الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
230 - كفر الإباء والاستكبار
*
قال الرازي: "الإباء: الامتناع"
(1)
.
وقال الراغب: "الإباء: شدة الامتناع، فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء.
قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]. وقال: {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} ، وقوله:{أَبَى وَاسْتَكْبَر} . وقوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}
(2)
. فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر، ومن عبده وعبد معه غيره فهو مشرك، ومن عبده وحده بغير ما شرع فهو مبتدع ومن عبده وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد.
والإباء يقابله الانقياد والقبول قال الشيخ عبد الرحمن البراك: "وأما الانقياد: فإنه يتضمن الاستجابة والمحبة والرضا والقبول، وضد ذلك الإباء والاستكبار والكراهة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم"
(3)
.
ومن الأمثلة على ذلك كفر إبليس فإن كفره من جهة الإباء والاستكبار كما أخبر الله عنه في أكثر من موضع قال شيخ الإسلام: "وكفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم، فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر، وكان من الكافرين، فكفره بإلإباء
* التمهيد لابن عبد البر 4/ 226. مجموع الفتاوى 20/ 97، 28/ 502. والعبودية ص 110. كتاب الصلاة لابن القيم ص 54. مدارج السالكين 1/ 337، معارج القبول 2/ 22، 23. النواقض لعبد العزيز آل عبد اللطيف.
(1)
مختار الصحاح (أ ب ا).
(2)
المفردات للراغب (أ ب ا).
(3)
جواب في الإيمان ونواقضه، ص 15.
والاستكبار وما يتبع ذلك، لا لأجل تكذيب، وكذلك فرعون قومه جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا
…
"
(1)
.
وقال ابن القيّم رحمه الله: "وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، إنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباءًا واستكبارًا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل
…
"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام: "ولو أنهم هدوا لما هدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل أعني في الأصل قولا في القلب وعملا في القلب فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته، وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره فيصدق القلب أخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به والتصديق هو من نوع العلم والقول وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو نوع من الإرادة والعمل ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين فمتى ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين وإن كان مصدقًا، فالكفر أعم من التكذيب يكون تكذيبًا وجهلًا ويكون استكبارًا وظلمًا، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالًا وهو الجهل ألا ترى أن نفرًا من اليهود جاؤوا إلى النبي وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا نشهد أنك نبي ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم
…
"
(3)
.
(1)
الإيمان الأوسط ص 76، وانظر: الفتاوى 20/ 97، والعبودية ص 110.
(2)
مدارج السالكين 1/ 366.
(3)
الصارم المسلول 3/ 967.
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله "
…
وإن انتفى عمل القلب، وعمل الجوارح مع المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار، ككفر إبليس، وكفر غالب اليهود الذين شهدوا أن الرسول حق ولم يتبعوه أمثال حُيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف وغيرهم، وكفر من ترك الصلاة عنادًا واستكبارًا، ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب"
(1)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: "من كفر الإباء والاستكبار الامتناع عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستجابة لما يدعو إليه ولو مع التصديق بالقلب واللسان، وذلك ككفر أبي طالب، وكفر من أظهر الاعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم"
(2)
.
فالإيمان هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد ليس مجرد التصديق كما زعمت المرجئة
(3)
.
قال إسحاق بن راهويه: "وقد أجمع العلماء على أن من دفع شيئًا أنزله الله .. وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر"
(4)
.
وقال الجصاص في تفسير قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء. 65] (وفي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئًا من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواءً ردّه من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في
(1)
معارج القبول 2/ 22، 23.
(2)
أجوبة في الإيمان ونواقضه ص 16.
(3)
انظر: كتاب الصلاة لابن القيم 54.
(4)
التمهيد لابن عبد البر 4/ 226 باختصار.
حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة، وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه، فليس من أهل الإيمان
(1)
.
ويقول ابن تيمية: "إن العبد إذا فعل الذنب مع اعتقاد أن الله حرّمه عليه، واعتقاد انقياده لله فيما حرمه وأوجبه، فهذا ليس بكافر، فأما إن اعتقد أن الله لم يحرّمه، أو أنه حرّمه، لكن امتنع من قبول هذا التحريم، وأبى أن يذعن لله وينقاد، فهو إما جاحد أو معاند، ولهذا قالوا: من عصى الله مستكبرًا كإبليس كفر بالاتفاق، ومن عصى مشتهيًا لم يكفر عند أهل السنة والجماعة، وإنما يكفره الخوارج، فإن العاصي المستكبر وإن كان مصدقًا بأن الله ربه، فإن معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق، وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلًا فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أنها حلال له وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله أحلها، وتارة باعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربيوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفرًا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم
(1)
أحكام القرآن للجصاص 2/ 213، 214.
موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقرّ بذلك، ولا ألتزمه وأبغض هذا الحق وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع"
(1)
.
قال النسفي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب.36]: "فإن كان العصيان عصيان ردّ وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق"
(2)
.
(1)
الصارم المسلول ص 521، 522، وانظر: مجموع الفتاوى 20/ 97.
(2)
تفسير النسفي 3/ 468 عند تفسيره آخر الآية 36 من سورة الأحزاب.