الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى مسلم عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله" قال: فقلت: يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال""
(1)
.
وقد ذكر الإمام ابن منده هذا الحديث وبوب عليه في كتابه الإيمان بقوله: "ذكر ما يدل على أن قول لا إله إلا الله يوجب اسم الإسلام ويحرم مالك قائلها ودمه"
(2)
.
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلما"
(3)
.
ويقول أيضًا: "ومن أقر صار مسلمًا حكمًا"
(4)
.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "
…
وفي حديث ابن عباس من الفوائد [حديث بعث معاذ إلى اليمن] الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين"
(5)
.
*
ثانيًا: عدم قيام الحجة مانع من تكفير المعين:
وقد تقدم في أول الباب ذكر الأدلة من القرآن على أن قيام الحجة شرط في تكفير المعين.
(1)
أخرجه البخاري (6865) ومسلم (95) واللفظ له.
(2)
الإيمان لابن منده 1/ 198. وانظر: مثله قول الإمام ابن الصلاح شرح النووي 1/ 148.
(3)
جامع العلوم والحكم ص 72.
(4)
المرجع السابق ص 23.
(5)
فتح الباري 13/ 367.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إذا عرف هذا فتكفير "المعين" من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الأقدام إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية، التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.
وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذللى بالشك، بل لا يزال إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "هذا مع أني دائمًا ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن يُنسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية؛ إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى
…
الخ"
(2)
.
ويقول ابن حزم: "
…
ولا خلاف في أن امرءا لو أسلم ولم يعلم شرائع الإسلام فاعتقد أن الخمر حلال، وأن ليس على الإنسان صلاة، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافرا بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر"
(3)
.
وقال ابن تيمية: "إن الكتاب والسنة قد دلت على أن الله لا يعذب أحدًا، إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة، لم يعذبه رأسًا، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل،
(1)
مجموع الفتاوى 12/ 500، 501.
(2)
مجموع الفتاوى 3/ 229.
(3)
المحلى 13/ 151.
لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية وذلك مثل قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء. 165]، قال تعالى:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [الأنعام: 130]
(1)
.
وقال رحمه الله: "فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه، كقوله تعالى: {الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، فمن بلغه بعض القرآن دون بعض، قامت الحجة عليه بما بلغه دون ما لم يبلغه"
(2)
.
وقال رحمه الله: "لكن من الناس من يكون جاهلًا ببعض هذه الأحكام جهلًا يعذر به، فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء. 165]، ولهذا لو أسلم رجل، ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أو لم يعلم أن الخمر حرام، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا، وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية"
(3)
.
ويقول ابن حزم رحمه الله: "وكل ما قلنا فيه أنه يفسق فاعله أو يكفر بعد قيام الحجة، فهو ما لم تقم الحجة عليه معذور مأجور وإن كان مخطئًا، وصفة قيام الحجة عليه أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها وبالله التوفيق"
(4)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "أن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
(1)
مجموع الفتاوى 12/ 493.
(2)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 310. وانظر مجموع الفتاوى 12/ 493، 494 والموافقات للشاطبي 3/ 377.
(3)
مجموع الفتاوى 11/ 406.
(4)
الإحكام لابن حزم 1/ 71.
فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل"
(1)
.
وقال أيضًا رحمه الله: "
…
حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به، سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، فقصر عنه ولم يعرفه، فقدمت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحدا إلا بقيام الحجة عليه"
(2)
.
وعلى ذلك أدلة منها قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [القصص: 59].
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رءوف بهم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} وقد كان سادة الصحابة بالحبشة ينزل الواجب والتحريم على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبلغهم النص إلا بعد أشهر فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص والله أعلم"
(3)
.
وقال ابن العربي المالكي: "فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركًا أو كافرًا فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعًا قطعيًا يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل"
(4)
.
(1)
طريق الهجرتين 414، وانظر مدارج السالكين 1/ 188.
(2)
مدارج السالكين 2/ 239.
(3)
الكبائر للذهبي ص 12، تحقيق محي الدين مستو.
(4)
محاسن التأويل 5/ 1307.