الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "بل الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه، فبذلك أمرنا ربنا تبارك وتعالى ونبينا صلى الله عليه وسلم، وأجمع على ذلك العلماء قاطبة إلا جهال المقلدين وجفاتهم، ومثل هؤلاء ليسوا من أهل العلم، كما حكى الإجماع على أنهم ليسوا من أهل العلم أبو عمر بن عبد البر وغيره قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} [الأعراف: 3] "
(1)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "فإن الرب، والإله، الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا شريك له ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى بحيث تكون الطاعات كلها تبعا لطاعته. فإذا اتخذ العبد العلماء والأمراء على هذا الوجه، وجعل طاعتهم هي الأصل وطاعة الله ورسوله تبعًا لها فقد اتخذهم أربابًا من دون الله يتألههم ويتحاكم إليهم ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله، فهذا هو الكفر بعينه، فإن الحكم كله لله، كما أن العبادة كلها لله"
(2)
.
*
حكم الطاعة في تحريم ما أحل الله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة: "ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدًا كافرًا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 552.
(2)
القول السديد ص 112.
(3)
مجموع الفتاوى 35/ 372، 373.
مِنْ دُونِ اللَّهِ}: "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا - حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله، فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله شرعا - وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم - فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله، مشركا مثل هؤلاء.
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتًا
(1)
، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب
…
ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل لحرام: إن كان مجتهدًا قصده اتباع الرسول، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه. ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول، ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه"
(2)
.
فتبين بهذا أن اتباع المشرعين المبدلين لدين الله وطاعتهم مع العلم بمخالفته كفر بخالق السماوات والأرض إذا اعتقد تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله لأن
(1)
يكون راجعًا إلى كفر الاستحلال.
(2)
الإيمان ص 67، مجموع الفتاوى 7/ 70.
التشريع حق خالص لله وحده لا شريك له. من نازعه في شيء منه فهو مشرك قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة"
(1)
.
وقال ابن تيمية: "فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه وإن خالف أمر الله ورسوله، فقد جعله ندًّا
…
وهذا من الشرك الذي يدخل أصحابه في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] "
(2)
.
ويقول الحافظ ابن كثير في تفسيره قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام: 121]. (أي: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه قول غيره فهذا هو الشرك، كقوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] "
(3)
.
وفي تيسير العزيز الحميد قال: "اتباع هذا المحلل للحرام والمحرم للحلال إن كان مجتهدا قصده اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به
(1)
تفسير ابن كثير 4/ 113.
(2)
مجموع الفتاوى 10/ 267.
(3)
تفسير ابن كثير 2/ 171.
ربه. ولكن من علم أن هذا الخطأ فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فله نصيب من الشرك الذي ذمه الله، لا سيما إن اتبعه في ذلك لهواه ونصره باللسان واليد مع علمه بأنه مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز تقليد أحد في خلافه، وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزًا عن معرفة الحق على التفصيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد، فهذا لا يؤاخذ ان أخطأ كما في القبلة. وأما إن قلد شخصًا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أنه الحق معه، فهذا من أهل الجاهلية، فإن كان متبوعه مصيبًا لم يكن عمله صالحًا، وإن كان متبوعه مخطأ آثمًا كمن قال في القرآن برأيه، فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار"
(1)
.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي: "ألم يحرموا عليكم ما أحل الله ويحلوا لكم ما حرم الله فتتبعوهم، قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم".
قال الشنقيطي رحمه الله: "وهذا التفسير النبوي يقتضي أن كل من يتبع مشرعا بما أحل وحرم مخالفًا لتشريع الله أنه عابد له متخذه ربًا مشرك به كافر بالله، هو تفسير صحيح لا شك في صحته
…
واعلموا أيها الإخوان: أن الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظامًا غير نظام الله وتشريعًا غير تشريع الله، وقانونًا مخالفًا لشرع الله من وضع البشر معرضًا عن نور السماء الذي أنزله الله على لسان رسوله، من كان يفعل هذا هو ومن كان يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، كلاهما مشرك بالله، هذا أشرك به في عبادته، وهذا أشرك به في حكمه، والإشراك
(1)
ملخصًا من تيسير العزيز الحميد ص 558 وربما نقله من شيخ الإسلام ابن تيمية.
به في عبادته والإشراك به في حكمه، كلها سواء، وقد قال الله جل وعلا في الإشراك به في عبادته:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال تعالى في الإشراك في حكمه أيضًا: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] "
(1)
.
وقال في موضع آخر: "وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم: أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم"
(2)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيا بقولهم مقدما له ساخطا لحكم الله، فهو كافر لأنه ما أنزل الله فأحبط الله عمله ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر، فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر.
الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيا في حكم الله وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد ولكن لهوى في نفسه اختاره كأن يريد مثلا وظيفة، فهذا لا يكفر ولكنه فاسق وله حكم غيره من العصاة.
الثالثة: أن يتابعهم جاهلا فيظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين:
(1)
ذكره في تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]. مستفاد من كتاب الحاكمية في تفسير أضواء البيان جمع الشيخ عبد الرحمن السديس ص 52، 53.
(2)
أضواء البيان 4/ 92. للاستزادة انظر أضواء البيان 7/ 163، 169، 173.
أ - أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر، فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم.
ب - أن لا يكون عالما ولا يمكنه التعلم فيتابعهم تقليدا ويظن أن هذا هو الحق فهذا لا شيء عليه لأنه فعل ما أمر به وكان معذورا بذلك ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أُفتي بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه". ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة، ولم يثق الناس بأحد لاحتمال خطئه.
فإن قيل: لماذا لا يكفر أهل القسم الثاني؟
أجيب: إننا لو قلنا بكفرهم لزم من ذلك تكفير كل صاحب معصية يعرف أنه عاص لله ويعلم أنه حكم الله"
(1)
.
(1)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 739، 740، وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 265.