الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن قال الإمام أحمد بن حنبل واختاره أكثر أصحابه وقطع به أبو العباس ابن تيمية أنه لا بأس بصيد الليل. فقيل له: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرُّوا الطير على مكاناتها". فقال: هذا كان أحدهم يريد الأمر فيُثير الطير، يتفاءل إن كان عن يمينه قال كذا، وإن كان عن يساره قال كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أقرُّوا الطيرَ على مكاناتها" يشير إلى أن الحديث
…
وروده في التفاؤل؛ لأنَّ العربَ كان من عادتها التفاؤل بطيران الطير، إن طار على اليمين فهو خير، وإن طار على اليسار فهو شر"
(1)
.
5 - كيف يدفع الإنسان الطيرة:
يكون ذلك بالأسباب التالية:
1 -
الاعتماد على الله والإخلاص له في العبادة والعلم الجازم أن كل شيء بتقدير الله فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
2 -
ذكر الأدعية الواردة لدفع الطيرة إذا خطرت في نفس المسلم وهي: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
3 -
المضي فيما قصد إليه، وعدم التأثر بما تطير به، بل يرفض الطيرة رفضا تاما ويتوكل على الله، ولا يفتح على نفسه باب الخوف.
يوضح ذلك ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال: ومنا رجال يتطيرون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم"
(2)
قال النووي: "وفي رواية: "فلا يصدنكم" قال العلماء معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب
(1)
تأييد الإنكار لإتيان الطيور ونحوها في الأوكار ص 19، 20، تأليف شمس الدين محمد بن علي بن طولون الصالحي.
(2)
سبق تخريجه.
لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير، والطيرة وهي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم"
(1)
.
قال ابن القيم: "فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده، لا ما رآه وسمعه. فأوضح صلى الله عليه وسلم. لأمته الأمر، وبين لهم فساد الطيرة، ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى"
(2)
.
وما يقع في القلب حال المضي والتوكل لا يكاد يسلم منه أحد كما جاء في قول ابن مسعود: "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل"
(3)
. قال الإمام البغوي: "فأما ما يقع في قلبه من محبوب ذلك ومكروهه فليس بطيرة، إذا مضى لحاجته وتوكل على ربه. قال ابن عباس: إن مضيت فمتوكل، وإن نكصت فمتطير"
(4)
.
6 -
فائدة: أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه: "لا طيرة، والطيرة على من تطير".
وقال إبراهيم: قال عبد الله: "لا تضر الطيرة إلا من تطير"
(5)
.
قال ابن تيمية: "وإنما تضر الطيرة من تطير لأنه أضر بنفسه فأما المتوكل على الله فلا"
(6)
.
(1)
شرح مسلم 5/ 22.
(2)
مفتاح دار السعادة 2/ 234.
(3)
انظر كلام الشيخ حمد بن معمر في الدرر السنية 11/ 41.
(4)
شرح السنة 12/ 170.
(5)
شرح السنة للبغوي 12/ 170.
(6)
مجموع الفتاوى 4/ 80.
وقال ابن القيم: "اعلم أن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئًا لم يضره البتة"
(1)
.
وقال ابن عثيمين: "والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم، ضاقت عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى أنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته، ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم وقال: اليوم يوم سوء وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتر - والعياذ بالله - وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء ويقول: إنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولا سيما في النكاح، وقد نقضت عائشة رضي الله عنها هذا التشاؤم، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال، وبنى بها في شوال، فكانت تقول: "أيكن كان أحظى عنده مني؟ " والجواب: لا أحد"
(2)
.
وقال ابن القيم: "واعلم أن من كان معتنيًا بالطيرة قائلا بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدره، وتفتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه"
(3)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "فالواجب على العبد التوكل على الله ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يمضي لشأنه لا يرده شيء من الطيرة عن حاجته فيدخل في الشرك"
(4)
.
وقال رحمه الله: "فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى واعتصم بحبله المتين، وتوكل على الله، قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبادر خواطرها من قبل استمكانها"
(5)
.
(1)
مفتاح دار السعادة 2/ 230.
(2)
مجموع الفتاوى لابن عثيمين 9/ 514، وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 32.
(3)
مفتاح دار السعادة 2/ 230، 231.
(4)
تيسير العزيز الحميد ص 427.
(5)
تيسير العزيز الحميد ص 434.