الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
187 - الطاغوت
*
الطاغوت مشتق من الطغيان
(1)
وهو مجاوزة الحد
(2)
وأمرنا باجتنابه والكفر به قال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [البقرة: 256].
قال ابن جرير رحمه الله: "وأرى أن أصل الطاغوت الطغووت من قول القائل طغا فلان يطغو إذا عدا قدره فتجاوز حده كالجبروت من التجبر والحلبوت من الحلب ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير فعلوت بزيادة الواو والتاء ثم نقلت لامه - أعني لام الطغووت - فجعلت له عينًا وحُولت عينه فجعلت مكان لامه كما قيل: جذب وجبذ وجابذ وجاذب وصاعقة وصاقعة وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال"
(3)
.
وقال ابن فارس: "وكل مجاوز الحد في العصيان طاغ"
(4)
.
* أحكام القرآن القرطبي 5/ 248. شرح مسائل الجاهلية ص 94، 149. تسير العزيز الحميد ص 50، 368. فتح المجيد ص 43، 299. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 13، 175. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 1/ 23، 469، 2/ 8، ط 2 - 1/ 30، 587 ومن المجموع 9/ 16، 456. الدرر السنية 1/ 136، 161، 2/ 121، 299، 10/ 502، 503، الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 1/ 54. شجرة الإيمان للسعدي من المجموعة 3/ 396.فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 543. مجموع الفتاوى لابن باز 2/ 773، 782. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 2/ 195. حقيقة الكفر بالطاغوت د. علي بن نفيع. مباحث العقيدة في سور الزمر ص 253. شرح مسائل الجاهلية للسعيد 2/ 804، 877.
(1)
ثلاثة الأصول لابن عثيمين 153.
(2)
مختار الصحاح (ط غ ا).
(3)
تفسير ابن جرير الطبري 3/ 19.
(4)
مجمل اللغة 2/ 583.
وقال الراغب: "الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله ويستعمل في الواحد والجمع"
(1)
.
* وفي الشرع: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الطاغوت: الشيطان وجاء ذلك عن مجاهد والشعبي والضحاك وقتادة والسدي
(2)
.
وقال آخرون الطاغوت هو الساحر، وجاء ذلك عن أبي العالية
(3)
.
وقال آخرون: بل الطاغوت هو الكاهن، وجاء ذلك عن سعيد بن جبير ورفيع قال ابن جريج {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} قال: كهان تنزل عليها شياطين يلقون على ألسنتهم وقلوبهم
(4)
.
وقال ابن جرير: "أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول: وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال: كان في جهينة واحد، وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد، وهي كهان ينزل عليها الشيطان"
(5)
.
وقال أيضًا: "والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له إنسانًا كان ذلك المعبود أو شيطانًا أو وثنًا أو صنمًا أو كائنًا ما كان من شيء"
(6)
.
وفي قول عمر رضي الله عنه (الجبت: السحر، الطاغوت: الشيطان) قال ابن كثير رحمه الله: "وهو قول قويٌّ جدًّا، فإنه يتناول كل ما كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان
(1)
المفردات ص 305.
(2)
تفسير ابن جرير 3/ 18.
(3)
تفسير ابن جرير 3/ 19.
(4)
المصدر السابق.
(5)
تفسير ابن جرير 3/ 18.
(6)
تفسير ابن جرير 3/ 19.
والتحاكم إليها والاستنصار بها"
(1)
.
وتفسير العلماء للطاغوت ببعض أنواعه لا يدل على الحصر، وإنما هو من باب التفسير بالمثال أو من باب التنصيص على بعض أفراد العام لمعنى خاص فيه.
وقال ابن القيم: "الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع
(2)
، فطاغوت كل قومٍ من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة الله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها، وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم انصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم، ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معًا"
(3)
.
وجاء في فتاوى اللجنة: "معنى الطاغوت العام هو كل ما عبد من دون الله مطلقًا تقربًا إليه بصلاة أو صيام أو نذر أو ذبيحة أو لجوء إليه فيما هو من شأن الله لكشف ضر أو جلب نفع أو تحكيمًا له بدلًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك"
(4)
.
وفيها أيضًا أن الطاغوت: "من دعا إلى الشرك أو لعبادة نفسه أو ادعى شيئًا من علم الغيب أو حكم بغير ما أنزل الله متعمدًا ونحو ذلك"
(5)
.
(1)
تفسير القرآن العظيم 1/ 553.
(2)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا التعريف: "إنه أحسن ما قيل في تعريف الطاغوت". انظر: شرح الأصول الثلاثة من مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 153.
(3)
إعلام الموقعين 1/ 50.
(4)
فتاوى اللجنة 1/ 541.
(5)
فتاوى اللجنة 1/ 543.
* الدليل من الكتاب: قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 256، 257]، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} [النساء: 60]، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36]. وفسرت فتاوى اللجنة آية النساء بأن المراد بالطاغوت فيها: "كل ما عدل عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إليه من نظم وقوانين وضعية أو تقاليد وعادات متوارثة أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك أو دين يراه زعيم الجماعة أو الكاهن فهذه مضاهاة لتشريع الله داخل في معنى الطاغوت لكن من عبد من دون الله وهو غير راض بذلك كالأنبياء والصالحين لا يسمى طاغوتًا وإنما الطاغوت الشيطان الذي دعاهم إلى ذلك وزينه لهم من الجن والإنس"
(1)
.
* الدليل من السنة: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله هَلْ نرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
…
وذكر الحديث وفي آخره قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "
…
كَذَلِكَ يَجْمَعُ الله النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ
(1)
فتاوى اللجنة 1/ 542.
وَتَبْقَى هَذه الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا"
(1)
.
وروى مسلم في صحيحه من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلا بآبَائِكُمْ"
(2)
، والمراد بالطواغي: الطواغيت. كما جاء مصرحا بها في رواية عند النسائي: "لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلا بِالطَّوَاغِيتِ"
(3)
.
وروى أحمد عن ميمونة بنت كردم قالت: "كنت ردف أبي فسمعته يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة فقال: "أبها وثن أم طاغية " فقال: لا، قال: "أوفِ بنذرك""
(4)
.
أما حكم الطاغوت فالكفر به أحد ركني الشهادة فلا يكفي الإتيان بالشهادة إلا بالكفر بالطاغوت - فلا إله إلا الله - نفي وإثبات وما تنفيه "لا إله إلا الله"، هو عبادة الطاغوت وهو الشرك.
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "اعلم - رحمك الله - أن أول ما فرض الله على ابن آدم: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، والدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
فأما صفة الكفر بالطاغوت: فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفِّر أهلها، وتعاديهم.
وأما معنى الإيمان بالله: فأن تعتقد أن الله هو الإله المعبوده وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص، وتواليهم، وتبغض أهل الشرك، وتعاديهم؛ وهذه ملة إبراهيم التي
(1)
أخرجه البخاري (7437).
(2)
أخرجه مسلم (1648).
(3)
أخرجه النسائي (3805).
(4)
المسند (27606) 6/ 366.