الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على نفسه النفاق، قال:"ومن لا يأمن على نفسه النفاق؟ "
(1)
.
وقال ابن القيم: "تالله لقد قطع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين. لعلمهم بدقه وجله، وتفاصيله وجمله"
(2)
.
وينبغي أن يعلم أن الذي خافه السلف الصالح هو النفاق في الأعمال
(3)
.
فوائد وأحكام:
1 - أقسام النفاق:
قسَّم علماء السلف النفاق إلى قسمين كما قال الحسن رضي الله عنه: "النفاق نفاقان: نفاق بالتكذيب، ونفاق بالعمل"
(4)
.
وقد يقال نفاق قلب، ونفاق عمل. أو نفاق اعتقادي، ونفاق عمل. أو نفاق أكبر، ونفاق أصغر.
القسم الأول: النفاق الاعتقادي ويسمى النفاق الأكبر وهذا ما عناه الإمام أحمد بقوله: "والنفاق هو الكفر أن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله"
(5)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره بأن يظهر تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدوًا
(1)
مسائل ابن هانئ 2/ 176.
(2)
مدارج السالكين 1/ 358.
(3)
الإيمان لابن تيمية ص 409. انظر فتح الباري 1/ 111.
(4)
الترمذي (2632)، والآجري (939) ص 699، وانظر للاستزادة تفسير ابن كثير حول الآية 8، 9 من سورة البقرة 1/ 47 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/ 214.
(5)
أصول السنة ص 82، اعتقاد أهل السنة 1/ 162.
لله ورسوله"
(1)
.
وقال رحمه الله: "فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فأن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول عظيم القدر - علمًا وعملًا - وأنه يجوز تصديقه وطاعته لكنه يقول: إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدا، ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته، إما بطريق الفلسفة والصبو، أو بطريق التهود والتنصر
…
"
(2)
.
وقال الذهبي: "وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء، وطلب العلم ليُقال، وحب الرئاسة والمشيخة، وموادة الفجار والنصارى فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غِلُّ النبي صلى الله عليه وسلم أو خرج من قضاياه، أو يصوم رمضان غير محتسب، أو يُجوِّز أن دين النصارى أو اليهود دينٌ مليحٌ ويميل إليهم، فهذا لا ترْتَبْ في أنه كامل النفاق وأنه في الدرك الأسفل من النار، صفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عَامَل الناس فبالمكر والخديعة، قد اتَّخَذّ إسلامه جُنَّة، نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم.
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى يدعها ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار"
(3)
.
وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنواع النفاق الأكبر فقال: "
…
فأما
(1)
الفتاوى 28/ 434. وقد ذكر هذه الأقسام الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
(2)
مجموع الفتاوى 7/ 639.
(3)
سير أعلام النبلاء 11/ 363.
النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع، تكذيب الرسول، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول، أو بغض الرسول، أو بعض ما جاء به الرسول، أو المسرة بانخفاض دين الرسول، أو الكراهية بانتصار دين الرسول، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار"
(1)
.
وسئل الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عمن أظهر علامات النفاق ممن يدعي الإسلام، هل يقال عنه أنه منافق أم لا؟ فأجاب رحمه الله:"من ظهرت منه علامات النفاق الدالة عليه كارتداده عند التحزيب على المؤمنين وخذلانهم عند اجتماع العدو، كالذين قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وكونه إذا غلب المشركون التجأ إليهم، ومدحه للمشركين بعض الأحيان، وموالاتهم من دون المؤمنين، وأشباه هذه العلامات التي ذكرها الله أنها علامات للنفاق، وصفات للمنافقين، فإنه يجوز إطلاق النفاق عليه وتسميته منافقًا"
(2)
.
ومن هذه النقول نعلم أن هناك أنواعًا كثيرة من النفاق الأكبر يكون صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار، وهي كالتالي:
1 -
تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 -
تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
بغض الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 -
بغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
(3)
.
5 -
المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
مجموعة التوحيد ص 7.
(2)
الدرر السنية 7/ 79، 80.
(3)
انظر باب: (بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم).
