الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
231 - كفر الاستحلال
*
التعريف: قال شيخ الإسلام: "والاستحلال اعتقاد أنها حلال وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله أحلها، وتارة اعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة"
(1)
.
وهذا الاستحلال مضبوط بضابط وهو أن يكون المحرم مجمعا على تحريمه، لم يخالف فيه أحد من الأمة، والإجماع أن يجتمع علماء المسلمين في عصر من العصور على حكم من الأحكام
(2)
.
أما إذا كانت المسألة مما فيها خلاف بين الأمة فمن ذهب إلى أحد القولين ولو كان قولًا شاذًا مستحلًا للعمل به، فإنه لا يكون كافرا بذلك، لأنه لم يستحل مجمعا عليه، ولذلك يُعَبِّر عنه بعض العلماء بقولهم:"من استحل معلوما من الدين بالضرورة". وقولُهم: معلومًا من الدين بالضرورة يعنون به: لا يحتاج الناس في إثباته إلى برهان مثل وجوب الصلاة وحرمة الخمر والزنا والقتل.
فمن استحل مجمعًا عليه معلومًا من الدين بالضرورة صار كافرًا، ويشترط أن يكون الإجماع معلومًا.
* المغني 8/ 131. روضة الطالبين 5/ 64، ومسلم بشرح النووي 1/ 150، 6/ 14. مجموع الفتاوى 3/ 267، 7/ 38، 19/ 270. الصارم المسلول 3/ 971. شرح الطحاوية 355. شرح الفقه الأكبر ص 58. الضياء الشارق ص 349. التوضيح عن توحيد الخلاق ص 135، 150. معارج القبول 2/ 593. مجلة البحوث العدد الأول ص 67. المنهاج 1/ 59. الدواء العاجل للشوكاني ص 34. الروض المربع 3/ 339. ضوابط التكفير القرني ص 219. منهج ابن تيمية في مسألة التكفير 1/ 85. الحكم بغير ما أنزل الله د. المحمود ص 160، 174.
(1)
الصارم المسلول 3/ 971.
(2)
انظر مجموع الفتاوى 20/ 10.
قال ابن تيمية رحمه الله: "والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به. وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره، وحينئذ فالإجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة"
(1)
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرم الله، أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة"
(2)
.
فمن ضوابط الاستحلال أن يكون مما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وشاعت، ليست خفية ما يعلمها إلا بعض الناس، فلا تكفير باستحلال عمل لا يعلم حكمه إلا طائفة من أهل العلم، بل الاستحلال مقيد بما أُجمع عليه، بما هو معلوم من الدين بالضرورة فمثلًا: العلماء لم يكفروا طائفة من الفقهاء ممن يبيحون النبيذ الذي يسكر كثيره مع أن فيه أدلة كثيرة، وهذا النبيذ الذي يبيحه طائفة من أهل الرأي يستحلونه ويشربونه ويعتقدونه حلالًا، لم يحكم أحد من أهل السنة على تلك الطائفة من الفقهاء بأنهم كفار، لأنهم استحلوا محرمًا وهو النبيذ، الذي يسكر كثيره وهذا لا تكفير لمستحله لأن فيه قولًا لطائفة من الفقهاء بإباحته ولو كان ضعيفًا؛ إذ لا تكفير إلا في المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة.
وكذلك الإمام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقال: إنه رجع في آخر عمره أنه لا ربا إلا في النسيئة. قال القرطبي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه كان لا يرى الدرهم بدرهمين بأسًا حتى صرفه عن ذلك ابن سعيد"
(3)
.
فمن رابى ربا الفضل فهذا جائز عند ابن عباس، فمن ذهب إلى هذا الرأي
(1)
مجموع الفتاوى 19/ 270.
(2)
مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز 3/ 984، 989.
(3)
تفسير القرطبي ص 1158، وانظر المغني 6/ 52.
وأجاز ربا الفضل، وقال: أنا أعتقد أن ربا الفضل حلال فلا تكفير في حقه لأنه لا يريد الربا المجمع على تحريمه، بل ولا يجوز تأثيمهم بأنهم تبلغيهم لعنة آكل الربا، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"ثم إن الذين بلغهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" فاستحلوا بيع الصاعين بالصاع يدًا بيد: مثل ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم من أعيان المكيين الذين هم من صفوة الأمة علمًا وعملًا، لا يحل لمسلم أن يعتقد أن أحدًا منهم بعينه أو من قلده بحيث يجوز تقليده: تبلغهم لعنة آكل الربا؛ لأنه فعلوا ذلك متأولين تأويلًا سائغًا في الجملة"
(1)
.
فهناك معاصي يكون منها ما هو مجمع على تحريمها، وبعض صورها غير مجمع على تحريمها، كبعض صور الربا والخمر فليس كل أحوالها مجمع على تحريمها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ذهب الناس من تأويل القرآن الأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينًا شديدًا، واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته، وكان ذلك منهم متقادمًا، منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم فلم نعلم أن أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحدٍ بتأويل وإن خطّأه وضلّله ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا رد شهادة أحدٍ بشيءٍ من التأويل كان له وجهٌ يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول، وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعصى تعالى بها بعد الشرك، ووجدنا متأولين يستحلونها بوجوه، وقد رغب نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها، ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحلٍّ بتأويل من
(1)
مجموع الفتاوى 20/ 263.