الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة بعثها إلى بعض أنصاره: "واذكروا لهم أن الواجب على الرجل، أن يعلم عياله، وأهل بيته الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة فيه، مثل تعليم الوضوء والصلاة، لأنه لا صحة لإسلام المرء، إلا بصحة الصلاة، ولا صحة لإسلامه أيضا إلا بصحة الموالاة والمعاداة في الله"
(1)
.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن فرقانا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"
(2)
.
وقال الشيخ حمد بن عتيق: "فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده"
(3)
.
*
أقسام الموالاة:
تنقسم الموالاة إلى قسمين:
ما هو كفر وخروج من الدين.
ما هو كبيرة من الكبائر وذنب من الذنوب.
* القسم الأول: الموالاة التي تخرج صاحبها من الملة، ويسميها أئمة الدعوة
(1)
الرسائل الشخصية ص 222، 223.
(2)
رسالة أوثق عرى الإيمان ص 38.
(3)
النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك (ضمن مجموعة التوحيد) ص 363.
التولي، فمن تولاهم مطلقا فهو كافر إن أظهر ذلك، ومنافق إن أخفاه، وهي محبتهم بالقلب، وينشأ عنها النُصرة والمساعدة بالمال أو بالسلاح أو بالرأي.
قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي: "من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولك متول أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه"
(1)
.
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} : "فيه قولان:
أحدهما: من يتولهم في الدين فإنه منهم في الكفر.
والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمره"
(2)
.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عن هذه المسألة:
"وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57]. فقد فسرته السنة وقيدته بالموالاة المطلقة العامة"
(3)
.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره، عند قوله سبحانه:" {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} - قال: ويفهم من ظواهر الآيات أن من تولى الكفار عامدًا اختيارًا، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم"
(4)
.
(1)
تفسير الطبري 6/ 160.
(2)
زاد المسير 2/ 378.
(3)
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/ 7، الدرر السنية 1/ 474.
(4)
أضواء البيان 2/ 111.
وبهذا تعلم أن الولاء الكفري هو محبة الكفار لأجل دينهم ونصرتهم له والرضا به، وبمظاهرتهم وإعانتهم والذب عنهم.
ويقول الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28]: "ومعنى ذلك: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفارَ ظهرًا وأنصارًا، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} يعني بذلك، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تُعينوهم على مسلم بفعل"
(1)
.
وقد تقدم مثل ذلك في باب (مظاهرة الكفار على المسلمين).
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن حسن عن الفرق بين الموالاة والتولي.
فأجاب: "التولِّي كفر يخرج من الملة وهو كالذب عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب كبلِّ الدواة، وبري القلم، والتبشش لهم ولو رفع السوط لهم"
(2)
.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: "إن الموالاة هي: الموافقة والمناصرة والمعاونة، والرضا بأفعال من يواليهم، وهذه هي الموالاة العامة التي إذا صدرت من مسلم لكافر، اعتبر صاحبها كافرا. أما مجرد الاجتماع مع الكفار بدون إظهار تام للدين مع كراهية كفرهم، فمعصية لا توجب الكفر"
(3)
.
(1)
تفسير الطبري 3/ 228.
(2)
الدرر السنية 8/ 422.
(3)
الدرر السنية 7/ 309.
* القسم الثاني: الموالاة التي لا تستوجب الكفر لما جاء في صحيح البخاري في قصة حاطب بن أبي بلتعة وفيه قال عمر بن الخطاب: "دعني أضرب عنق هذا
…
" الحديث.
فما كان من الموالاة التي ليس فيها الرضا بأفعال من يواليهم، بل لنسب وقربى أو لأسباب ومصالح دنيوية، فإنه لا يستوجب التولي التام فلا يكون كفرا
(1)
.
قال القرطبي رحمه الله: "من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرًا إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنبا ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرًا كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم
…
وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبيّ في قصة الإفك"
(3)
.
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ -:
"وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعه، وما فيها من الفوائد، فإنه هاجر إلى الله ورسوله، وجاهد في سبيله، لكن حدث منه: أنه كتب بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره لجهادهم، ليتخذ بذلك يدًا عندهم، تحمي أهله، وماله بمكة، فنزل الوحي بخبره، وكان قد أعطى الكتاب: ظعينة، جعلته في شعرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا، والزبير، في طلب الظعينة، وأخبرهما، أنهما يجدانها في روضة خاخ، فكان ذلك،
(1)
انظر في ذلك الدرر السنية 9/ 325.
(2)
التفسير 18/ 52.
(3)
انظر مجموع الفتاوى 7/ 522، 523.
وتهدداها، حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا حاطب بن أبي بلتعة، فقال له:"ما هذا"؟ فقال: يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد، أحمي بها أهلي، ومالي، فقال صلى الله عليه وسلم:"صدقكم، خلوا سبيله" واستأذن عمر، في قتله، فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:"وما يدريك، أن اللّه اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" وأنزل الله في ذلك، صدر سورة الممتحنة، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآيات.
فدخل حاطب في المخاطبة، باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، معه أن في الآية الكريمة، ما يشعر: أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك، قد ضل سواء السبيل، لكن قوله:"صدقكم، خلوا سبيله" ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، وإذا كان مؤمنًا بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال: خلوا سبيله. ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم:"ما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" هو المانع من تكفيره، لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته، ما يمنع من لحاق الكفر، وأحكامه؛ فإن الكفر: يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] وقوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] والكفر، محبط للحسنات والإيمان، بالإجماع؛ فلا يظن هذا."
(1)
.
قال الشيخ سليمان بن سمحان: "من الموالاة ما يوجب الردة ومنها ما دون ذلك"
(2)
.
(1)
أصول وضوابط في التكفير.
(2)
الدرر السنية 8/ 469.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: "مطلق الإعانة غير مكفر، لأن حاطب رضي الله عنه حصل منه إعانة للمشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم بنوع من العمل: إعانة بكتابة بسر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسير إليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم استفصل منه، فدل على أن الإعانة تحتاج إلى استفصال والله جل وعلا قال في مطلق العمل هذا: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ولكن ليس بمكفر إلا بقصد، فلما أجاب حاطب بأنه لم يكن قصده ظهور الكفر على الإسلام، "قال: يا رسول الله! والله ما فعلت هذا رغبة في الكفر بعد الإسلام، ولكن ما من أحد من أصحابك إلا وله يد يدفع بها عن أهله وماله، وليس لي يد في مكة، فأردت أن يكون لي بذلك لي يد"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
وهذا يدل على أن الاستفصال في هذه المسألة ظاهر، فالإعانة فيها استفصال، وأما المظاهرة بأن يكون ظهرًا لهم ويدفع عنهم ويدرأ عنهم ما يأتيهم ويدخل معهم ضد المسلمين في حال حربهم لهم هذا من نواقض الإسلام التي بينها أهل العلم"
(1)
.
وعن حدود الموالاة التي يكفر صاحبها جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: "موالاة الكفار التي يكفر بها من والاهم هي محبتهم ونصرتهم على المسلمين لا مجرد التعامل معهم بالعدل، ولا مخالطتهم لدعوتهم للإسلام ولا غشيان مجالسهم والسفر إليهم للبلاغ ونشر الإسلام"
(2)
.
فالولاء هو الموالاة المقيدة وهي كبيرة وفسق أما التولي فيراد منه الموالاة المطلقة العامة والمناصرة والمظاهرة على المسلمين ..
(1)
فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة 179 - 194.
(2)
فتاوى اللجنة 2/ 47.