(4)
انظر باب: (المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم).
6 -
الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
7 -
عدم اعتقاد وجوب تصديقه فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
8 -
عدم اعتقاد وجوب طاعته فيما أمر به صلى الله عليه وسلم.
ومن صفاتهم أيضًا:
9 -
أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه
(1)
.
10 -
مظاهرة الكافرين ومناصرتهم على المؤمنين
(2)
.
11 -
الاستهزاء
(3)
والسخرية بالمؤمنين لأجل إيمانهم وطاعتهم لله ولرسوله.
12 -
التولي والإعراض عن حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الصفات أكثرها متعلق بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله "
…
فالنفاق يقع كثيرًا في حق الرسول، وهو أكثر ما ذكره الله في القرآن من نفاق المنافقين في حياته
…
"
(4)
.
وقال أيضًا: "ما يتعلق بأصول الإيمان من التصديق والتكذيب والحب والبغض وتوابع ذلك فإن هذه الأمور يحصل فيها الثواب والعقاب وعلو الدرجات وأسفل الدركات بما يكون في القلوب من هذه الأمور وإن لم يظهر على الجوارح بل المنافقون يظهرون بجوارحهم الأقوال والأعمال الصالحة وإنما عقابهم وكونهم في الدرك الأسفل من النار على ما في قلوبهم من الأمراض وإن كان ذلك قد يقترن به أحيانا بغض القول والفعل لكن ليست العقوبة مقصورة على ذلك البغض اليسير وإنما ذلك البغض دلالة"
(5)
.
(1)
انظر باب: (سب الرسول صلى الله عليه وسلم).
(2)
انظر باب: (مظاهرة الكافرين).
(3)
انظر باب: (الاستهزاء).
(4)
الإيمان ص 285، وانظر نواقض الإيمان الاعتقادية 2/ 160.
(5)
مجموع الفتاوى 10/ 759.
فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن فأوجب لهم الدرك الأسفل من النار. كما قال الله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء. 145 - 146].
قال الإمام البغوي رحمه الله: "إن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} قيل إنهم يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين"
(1)
.
وقيل إن النفاق كالإيمان أصله في القلب والذي يظهر من الأقوال والأفعال فرع له ودليل عليه، فإذا وجدت وظهرت مثل هذه الصفات كان ذلك دليلا على نفاق صاحبها
(2)
.
الثاني: النفاق العملي ويسمى النفاق الأصغر قال عنه ابن كثير: "وهو من أكبر الذنوب"
(3)
.
والنفاق العملي له خصال كثيرة جاءت الأحاديث بعدِّها في خمس علامات.
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمن خان"
(4)
. وفي الحديث الآخر: "وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر"
(5)
.
(1)
تفسير البغوي 1/ 67.
(2)
انظر الصارم المسلول 35.
(3)
تفسير ابن كثير 1/ 47.
(4)
أخرجه البخاري (33)(2682)(2749)(6095)، ومسلم (59).
(5)
أخرجه البخاري (34)(2459)(3178)، ومسلم (58).
وهذا النوع من النفاق لا يخرج صاحبه من الإسلام فهو نفاق دون نفاق.
ومن النفاق ما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها"
(1)
.
وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يُحدِّث به نفسه مات على شعبة من نفاق"
(2)
.
وروى البخاري عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا جنا من عندهم. قال: "كنا نعدها نفاقًا"
(3)
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق بغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار"
(4)
.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأميِّ صلى الله عليه وسلم: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق"
(5)
.
روى الفريابي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "المنافق الذي إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا غنم غلَّ، وإذا أُمر عصى، وإذا لقي جبن، فمن كن فيه ففيه النفاق كله، ومن كان فيه بعضهن ففيه بعض النفاق"
(6)
.
(1)
أخرجه الإمام أحمد (6633)(6637).
(2)
أخرجه مسلم (1910).
(3)
أخرجه البخاري (7178).
(4)
أخرجه البخاري (17)، ومسلم (74).
(5)
أخرجه مسلم (78).
(6)
صفة المنافق للإمام الفريابي (20) ص 51.