "يعني لا يحملكم بغضهم على عدم العدل اعدلوا ولو كنتم تبغضونه، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليخرص عليهم ثمر النخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر حين فتحها على أن يكفوه المئونة، ويقوموا بإصلاح النخيل والزرع ولهم النصف. فكان يبعث عليهم من يخرص عليهم الثمرة، فبعث إليهم عبد الله بن رواحة فخرصها، ثم قال لهم: يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلى، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر،
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 62.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 65.
فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي، فقالوا: بهذا قامت السَّمَوَاتِ والأرض"
(1)
.
وقال الشيخ صالح الفوزان: "فمن كف أذاه من الكفار فلم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم فإن المسلمين يقابلون ذلك بمكافأته بالإحسان والعدل معه في التعامل الدنيوي ولا يحبونه بقلوبهم لأن الله قال: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} ولم يقل: توالونهم وتحبونهم.
ونظير هذا قوله تعالى في الوالدين الكافرين {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15].
وقد جاءت أم أسماء إليها تطلب صلتها وهي كافرة فاستأذنت أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال لها: "صِلِي أمك" وقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22].
فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر. ولأن في الصلة وحسن المعاملة ترغيبا للكافر في الإسلام فهما من وسائل الدعوة بخلاف المودة والموالاة فهما يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسبب عدم دعوته إلى الإسلام. وكذلك تحريم موالاة الكفار لا تعني تحريم التعامل معهم بالتجارة المباحة واستيراد البضائع والمصنوعات النافعة والاستفادة من خبراتهم ومخترعاتهم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم استأجر ابن أريقط الليثي ليدله على الطريق وهو كافر واستدان من بعض اليهود.
(1)
روه مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء رقم 1469، شرح رياض الصالحين 3/ 275.
وما زال المسلمون يستوردون البضائع والمصنوعات من الكفار وهذا من باب الشراء منهم بالثمن وليس لهم علينا فيه فضل ومنة.
وليس هو من أسباب محبتهم وموالاتهم، فإن الله أوجب محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم"
(1)
.
وعلى هذا فإن للمودة حدود وضوابط حتى لا يُقر الكافر على ما هو عليه أو يُرضى عنه فلا يجوز الحضور إلى أعيادهم كعيد الاستقلال
(2)
أو عيد الكريسمس
(3)
، ولا حضور مراسيمهم الدينية
(4)
. ولا حضور حفلاتهم كحفل ترميد الموتى البوذيين لأن فيه رضا بصنيعهم
(5)
ولا يجوز التبرع لمثل هذه الحفلات في حالة عدم الحضور أو زيارة أهل الميت منهم وتقديم العزاء لهم أو تقديم الأزهار لهم
(6)
. ولا يجوز أن نمكنهم من إلقاء محاضرات وكلمات في مساجد المسلمين لأنهم لا يؤمن منهم أن يُثيروا شكوكًا أو يلحدوا في دين الله. وهذا في مجامعنا ومحافلنا الخاصة بالمسلمين
(7)
.
فهو إحسان وبر بهم من غير مودة باطنة، ولطف ورحمة من غير خوف وذلة، ورفق واحتمال أذى للجار من غير تعظيم، ومخالطة لترغيبهم في الإسلام مع أمن الفتنة، وعدم المودة.
(1)
الولاء والبراء في الإسلام للشيخ صالح الفوزان ص 23، 24، 25.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 50.
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 50.
(4)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 65.
(5)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 48.
(6)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 51.
(7)
فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 66.