الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شاء الله -، فهذا وجه إيراده هذا الباب في التوحيد"
(1)
.
* الدليل من الكتاب: قول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154] وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168].
* الدليل من السنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْر، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِـ الله وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ
(2)
اللِه وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"
(3)
.
*
حكم التلفظ بها:
ينهى عن قول "لو" في الأمور المقدرة في الماضي؛ لأنها تدل على التسخط على القدر وتجدد الأحزان في النفوس. أما قول "لو" تندما على فوات الطاعة فلا بأس به لأنه يدل على الرغبة في الخير وكذلك قولها على وجه التمني للخير فيما يستقبل فيجوز.
قال ابن القيم: "وسبب النهي ليس لمجرد لفظ لو بل لما كان لها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان. بل أرشد العبد في هذه الحال إلى ما هو أنفع له وهو الإيمان بالقدر والتفويض والتسليم للمشيئة الإلهية .. "
(4)
.
وقال الشيخ السعدي: "اعلم أن استعمال العبد للفظة لو تقع على قسمين: مذموم، ومحمود.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 673.
(2)
رويت بتشديد الدال وتخفيفها.
(3)
أخرجه مسلم (2664).
(4)
إعلام الموقعين 3/ 205.
* أما المذموم فأن يقع منه أو عليه أمر لا يحبه فيقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا فهذا من عمل الشيطان لأن فيه محذورين:
أحدهما: أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن الذي ينبغي له إغلاقه وليس فيها نفع.
الثاني: أن في ذلك سوء أدب على الندم وعلى قدره فإن الأمور كلها والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره، وما وقع من الأمور فلابد من وقوعه، ولا يمكن رده، فكأن في قوله: لو كان كذا، أو لو فعلت كذا كان كذا نوعٌ اعتراضٍ ونوعُ ضعف إيمان بقضاء الله وقدره.
ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد إلا بتركهما.
* أما المحمود من ذلك فأن يقولها العبد تمنيا للخير كقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأهللت بالعمرة".
وقوله في الرجل المتمني للخير: "لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل ما عمل فلان"، "ولو صبر أخي موسى لقص الله علينا من نبأهما" أي قصته مع الخضر.
وكما أن "لو" إذا قالها متمنيًا للخير فهو محمود، فإذا قالها متمنيًا للشر فهو مذموم. فاستعمال "لو" تكون بحسب الحال الحامل عليها. إن حمل عليها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر أو تمني الشر كان مذموما. وإن حمل عليها الخير والإرشاد والتعليم كان محمودًا"
(1)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: ""لو" تستعمل على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن تستعمل في الاعتراض على الشرع. وهذا محرم قال الله تعالى:
(1)
القول السديد ص 139 - 141.
{لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] في غزوة أحد حينما تخلف أثناء الطريق عبد الله بن أبيّ في نحو ثلث الجيش فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلا اعترض المنافقون على تشريع الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا، فرأيُنا خير من شرع محمد، وهذا محرم وقد يصل إلى الكفر.
الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر. وهذا محرم أيضا قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156] أي لو أنهم بقوا ما قتلوا؛ فهم يعترضون على قدر الله.
الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر. وهذا محرم أيضًا لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه، لأن الندم يكسب النفس حزنًا وانقباضًا والله يريد منا أن نكون في انشراح وانبساط قال صلى الله عليه وسلم:"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
مثال ذلك: رجل حرص أن يشتري شيئًا يظن أن فيه ربحًا فخسر، فقال: لو أني ما اشتريته ما حصل لي خسارة فهذا ندم وتحسر، ويقع كثيرًا، وقد نهي عنه.
الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية؛ كقول المشركين {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] وقولهم {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20] وهذا باطل.
الخامس: أن تستعمل في التمني، وحكمه حسب المتمني: إن كان خيرًا فخيرًا وإن كان شرا فشرا، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصه النفر الأربعة قال أحدهم:"لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان". فهذا تمنى خيرًا، وقال الثاني:"لو أن لي مالًا لَعملت بعمل فلان". فهذا تمنى شرًّا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأول: "فهو بنيته، فأجرهما
سواء". وقال في الثاني: "فهو بقيته فوزرهما سواء".
السادس: أن تستعمل في الخبر المحض.
وهذا جائز مثل: لو حضرت الدرس لاستفدت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم" فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو علم أن هذا الأمر سيكون من الصحابة ما ساق الهدي ولأحل، وهذا هو الظاهر لي.
وبعضهم قال: إنه من باب التمني، كأنه قال: ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت حتى لا أسوق الهدي.
لكن الظاهر: أنه خبر لما رأى من أصحابه، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتمنى شيئًا قدر الله خلافه"
(1)
.
قال في التيسير: "وقال القاضي: "قال بعض العلماء: هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقدا ذلك حتما، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه قطعا. فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى، وأنه لن يصيبه إلا ما شاء الله، فليس من هذا، واستدل بقول أبي بكر الصديق في الغار: لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا. قال القاضي: وهذا ما لا حجة فيه، لأنه أخبر عن مستقبل، وليس فيه دعوى لرد القدر بعد وقوعه. قال: وكذا جميع ما ذكره البخاري فيما يجوز من "اللو" كحديث "لولا حدثان قومك بالكفر، لأتممت البيت على قواعد إبراهيم" و"لو كنت راجما بغير بينة لرجمت هذه"، "ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"، وشبه ذلك، وكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر ولا كراهة فيه، لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته، فأما ما ذهب فليس في قدرته. فإن قيل: ما تصنعون بقوله صلى الله عليه وسلم "لو
(1)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 10/ 949، 950. وانظر: القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 3/ 122، 124.
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة"؟ قيل هذا كقوله:"لولا حدثان قومك بالكفر" ونحوه مما هو خبر عن مستقبل لا اعتراض فيه على قدر، بل هو إخبار لهم أنه لو استقبل الإحرام بالحج؛ ما ساق الهدي ولا أحرم بالعمرة بقوله لهم لما أمرهم بنسخ الحج إلى العمرة حثا لهم وتطييبا لقلوبهم لما رآهم توقفوا في أمره، فليس من المنهي عنه، بل هو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عن ذلك في معارضة القدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو يقع لوقع خلاف المقدور"
(1)
.
وقال الشيخ بكر أبو زيد: "واستثنى العلماء من ذلك جواز "لو" في الأمور الشرعية التي لم تمكنه، لأنه من باب تمني الخير وفعله، وعليه عقد البخاري في الصحيح: باب ما يجوز من اللو. وجوازها فيما يستقبل مثل: لو اشتريت كذا فأنا شريكك"
(2)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد 678، 679.
(2)
معجم المناهي اللفظية ص 676.